ممثل المرجعية العليا في اوربا، يهنيء العالم الاسلامي بقرب حلول شهر رمضان المبارك، ويقول: كيف نهيء انفسنا لاستقبال شهر رمضان العظيم والاستفادة من اجواءه الروحية
    
ممثل المرجعية العليا في اوربا، يهنيء العالم الاسلامي بقرب حلول شهر رمضان المبارك، ويقول: 
• كيف نهيء انفسنا لاستقبال شهر رمضان العظيم والاستفادة من اجواءه الروحية 
• يؤكد على التعاون مع مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية

 

جاء حديثه هذا في خطبة الجمعة بمسجد الامام علي (ع) في ستوكهوم العاصمة السويدية، مفتتحا كلامه بمقطع من خطبة رسول الله (ص) (أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ. وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ، جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ...). 

ايها الاحبة، نحن على ابواب شهر الخيرات والبركات والرحمات والعطايا والهبات والنفاحات الالهية التي جعلها الله سبحانه وتعالى لعباده فيه، لان شهر رمضان افضل الاشهر على الاطلاق، وله خصائض ومزايا كثيرة، فكيف نهيء انفسنا واسرنا واخواننا المسلمين لاستقبال هذا الشهر الشهر الكريم؟ 

هل هي بتهيئة الاكداس الكبيرة من الاطعمة والاشربة، او بتزيين المساكن، او اعداد البرامج الترفيهية المتنوعة حتى وقت السحر، او النوم الطويل في النهار ...الخ. ام ان هناك امور اخرى ينبغي الاهتمام بها لاستقبال هذا الشهر الكريم، واذا كانت فما هي؟ اليكم بعضها: 

1- نتهيأ لذلك بان نطهر انفسنا من الذنوب والمعاصي لاننا ضيوف الله في هذا الشهر، كما قال (ص) (شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم من اهل كرامة الله). فهل طهرنا قلوبنا وانفسنا حتى نبرز الى المولى سبحانه وتعالى وقد ادينا حقوق الله وحقوق العباد، وتبنا اليه عن كل معصية، لان ابواب التوبة والرحمة والانابة مفتوحة على مصراعيها لعباده في هذا الشهر الكريم، بحيث نوفق لهذه الضيافة الرحمانية ولا نكون من الاشقياء لقوله (ص) (فان الشقي من حرم غفران الله). 

2- نهيء انفسنا برد المظالم والحقوق لاهلها لان الدعاء لا يستجاب اذا كان الانسان ظالما واكلا لحقوق الاخرين، فعلينا ان نستحل من هؤلاء الذين ظلمناهم لان المظلوم اذا دعى على الانسان يكون دعاؤه مستجابا، والله يسمع نداء من سلب حقه، فلابد ان نستحل منهم قبل دخول الشهر لئلا تتوجه سهام ادعيتهم الينا وعندها لا يرتفع لنا دعاء الى الله . وان لم نفعل فان الخصماء يوم القيامة يتشبثون بكل شيء ويطالبون بحقوقهم الى ان يبقى الانسان وليس له من الحسنات شيء، وميزانه يبقى مثقلا بظلامات الاخرين، لان اصحاب الحقوق قد اخذوا حقوقهم من هذا الانسان. واذا انتهت الحسنات تؤخذ من سيئاتهم وتوضع في ميزان سيئات هذا الانسان، فالمطلوب منا قبل دخول الشهر ان نصفي هذه الحقوق والظلامات من حقوق الله وحقوق العباد حتى نكون قبل دخول الشهر مهيئين لاستجابة الدعاء والعفو الالهي. 

3- نهيء انفسنا باستقبال شهر رمضان بتنقية علاقاتنا مع اخواننا المؤمنين فان القلوب المتباغضة والمتشاحنة لا يستجاب لها دعاء، قال رسول الله (ص) (أيُّها النّاس لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباداً لله إخواناً) فالنفس المؤمنة لا تعرف البغضاء والحسد فالحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، فاذا لا بد ان نصلح علاقاتنا مع بعضنا البعض الاخر حتى يدخل شهر رمضان وقد صلح كل شيء، لان المتهاجرين لا يستجاب لهما دعاء، فرسول الله (ص) يقول لابي ذر (يا أباذر: إياك وهجران أخيك، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران. يا أباذر: أنهاك عن الهجران، وإن كنت لابد فاعلا فلا تهجره فوق ثلاثة أيام) فالعمل غير مقبول اذا كان المؤمن هاجرا لاخيه ، وقال (ص) (أيما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثا لا يصطلحان إلا كانا خارجين عن الاسلام ، ولم يكن بينهما ولاية ، فأيهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنة يوم الحساب) وقال الامام الصادق (ع) (لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربما استحق ذلك كلاهما ، فقال له معتّب: جعلني الله فداك !.. هذا الظالم ، فما بال المظلوم ؟.. قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ، ولا يتغامس له عن كلامه ، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان فعازّ أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه ، فإن الله تبارك وتعالى حكم عدل ، يأخذ للمظلوم من الظالم) ، كما لابد لنا ان نطهر قلوبنا من الغش والحسد والغل والنفاق والا فيشملنا قول الامام الصادق (ع) (ومن بات وفي قلبه غش لأخيه المسلم ، بات في سخط الله وأصبح كذلك وهو في سخط الله حتى يتوب ويرجع) ، فدين الاسلام دين محبة واخاء وتصفية حقوق، اما اننا نصلي ونصوم وعلاقتنا لا تعيش وفق اوامر الله وقلوبنا غير متحابة كما يريد الاسلام، فلا فائدة في ذلك، لان الصلاة تعلمنا الحب كما تعلمنا النقاء والصفاء، فلا يستجاب دعاؤنا مالم تكن قلوبنا خالية من الغل والحقد والحسد والكراهية وغير ذلك. 

