منازل المسيحيين والشيعة «مصانع تفخيخ لداعش»
    

يقف تنظيم داعش عاجزاً تماماً عن توفير الخدمات للمواطنين أو إدارة دولته المزعومة التي أعلنها قبل شهور، لكنه ينجح كما يبدو في إدامة زخم الحرب على جبهات عدة، والموصل عامل مهم بهذا النجاح.

منذ الأسابيع الأُولى لبسط داعش سيطرته على المدينة وحي النور في الجانب الشرقي للموصل يشهد تطورات متسارعة، بدأت بانتشار حرف النون على منازل المسيحيين بعد مصادرتها وكتابة عبارة "عقارات الدولة الاسلامية" على واجهات دور الشيعة والسنة الفارين وانتهت بقصف معاقل المتطرفين الذين اتخذوا من الحي مقرات لهم.
قبل أيام انتبهت السيدة أم عدي إلى حديقة جيرانها، ورأت من على سطح بيتها مجموعة من الشباب يحفرون فيها باستمرار دون أن تعرف ما يفعلونه بالضبط إذ أبلغت زوجها بذلك.
وبعد ثلاثة أيام رأت السيدة مجدداً عناصر آخرين يفرغون حمولة سيارات رباعية الدفع في البيت، وجذب انتباهها مجموعة من الأسلحة وعتاداً وبراميل مختلفة الأحجام تنقل بعناية فائقة، لتتأكد توقعات زوجها بتحويل دار جارهم المسيحي إلى مخزن للأسلحة.

هكذا استغل التنظيم العقارات الخالية إذ أنها بعيدة عن رصد طائرات التحالف الدولي، وحتى لو كُشفت فهي تقع وسط أحياء سكنية يصعب استهدافها، خاصة وأن القصف على مواقع المتطرفين تسبب في سقوط مواطنين بينهم نساء وأطفال، ما جعل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يأمر بإيقاف قصف الطائرات العراقية للمدن.

المئآت من المنازل التابعة للأقليات في الموصل بقيت موصدة الأبواب لأسابيع لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، لكن الحسابات تغيّرت بعدما زحف التنظيم نحو المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان وهي سنجار وربيعة وسهل نينوى ليخوض حرباً ضد قوات البيشمركة الكردية لم تنته بعد.

ما شاهدته تلك السيدة تكرر في مناطق عدة منها حي العربي شمالي المدينة، حيث حوّل المتطرفون بعض الدور إلى معامل للتفخيخ وأثارة الرعب بين الأهالي فاضطر بعضهم إلى مغادرة المنطقة خشية وقوع انفجارات أو قصف جوي.

هذا الحي يقع على أحد خطوط التموين المهمة لمقاتلي داعش على جبهة سد الموصل حيث يخوضون قتالاً عنيفاً مع البيشمركة منذ أسابيع.


قريباً من منزل بلال سمير وهو أب لثلاثة أطفال تم تفخخ البراميل والسيارات وتصنيع العبوات الناسفة، بعدما صار منزل جاره المسؤول المحلي مقراً مهماً لداعش.
يقول سمير كنّا نتوقع حدوث كارثة في أية لحظة فالحركة تكاد لا تنقطع أمام المنزل وبداخله، عجلات محملة بالأكياس والأسلاك المتنوعة تأتي وتذهب طوال اليوم.



ويؤكد إنه وبسبب هذا الخوف المستمر نقل عائلته إلى بيت شقيقه في حي آخر بعدما قال له مسؤول التفخيخ رداً على سؤاله عن مدة انتهاء عملهم هذا "نحن نخوض حرباً لأجل الإسلام ومن يخاف على نفسه عليه الابتعاد عنّا".


العقارات المصادّرة يعدها المتطرفون غنيمة حرب ويتم توظيفها لإدامة زخم المعارك سواء بإعطائها لعائلات المقاتلين أو باتخاذها مقرات لهم، فعلى الطرف الآخر من المدينة تقع المنطقة الصناعية الأكبر حيث استولى داعش على عدد كبير من المعامل والمصانع.

ولا يشك أحد أن أكبر معامل الحدادة والسمكرة في المنطقة الصناعية تنتج اليوم المفخخات والعبوات، وأن عشرات العناصر يعملون فيها بخبرة عالية لانهم مارسوا العمل نفسه قبل حزيران الماضي لصالح التنظيم ذاته ووجه الاختلاف الوحيد يكمن في أنهم يعملون اليوم بحرية مطلقة.
في سياق هذه المجريات أطلق تنظيم داعش الأسبوع الماضي حملة شاملة لجرد المنازل والعقارات التي غادرها أصحابها بهدف مصادرتها، فقسّم كل منطقة إلى قواطع أطلق عليها أسماء المسؤولين عن عملية الجرد فيها لإتمام المهمة سريعاً.

في حي بيسان الحديث مثلاً كانت هناك دور غادرها أصحابها بسبب صعوبة العيش لغياب الخدمات والشلل الاقتصادي وتعطل المدارس والجامعات.
أحدهم هو كنعان عمر الذي ذهب وعائلته إلى مدينة كركوك قبل شهر لكنه فوجئ بأن التنظيم المتشدد قرر الاستيلاء على منزله عندما علمت من خلال الجرد إنه خالٍ من ساكنيه.

عاد عمر إلى الموصل ليستعيد بيته وبالفعل نجح في ذلك بعد عناء طويل، إذ تحايل على عناصر التنظيم عندما اصطحب معه بعض الجيران والأقارب ليشهدوا إنه لم يغادر المدينة إنما ذهب لعلاج زوجته.

وإذا تمكّن بعض السكان من منع تحويل منازلهم إلى مقر للإرهابيين أو معمل للتفخيخ، فإن المئآت يقفون عاجزين عن فعل ذلك خاصة المسيحيين والشيعة ما لم يتم التخلص من داعش تماماً.


محرر الموقع : 2014 - 10 - 31