العلامة السيد مرتضى الكشميري يهنئ العالم الاسلام بمناسبة ذكرى ولادة الامامين (محمد بن علي الباقر) و(علي بن محمد الهادي) عليهما السلام، وحلول شهر رجب الاصب شهر التخلي
    
العلامة السيد مرتضى الكشميري
يهنئ العالم الاسلام بمناسبة ذكرى ولادة الامامين (محمد بن علي الباقر) و(علي بن محمد الهادي) عليهما السلام، وحلول شهر رجب الاصب شهر التخلي

 

جاء حديثه هذا في مؤسسة الامام علي (ع) بمناسبة حلول شهر رجب المرجب وولادة الامامين الباقر والهادي (ع) وشهادته، وقد تحدث عن مقام هذين الامامين وما قاما به من دور مهم لصيانة الاسلام والحفاظ عليه من العابثين، مجسدين بسيرتهما منهج وخط النبوة الذي جمع كل المكارم والمأثر الزاخرة بالعطاء والهداية الربانية، مؤثرين رضا الله سبحانه وتعالى على كل شيء في الحياة (رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين). 

واشار سماحته الى الدور الذي قام به الامام الباقر (ع) في عصره وزمانه باظهار العلوم والمعارف، فكان استاذا ومرجعا للعلماء ومعلمهم جميعا امثال مالك بن انس، وابي حنيفة، وسفيان الثوري، والزهري، وابن عتيبة وغيرهم، وقد روى الشيخ المفيد بسنده عن عبدالله بن عطاء المكي انه قال: ما رأيت العلماء عند احد قط أصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كانه صبي بين يدي معلمه، وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي الباقر (ع) شيئا قال: حدثني وصي الاوصياء ووراث علوم الانبياء محمد بن علي بن الحسين (ع). 

وعن محمد بن مسلم (ره) وهو من اعيان تلامذة الامام انه قال (ما اشكل علي امر الا وسألت عنه ابا جعفر الباقر حتى سألته عن ثلاثين الف مسألة ) وقال بعضهم رأيت محمد بن علي الباقر (ع) جالسا في فناء الكعبة بعد صلاة العصر والناس مجتمعون حوله يسألونه وهو يجيبهم الى ان اذن المؤذن الى صلاة المغرب فقام (ع) وتوجه الى رحله).

وللامام (ع) احتجاجات ومناضرات في المسجد الحرام وغيره مع اقطاب المسلمين وغيرهم دوّن قسما منها الشيخ المجلسي في بحاره والشيخ الطبرسي في احتجاجه، الى جانب ما كتبه المؤرخون مفصلا عن حياته في كتبهم.

كما وان للامام علي بن محمد الهادي (ع) دور مماثل في زمنه، فنشر العلوم والمعارف اللدنية مما حير العقول واذهل الالباب، الى جانب موقفه من احباط الفتن الكبرى كمسألة خلق القران التي اُمتحن بها الناس والتي كان يتوقف عليها مصير الامة، وقد بيّن الامام الهادي (ع) الرأي السديد في هذه المناورة السياسية التي ابتدعتها السلطة، فقد روى محمد بن عيسى بن يقطين انه كتب علي بن محمد من علي بن موسى الرضا (ع) الى بعض شيعته في بغداد (بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله واياكم من الفتنة، فان يفعل فأعظم بها نعمة، والا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى ان الجدال في القران بدعة اشترك فيها السائل والمجيب وتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق الا الله، وما سواه مخلوق، والقران كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله واياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون). 

الى غير ذلك من الاشكالات والاثارات المستمرة حول بعض المسائل العقائدية كالجبر والتفويض والاختيار والغلو والتصوف، وكان الغرض منها اشغال المسلمين فيما بينهم وتفرغ الحكام انذاك لمشاريعهم وملذاتهم وشهواتهم، نظير ما يقوم به اعداء المسلمين اليوم من نشر الفتن الطائفية والمذهبية بين الامة لغرض تنفيذ مخططاتهم ومصالحهم السياسية، ومن المؤسف انطلاء هذا المخطط على الكثير فصار البعض ينقض بعض مسلّمات العقيدة او يشكك الناس بها مما اثار الشبهات بين الشباب وضعاف العقيدة.

