بذكرى البعثة النبوية الشريفة ... ممثل المرجعية العليا في اوربا ... من المؤسف لم يستوعب المسلمون اهداف واسرار البعثة النبوية في تطهير نفوسهم وتزكيتها وتربيتها على الفضائل
    
ممثل المرجعية العليا في اوربا يهنئ العالم الاسلام بذكرى البعثة النبوية الشريفة ويقول:
• البعثة النبوية نعمة الهية تقود البشرية نحو التكامل والسعادة الابدية، لكن من المؤسف لم يستوعب المسلمون اهدافها واسرارها في تطهير نفوسهم وتزكيتها وتربيتها على الفضائل.
• يتجاوز عدد المسلمين اليوم المليار والنصف ويتحكمون باهم ممرات العالم، وعندهم ترسانات من الاسلحة المختلفة ومن الذهب الاسود ما شاء الله، ولكنهم غثاء كغثاء السيل كما وصفهم الرسول (ص) قبل كثر من 14 قرن.

 

يحتفل العالم الاسلامي بمرور اربعة عشر قرنا ونصف على بعثة النبي محمد (ص)، وبهذه المناسبة العطرة نزف ازكى ايات التهاني الى جميع المسلمين سائلين المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من السائرين على هدي الرسالة الممحمدية والمستنيرين بنورها والمقتفين اثرها. 

((هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ)). 

جاء حديثه هذا في مدينة ما نشستر البريطانية بمناسبة احتفالها بالمبعث النبوي الشريف وبحضور جمع غفير من المؤمنين ومن مختلف الجالية الاسلامية فتحدث قائلا: 

ان من اهم الاحداث في تاريخ الرسالة الاسلامية التحول الذي اوجدته البعثة النبوية للبشرية من حالة الى اخرى، اي من الظلمة الى النور ومن الجهل الى العلم ومن عبادة الاوثان الى عبادة الرحمن، وهو طبق ما وصفه امير المؤمنين (ع) في كلامه (ان الله بعث محمدا (ص) نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل. وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار. منيخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم. الأصنام فيكم منصوبة والآثام بكم معصوبة) وبمثل هذا ةصفتهم الزهراء (ع) في خطبتها (وكنتم على شفا حفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ(ص) بعد اللّتيا والتي). وعلينا في هذه المناسبة ان نشكر الله على هذه النعمة الالهية الكبرى اولا، نعمة بعثة الانبياء لبني البشر عموما وثانية بعثة النبي (ص) لنا وللعالمين خصوصا، لان الانسان لا يستغن عن الهدي الالهي في طريقه وسعيه نحو التكامل والسعادة، اذ يحتاج الى هداية الله وتوجيهه سبحانه وتعالى حتى يسير في طريق الكمال ويحقق السعادة لنفسه، ومع ان الله عز وجل منح الانسان نعمة العقل حتى يستطيع عن طريقه تحقيق الكمال والوصول الى السعادة، الا ان عقل الانسان يبقى محدودا ضمن محيط مدركاته وما يمتلك من المعرفة والعلم، فوجود الانبياء وبعثهم ضروري من اجل كمال الانسان وسعادته، ولهذا بعث الله من الرسل مئة واربع وعشرين الف نبي حسب ما تشير اليه بعض الروايات، كل هذا العدد الضخم من الانبياء انما جاء لهداية الانسان واسعاده، وقد شاء الله ان يختم النبوة بمن هو الافضل والاكفأ والاقرب اليه وهو نبينا محمد (ص) لكي تكون رسالته وشريعته خاتمة الرسالات والشرايع، نظرا لاستيعابها لغة الزمن وتقدم البشرية وتقدمها، وهذا ما اثبته الواقع، فمع كل هذا التطور وتقدم الانسان نحن نرى ان رسالة الاسلام ظلت غضة ومواكبة لحضارة الانسان في كل زمان متى ما فُهٍمت على النحو الصحيح. 

