الانتخابات‌ العراقية..المعارضة والحكومة ومحنة الارهاب!
    

لم يبق الكثير من الوقت على يوم الاقتراع او العرس الانتخابي العراقي، في ثالث انتخابات برلمانية يشهدها العراق بعد التغيير (2003) .. وسط دعوات من قبل جميع الكتل والكيانات المشاركة في العملية السياسية بـ"التغيير"!، فما هو التغيير الذي يطمح اليه العراقيون بشتى اتجاهاتهم وانتماءاتهم واي شئ لايحتاج الى تغيير في عراق يواجه ثالوث التمزق والفشل والارهاب؟!

لكن وقبل ان نتحدث عن التغيير، لابد ان نرى ما هي المشاكل التي يواجهها العراق عموما والتي يريد فرقاء العملية السياسية في هذا البلد تغييره؟
بأعتقادي ان المشكلة الاساسية التي يواجهها هذا البلد لاتكمن في التدخل الخارجي ولا في الارهاب ولا في المحاصصة ولا في السرقات والاهمال و... رغم ان جميع ما ذكرته هي مشاكل ومعضلات موجودة وتترك آثارها على الحياة بكل جوانبها: السياسية والخدمية والاقتصادية وحتى النفسية...
ان المشكلة الاساسية تكمن في عقلية النخب العراقية، عقلية النخب التي تنتمي الى السلطة والمعارضة على حد سواء، وان كان من الصعب التمييز بين المعارضة والسلطة في العراق الجديد! فالمعارضة احيانا تفرض مسارات على الدولة اكثر مما تخطط له الحكومة، ورموز المعارضة احيانا تكون اكثر استفادة من الدولة وامكاناتها ممن ينتمون رسميا الى الحكومة، مثل كيانات الاحرار ومتحدون والكردستاني!
كما ان وجود معارضة بمستوی المسؤولیة وواضحة المعالم والاهداف، معارضة یكون تقدم البلد وحل مشاكله في مقدمة اهتماماتها یجعل من الصعب علی الحكومة والسلطة التنفیذیة التفرد في القرار واحتكار مفاصل البلاد ومن شانه ان یوجه البلاد نحو المسار الصحیح الذي یؤمن مصالح المواطن العراقي.
فلیس من المعقول ان لا یكون في بلد وضمن اطار عملیة سیاسیة واحدة عدم اتفاق علی اولویات الحیاة المشتركة، فضلا عن النظام السیاسي القائم... فالامن والخدمات ـ مثلا ـ یمثلان الركنان الاساسیان اللذان لا یحق لاي طرف مهما كان علی خلاف مع الحكومة الاخلال بهما، لان المسألة على تماس مباشر بحياة المواطن بمختلف توجهاتهم ومكوناتهم.. فكیف وانت تری نائبا یهدد اكبر مكونات شعبه بقطع الرؤوس؟! والادهی من ذلك كله یعتبر البعض اعتقاله اخلالا بالعیش المشترك وضربا للحمة الوطنية.. او یخرج نائب آخر ليضرب الجهد الامني القائم لدحر الارهاب من خلال التشكيك بعقیدة القوات المسلحة التي تحارب الارهاب وبالعكس یشید بجیش النظام المقبور الذي قتل مئات الالوف من العراقیین في قمع الانتفاضة الشعبانیة المباركة وقصف مدینة حلبجة بالكیماوي وعملیات الانفال وغیرها، فضلا عن الحروب االعبثیة التي دمرت العراق وادت بالنهایة الی احتلاله.. كل ذلك من اجل الفوز بأغلبية برلمانية او الحيلولة دون حصول كيان منافس عليها!
في حین ان السجال السیاسي في جمیع بلدان العالم یتم تعریفه ضمن اطر واضحة ومحددة ومتفق علیها، ولن یكون سجالا في جمیع مفردات السلطة والحیاة كما هو الحال في العراق، ویحق لكل من هب ودب ان یشارك فیه.. دون وازع او رادع!!
ان التغییر الذي تطمح الیه قوی المعارضة (الاحرار، المواطن، متحدون) یتراوح بین استلام مقالید الحكم ومنصب رئاسة الوزراء بالتحدید من جهة واعادة العراق الی ما قبل 2003 من جهة ثانیة، وهذا التباين في الرؤى والطموحات سيضعفها امام الناخب، بل ان اي اقتراب من متحدون سينتهي باعراض الناخب عن المواطن والاحرار، لذلك سارع التيار الصدري والمجلس الاعلى الى تكذيب خبر التحالف مع متحدون بعد الانتخابات لتشكيل اغلبية برلمانية.
وبالنسبة للاكراد الحلفاء التاریخیین للقوی الشیعیة التقلیدیة، فهم یریدون عراقا یؤمن لهم مصادر بناء حلمهم التاریخي باقامة الدولة القومیة، وينهي هاجس التبعية للمركز وان كان الاقليم يمثل شبه دولة في الوقت الحاضر وهو اقرب الى الكونفيدرالية منه الى الفيدرالية، حتی لو كان باستنزاف خیرات المثلث الجنوبي الشیعي (البصرة - العمارة - الناصریة)، المنتج للنفط والذي يشكل بدوره اكثر من 90% من مصادر العائدات العراقية.
اما الحكومة الممثلة بأئتلاف دولة القانون وبعض الكیانات القریبة منها.. فهي ترید الوصول الی حكومة أغلبیة یمكنها تمریر القوانین التي تحتاجها في البرلمان ویكون لها اشراف علی الوزارات، لا ان یكون الوزیر تابعا لقرار كیانه السیاسي والحزبي بدل قرار الحكومة، وهي الشماعة التي يعلق الائتلاف كل اخفاقاته في التنمية والامن بغض النظر عن صحة او خطأ ذلك!
فهل یحقق العراقیون(معارضة ومولاة) ما یطمحون الیه وسط تهدیدات الرافضين لمجمل العملية السياسية والمدعومين من قوى اقليمية تنفق الكثير هذه الايام للابقاء على العراق ممزقا او العودة به الى الوراء.. والارهاب الذي یقف علی تخوم العاصمة بغداد ویصول في اسواق وارصفة الموت بكل مدن العراق؟!
ان تحقيق الحلم العراقي رهن بألتزام ثقافة التنافس والاختلاف، وبالمشاركة في تقرير المصير وعدم البقاء على هامش الحياة..
* علاء الرضائي

 

محرر الموقع : 2014 - 04 - 16