هذا وقد عالجها الامام الهادي (ع) في عصره تلك القضايا بحكمة وذكاء، واخمد الفتن الفكرية انذاك، خصوصا فتنة الراهب الذي استمطر السماء عندما كان يرفع يديه نحوها فتهطل بالمطر مما شكك الناس في دينهم حتى صبا البعض منهم الى النصرانية، وما كان من الامام (ع) الا ان اظهر المكيدة التي اخفاها عليهم بأخفاء عظم نبي من انبياء الله الذي ما كُشف عنه تحت السماء الا انهملت بالمطر، فاخذه الامام (ع) ولفه بقطعة قماش طاهرة واخفاه تحت الارض، ثم قال له استسق الان ومد يدك الى السماء فلم يهطل المطر، ثم توجه هو بنفسه (ع) وصلى ركعتين ودعا الله عز وجل بأن يسقي المسلمين غيثا، وما ان تفرقوا حتى نزل عليهم المطر كافواه القرب ببركة استسقاء الامام (ع).

ومن المهام التي قام بها الامام في عصره، تعميم الوعي وترسيخ الولاء والانشداد لاهل بيت العصمة والطهارة (ع) من خلال الاهتمام والحث على زيارة ائمة اهل البيت (ع) جمعا او لاحد منهم بالزيارة المعروفة بالزيارة الجامعة الكبيرة او زيارة امير المؤمنين في يوم الغدير، ومعلوم ما لهاتين الزيارتين من اثر ولائي وعقائدي على حياة الفرد المسلم إن تعمّق الزائر في مضامينها.

هذا وللامام (ع) دور اخر في تربية جمع من العلماء والكفاءات العلمية المتخصصة في مختلف العلوم العلمية والاسلامية، كما تميزت هذه الفترة من عصره (ع) بأنها العصر الممهد لغيبة الامام المنتظر (عج)، حيث سينقطع الناس عن امامهم ولا يبقى لهم اي ملجأ فكري او ديني سوى العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه.

ولهذا اهتم الامامان العسكريان (ع) بالعلماء اهتماما بليغا جريا على سيرة الائمة الاطهار (ع)، وعبّرا عنهم بانهم الكافلون لايتام ال محمد، وكان يبجلهم ويجلهم ويهتم بهم ويرفع من شأنهم امام الناس، وكان عمله هذا ملفت للنظر جدا.

هذا وبمقدار ما حباه الله من الفضل والعلم والكرامة، ابتلاه الله بظلمة عصره من العباسيين وخصوصا المتوكل الذي نال منه الامام صنوف الاذى والمحن، حتى دُس اليه السم، فقضى شهيدا في الثالث من شهر رجب ودفن في سامراء، وامتدت مظلوميته حتى بعد شهادته وشهادة نجله العسكري عليهما السلام، ان هدمت قبتيهما في سامراء من قبل ذيول العباسيين والامويين، ولكن وبحمد الله شيد المرقد على احسن ما يرام.

((يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون)). 

كما واننا مقبلون في هذه الايام على شهر رجب وهو شهر التخلي، ومن بعده شهر شعبان شهر التحلي، ومن بعدهما شهر رمضان شهر التجلي.

وانما سمي شهر رجب بشهر التخلي لان العبد يتخلى فيه عن الذنوب، فهو كمن يطهر قلبه وينقيه ليكون اهلا لاحتواء الخير والنور، وشهر شعبان شهر التحلي، شهر جمع النور والحسنات بعد ان اُعد القلب لاستقبالها طوال شهر رجب، كما ان شهر رمضان شهر الاستحقاق والتجلي ((فيها يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكيمٍ، أَمرًا مِن عِندِنا إِنّا كُنّا مُرسِلينَ، رَحمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ)) حيث يحصد المؤمن جزاء ما عمله في شهري رجب وشعبان فيأخذ الجائزة في شهر رمضان خصوصا في ليلة القدر منه، فيكتب من السعداء والصالحين والمرضي عنهم.

وذكر بعضهم بأن شهر رجب شهر علي (ع) امير المؤمنين ويعسوب الدين وهو باب رسول الله (ص) ومدينة علمه، وشهر شعبان شهر رسول الله (ص)، ورمضان شهر الله سبحانه وتعالى.

وعبّر بعضهم ان معرفة الله ومعرفة نبيه (ص) وخصوصيات كتابه لا يمكن الوصول الى حقائقها ودقائقها الا عن طريق الامام علي (ع) لانه باب مدينة علم الرسول (ص).

هذا وقد وردت في شهر رجب اعمال: من صوم وصلاة ودعاء واستغفار، فجدير بالانسان المؤمن ان يخصص لها وقتا من اوقاته ليزكي نفسه ويرتقي بها الى عالم الملكوت، واقرب كتاب لمعرفة تلك الاعمل هو كتاب مفاتيح الجنان. 

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا للقيام باعمال هذا الشهر لننال بذلك رضوان الله ورحمته.

ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم

 

 

محرر الموقع : 2018 - 03 - 20