لذا فان هذه الذكرى العطرة تستوجب منا الوقوف بتأمل عند محطات من سيرته (ص) بالدعوة الى الاسلام وتوحيد الله لنتأسى بها في جميع مراحل حياتنا خصوصا مرحلتنا الراهنة المليئة بالتيارات المنحرفة ونستوحي منها الكثير من الدروس النافعة: 

1- ان نستذكر صمود الرسول (ص) وصبره ورفضه لأي مساومة على حساب المبادئ.
2- تضحيته في سبيل المبدء والحق وتحمل المشاق من اجل اعلاء كلمة الله تعالى والدعوة اليه والتحلي بالخلق الرفيع الذي كان من السمات البارة عليه (ص) في دعوتته الشريفة وما تميزت به حياته الرسالية من الحكمة والموعظة الحسنة.
3- تأكيده على الجانب العبادي الذي تميزت به سيرته (ص) واجتناب الطاغوت ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) هدف الرسالة العبادة والموقف من الطغاة والظالمين ، هدف يمثل علاقة الانسان مع ربه وهدف يمثل علاقة الانسان مع المجتمع ، الموقف في الواقع الاجتماعي السياسي والاجتماعي ، الوقوف بوجه الظالم والانتصار للحق ((أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) ومن لا يلتزم بهذه الاهداف الرسالية ليس عقابه في يوم القيامة فحسب وانما سيجد مضاعفاته في الدنيا. 
4- تأكيده على العدالة ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)) وهي مهمة رسالية وهدف رسالي بعث من اجلها الانبياء (ع).
5- بيان الحق وشرح الحقيقة الى الناس ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ)) هذه هي مهمة الرسل والرسالات. 

هذه بعض اهداف الرسالة الواسعة التي استطاعت البعثة النبوية ان تحقق بها انجازا مذهلا وتحويل الامة من الحالة الوثنية الى خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، والغريب ان هذه النقلة والمتغيرات في حركة الشعوب والامم تحتاج الى مئات السنين، ولكن مشروع الاصلاح الذي انتهجه الرسول (ص) وبتسديد الهي استطاع ان يخرق تلك المراحل في غضون عقدين وبضع سنوات (23 سنة) وان يحقق ما كان يصبو اليه حتى وصل الى عام الفتح في السنة الاخيرة من حياته ((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً)) حيث بدأت الناس تدخل افواجا وانكسرت السدود وانفتحت القلوب وتجذرت الثقة مع قطاعات المجتمع الواسع وتحقق النصر المبين والفتح على يد رسول الله (ص) خاتم الانبياء والمرسلين، هذا ومن المحزن والمؤسف وبعد مضي 1450 سنة على هذه البعثة الشريفة التي انارت العالم بهديها واخرجت البشرية من الظلمات الى النور، نرى شريحة كبيرة من المسلمين يعيشون حالة البعد عن روح الرسالة وجوهرها بدل ان تعيش الوحدة والالفة والاخوة تعيش الفرقة والاختلاف فيما بينها، وبدل ان تعيش القوة في التمسك بمبادئها وقيمها اصبحت تعيش الضعف والوهن في السجود والركوع على ابواب الاعداء تستجدي منهم العون والدعم، وبدل ان تسود فيما بينها الرحمة والعزة اصبحت تعيش الشدة والغلظة على بعضها البعض، عكس ما كان عليه رسول الله (ص) واصحابه ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)). 

واصبحوا مصداقا لما تنبأ به النبي (ص) (يوشك ان تتداعى عليكم الامم كتداعي الاكلة على قصعتها, فقيل يارسول الله اومن قلة فينا قال لا بل انتم يومئذ كثير ولكن من حبكم الدنيا وكراهيتكم الآخرة). 

نسأل الباري جلّت قدرته ان يمطر علينا شآبيب رحمته ويوحد كلمتنا على الهدى والتقوى انه ولي التوفيق.

محرر الموقع : 2018 - 04 - 15