العلامة السيد مرتضى الكشميري :يقول زيارة الامام الحسين (ع) في العشرين من صفر من الزيارات المستحبة وهي فعل إمامين من أئمة أهل البيت (ع)، وإن قول الامام (ع) وفعله من السنة
    
العلامة السيد مرتضى الكشميري يقول: 
• زيارة الامام الحسين (ع) في العشرين من صفر من الزيارات المستحبة وهي فعل إمامين من أئمة أهل البيت (ع)، وإن قول الامام (ع) وفعله من السنة 
• إن العادة المتعارفة و المطردة عند المجتمعات الإسلامية و غيرها الاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوما من وفاته بإسداء البر إليه و تأبينه و عد مزاياه في حفلات تعقد تخليدا لذكره

 

جاء حديثه هذا بمناسبة ذكرى زيارة الأربعين مبتدئا بدعاء الإمام الصادق (ع) في سجوده لزواره الحسين (ع) (اللهمّ ، يا من خصَّنا بالكرامة ، ووعدنا بالشفاعة ، وخصّنا بالوصية ، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي ، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر جدّي الحسين ، الذين أنفقوا أموالهم ، وأشخصوا أبدانهم رغبةً في بِرنا ، ورجاءً لما عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيّك ، وإجابة منهم لأمرنا ، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا ؛ أرادوا بذلك رضاك فكافئهم عنّا بالرضوان ، واكلأهم بالليل والنّهار ، وأخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف ، وأصحبهم ، واكفِهم شرَّ كلِّ جبّار عنيد ، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد ، وشرّ شياطين الإنس والجنّ ، وأعطهم أفضل ما أملوه في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم اللهمّ ، إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم إلينا ، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا ؛ خلافاً منهم على ما خالفنا . اللهم ، ارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس . وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حفرة أبي عبد الله الحسين . وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا . وارحم تلك القلوب التي جزعت ، واحترقت لنا . وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا . اللهمّ ، إنّي استودعك تلك الأنفس والأبدان حتّى توفيهم على الحوض يوم العطش الأكبر).

وقال: لقد تظافرت الروايات المعتبرة عن النبي (ص) والعترة الطاهرة (ع) في فضل زيارة الإمام الحسين (ع) و ما أعده الله من الأجر و الثواب لزائريه، ولعل سائلا يسأل: لماذا كل هذا الاهتمام بزيارته (ع) وبزيارات خاصة وعامة في أيام السنة؟ 

والجواب كما يقول السيد المقرم: 

إن النزعة الأموية لم تزل تنجم و تخبو في الفينة بعد الفينة تتعاوى بها ذوو أغراض مستهدفة وإن أصبح الأمويون رمما بالية و لم يبق منهم إلا شية العار وسبة عند كل ذكر لكن بما أنها إلحادية يتحراها لفيفهم ، ومن انضوى إليهم من كل الأجيال ، فكان همُّ أهل البيت (ع) إخمادها ، ولفت الأنظار إلى ما فيها من المروق عمّا جاء به المنقذ الأكبر (ص) ، الذي لاقى المتاعب في سبيل نشر دعوته واحيائها . ومن الطرق الموجبة لتوجيه النّفوس نحوها ، وتعريف مظلوميّتهم ، ودفعهم عن الحقّ الإلهي المجعول لهم من المشرّع الأعظم ذِكرُ قضيّة سيّد الشهداء (ع) ؛ لاحتفافها بمصائب يرقّ لها قلب العدوّ الألد ، فضلاً عن الموالي المشايع لهم ، المعترف بما لهم من خلافة مغتصبة .

فأراد الأئمّة (ع) أن تكون شيعتهم على طول السّنة ، ومرّ الأيام غير غافلين عمّا عليه السّلطة الغاشمة من الإبتعاد عن النّهج القويم ؛ فحمّلوهم على المثول حول مرقد سيّد شباب أهل الجنة (ع) في مواسم خاصّة وغيرها ، فإنّ طبع الحال قاضٍ بأنّهم في هذا المجتمع يتذاكرون تلك القساوة التي استعملها الاُمويّون ؛ من ذبح الأطفال ، وتسفير حرم الرسالة من بلد لآخر 

وإنّ الحميّة والشهامة تأبى لكلّ أحد أن يخضع لمن أتى بهذا الفعل الشنيع مع كلّ أحد ، فضلاً عن آل الرسول الأقدس (ص)، فتحتدم إذ ذاك النّفوس ، وتثور العاطفة ، ويحكم على هؤلاء الأرجاس بالمروق عن دين الإسلام . وطبعاً هذا الداعي في سيّد الشهداء (ع) ألزم من غيره من الأئمّة (ع) ، لاشتمال قضيّته على ما يرقق القلوب ، ومن هنا اتخذه المعصومون (ع) حُجّة يصولون بها على أعدائهم ، فأمروا شيعتهم بالبكاء تارة ، والإحتفال بأمره ـ بأيّ نوع كان ـ تارة اُخرى ، وزيارته ثالثة ، إلى غير ذلك ؛ ممّا ترك الاُمّة حسينيّة الذكر كما أنّها حسينيّة المبدأ ، ولا تلفظ نفسها الأخير إلا وهي حسينيّة .