4- نهيء انفسنا لاستقبال شهر رمضان بتفقد احوال المحتاجين، فلربما يدخل الشهر وهناك بطون جائعة واناس يفترشون الارض، وهناك اسر وعوائل عاجزة عن توفير الملبس المناسب لها، واناس لا يجدون مأوى ولا ملجأ، ونحن نتنعم بالالبسة والاطعمة والاشربة، والانصاف يقتضي علينا ان نتفقد هؤلاء المعوزين والجائعين قبل دخول الشهر لان الحديث يقول (من كان له فضل ثوب وعلم بان في حضرته محتاج، اكبه الله على منخريه في نار جهنم) ، عندي ثوب زائد ولي اخ لا يوجد عنده ذلك فهذا ليس من الايمان وليس من الاسلام، ولذا جاء في الحديث (مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى) كما ينبغي ان لا يعيش الانسان المؤمن الشبع واخوه المؤمن طاو ففي الحديث (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع) (ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره)، فاذا لا بد للمؤمن من ان يتفقد وضع اخيه القريب منه والبعيد، بل وفي كل بقعة من بقاع الارض. اذا علمنا بان هناك محتاج نساعده، لان المسؤولية في الحقيقة لا تقتصر على البيت او الجار وانما المسؤولية هي لجميع المؤمنين اينما كانو فاذا بلغك محتاج في اقصى الارض ولم تنقذه وانت قادر على ذلك فانت محاسب، جاء في الحديث (أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله عزوجل يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، ثم يؤمر إلى النار). 

فالاسلام يريد منا ان نتحسس وضع الفقراء والمحتاجين والمعوزين، وان لا نهدر اموالنا فيما لا يرضي الله كيلا تكون علينا بلاء يوم القيامة وثعبانا نطوق به، وسنحاسب على كل درهم صرفناه، وقد جاء في الحديث (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبّنا أهل البيت.) فاموالنا يجب ان نصرفها في مرضاة الله ولا نهدرها بالحرام بل نساعد بها اصحاب الحوائج حيثما احوجتهم الحاجة، خصوصا اولئك الذين يعوزهم الطعام، ولذا جاء من مستحبات شهر رمضان افطار الصائمين لقول النبي (ص) (أيها الناس مَن فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.) فيكف باعالة عائلة واكساء جماعة من المؤمنين وما اكثرهم في هذا الوقت (ما من مؤمن يطعم مؤمنا شبعا ، إلا أطعمه الله عزوجل من ثمار الجنة ، ولا سقاه شربة إلا سقاه الله من الرحيق المختوم ، ولا كساه ثوبا ، إلا كساه الله عزوجل من الثياب الخضر ، وكان في ضمان الله تعالى مادام من ذلك الثوب سلك). 

وتجدر الاشارة الى ان المرجعية العليا في النجف الاشرف قامت بتاسيس مؤسسة العين الرائدة لرعاية الايتام والمستضعفين والتي تكفلت حتى الان باكثر من خمسين الف عائلة من الارامل والايتام مضافا الى رعايتها للمحتاجين وغيرهم، وقد انتشرت فروعها في معظم انحاء العالم لاتاحة فرصة اكبر للمؤمنين في المشاركة في دعم اولئك المستضعفين عملا بقول امير المؤمنين (ع) (لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه). 

هذه بعض الامور التي ندب اليها الذكر الحكيم واحاديث النبي والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم، فلننتهز هذه الفرصة بالرجوع الى كتب الادعية للاستفادة منها في احياء ساعات هذا الشهر الفضيل، خصوصا ما ورد في خطبة رسول الله (ص) في اول شهر رمضان، حيث لم يترك (ص) خصلة من خصال الخير الا ذكرها، فحري بنا ان نتأمل فيما ذكر، وكذلك جوابه لسؤال الامام علي (ع) عن افضل الاعمال في هذا الشهر، فقال (ص) (الورع عن محارم الله). 

نسال المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المتقين والمتورعين عن محارمه والصائمين والقائمين في هذا الشهر الفضيل انه ولي التوفيق.

 

محرر الموقع : 2019 - 05 - 03