ومن تلكم الزيارات المخصوصة زيارة الأربعين التي ورد فيها النص عن المعصوم (ع) و اعتبارها من علائم المؤمن وسببها كما يقول (رحمه الله) أن العادة المتعارفة هي الاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً مضَين من وفاته بإسداء البرّ إليه وتأبينه ، وعدّ مزاياه في حفلات تُعقد وذكريات تدوّن ، تخليداً لذكره على حين إن الخواطر تكاد تنساه والأفئدة أوشكت أنْ تهمله ، فبذلك تعاد إلى ذكره البائد صورة خالدة ، بشعر رائق تتناقله الألسن ، ويستطيع في القلوب ، فتمرّ الحقب والأعوام وهو على جِدته . أو خطاب بليغ تتضمّنه الكتب والمدوّنات حتّى يعود من أجزاء التاريح التي لا يبليها الملوان ، فالفقيد يكون حيّاً كلّما تُليت هاتيك النتف من الشعر أو وقف الباحث على ما اُلقيت فيه من كلمات تأبينيّة بين طيّات الكتب ، فيقتصّ أثره في فضائله وفواضله ، وهذه السُنّة الحسنة تزداد أهميّةً كلّما ازداد الفقيد عظمة وكثرت فضائله ، وإنّها في رجالات الإصلاح ، والمقتدى بهم من الشرائع أهمّ وآكد ؛ لأنّ نشر مزاياهم وتعاليمهم يحدو إلى اتّباعهم واحتذاء مثالهم في الإصلاح و تهذيب النّفوس .

ولهذا جرت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كلّ سنة ، ولعلّ رواية أبي جعفر الباقر (ع) (إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء) تلميح إلى هذه العادة المألوفة بين النّاس.

وحديث الإمام الحسن العسكري (ع) (علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتختّم في اليمين ، وتعفير الجبين)، يرشدنا إلى تلك العادة المطّردة المألوفة ، فإنّ تأبين سيّد الشهداء وعقد الاحتفالات لذكره في هذا اليوم إنّما يكون ممَّن يمتّ به بالولاء والمشايعة ، ولا ريب في أنّ الذين يمتّون به بالمشايعة هم المؤمنون المعترفون بإمامته ، إذاً فمن علامة إيمانهم وولائهم لسيّد شباب أهل الجنّة المنحور في سبيل الدعوة الإلهيّة المثول في يوم الأربعين من شهادته عند قبره الأطهر لإقامة المأتم ، وتجديد العهد بما جرى عليه وعلى صحبه وأهل بيته من الفوادح و قد علق (رحمه الله) على الحديث بقوله: إن زيارة الأربعين فيها إرشاد الموالين بالحضور في مشهد الغريب المظلوم سيد الشهداء (ع) لإقامة العزاء و تجديد العهد بذكر ما جرى عليه من القساوة التي لم يرتكبها أي أحد يحمل شيئا من الإنسانية فضلا عن الدين و الحضور عند قبر الحسين(ع) يوم الأربعين من مقتله من أظهر علائم الإيمان . 

و قد اتفق جمهرة من أعلام الإمامية منذ يوم شهادة الإمام الحسين (ع) و حتى يومنا هذا على استحباب زيارة الأربعين و منهم الشيخ أبو جعفر الطوسي، ذكر بعد أن روى الأحاديث في فضل زيارته المطلقة الزيارات المقيدة بأوقات خاصة و منها يوم عاشوراء و بعده روى هذا الحديث:(علامات المؤمن خمس....)، و في مصباح المتهجد ذكر شهر صفر و ما فيه من الحوادث ثم قال (وفي يوم العشرين منه رجوع حرم أبي عبد الله (ع) من الشام إلى المدينة و ورود الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري إلى كربلاء لزيارة الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) و لعله كان أول من زاره من المؤمنين في يوم العشرين من صفر) ( بتصرف نقلا عن مقتل السيد المقرم) و في نفس اليوم كان وصول الإمام السجاد (ع) وعمته عقيلة الهاشميين والسبايا من آل بيت النبوة إلى زيارة الحسين (ع)، وزيارة الإمام (ع) في هذا اليوم دليل على استحبابها لأن فعل المعصوم و قوله و تقريره حجة .

مضافا إلى هذا فقد ذهب العلامة الحلي في (المنتهى) و(التذكرة) و(التحرير) والفيض الكاشاني والشيخ المفيد وغيرهم إلى استحباب زيارة الإمام الحسين (ع) في العشرين في صفر.(انتهى ما نُقل عن كتاب للسيد المقرم).

فعلى الزائر الكريم أن يجدد بزيارته للإمام (ع) العهد و الولاء و الطاعة و النصرة والاستعداد للتضحية من أجل مبادئ الحسين (ع) و أن تكون له هذه المناسبة موسما تربويا لتربية النفس على الأخلاق الفاضلة و إصلاحها و التوبة الصادقة و مراجعة النفس وأن يعقد العزم على التوبة لله تعالى توبة نصوحا.

وشدد سماحته على أن الإخلاص لله تعالى ضروري في أداء شعائر هذه الزيارة كإقامة المواكب و خدمة الزائرين و البكاء و اللطم على الحسين (ع) و غير ذلك.

كما نبه على تجنب إيذاء الزائرين والتحلي بالأخلاق الحسنة معهم و التفاني في خدمتهم و تلبية احتياجاتهم فإنهم ضيوف سيد الشهداء (ع) والمكرّمون عنده. 

نسأل من الله تعالى أن يحفظ زوار الحسين (ع) من كل سوء و بلاء و أن يرجعهم سالمين غانمين بمحمد (ص)و آله الطاهرين.

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين.

محرر الموقع : 2017 - 11 - 08