كلمة قسم الشؤن الدينيه في العتبه العلويه الطاهره بخصوص شهر رمضان التي كلف بايصالها الشيخ رحيم الساعدي الى المغتربين في امريكا الشماليه
    

كلمة قسم الشؤون الدينية  في العتبة العلوية المقدسةفي ضيافة الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إني افتتح الثناء بحمدك ، وأنت مسدد للصواب بمنك ، وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة ، وصلاتك وسلامك على سيد أنبيائك ، وإمام أصفيائك ، الذي انتجبته هادياً لبريتك ، ومناراً لحجتك ، وعلى عترته الأطهار ، الأئمة الأخيار ، الميامين الأبرار ورحمتك وبركاتك . هذا هو الشهر الفضيل.. شهر الله الذي جعله أفضل الشهور ، وجعل أيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات .. ا

لشهر الذي دعي فيه المؤمنون إلى ضيافة الله ، وجعلوا فيه من أهل كرامته -كما يقول الرسول العظيم (ص) ، في خطبته المشهورة التي استقبل بها شهر رمضان- .

وحين يكون المضيف والمكرم هو الله ، المعطي الكريم الرؤوف الرحيم ، فمن الطبيعي أن تستوعب هذه الضيافة كل ما يحتاجه الضيف من أنواع النعم والبركات ، وكل ما يأمله من صور التكريم ، فالمضيف المتلطف أعز وأكرم بل وأحكم من أن يقصر في وفاء حاجة ، أو يخيب أمل آمل ، أو يقطع رجاء راج .وحين يكون الضيف هو الإنسان المحتاج حتى لأسباب الوجود فضلاً عن أسباب الكمال والرفعة ، فمن الطبيعي أن يشعر بمدى الفضل وعظم المنزلة اللذين بوأته بهما تلك العناية الربانية الكبرى ، والامتنان الذي ينبغي أن لا يفارقه ولو قيد لحظة طوال نلك الضيافة ، ولا ضمن موقع أو كرامة اختص بها في أي من جوانبها . 

وحين يكون الضيف هو المؤمن ، فالمفترض به –إن كان مؤمناً حقاً- أن يستثمر كل بادرة في هذه الضيافة ، ليحوي كل عطاء يقدمه إليه ذلك المضيف العظيم ، ويهنأ بكل نعمة يعرضها له ، ويسمو بكل كرامة يهيئها له . خاصةً وأن تلك البوادر والنعم والكرامات هي مقومات وجوده كإنسان وكمؤمن ، وهي سند كل اساس يرتكز إليه كمسلم ، سواء في حياته الدنيا أم في حياته الآخرة .

وما الذي ينتظره المؤمن وراء رحمة الله التي وسعت كل شيء ، لتوصله إلى حيث أعدته عناية الله له من درجات الفوز والكمال ؟ . وما الذي ينتظره بعد مغفرة الله ، الذي يغفر الذنوب جميعاً ، ويتجاوز على كل انحراف يصدر من الانسان ، أو جهالة تحصل منه ، متى أخلص الإنسان له بالتوبة  ، ولاسيما بعدما بينه في آياته فيها ، من أنه (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) .

ولا سيما بعد ما بينه أئمة الهدى من تجليات هذه المحبة الإلهية في حياة التائب المؤمن ، كقول الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) : (إن الله ((عز وجل)) يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها) .

اما كيف يستثمر الانسان هذه الضيافة في بوادرها فالرسول (ص) كما بيّن تلك البوادر والنعم والكرامة ، بيّن كذلك الخطوط والسبل التي يمكن للمؤمن سلوكها للوصول إلى الغاية المطلوبة منها ، بل وإلى الدرجات العليا من هذه الغاية ، واحتواء أكبر قدر ممكن من بركاتها .. إذ قال (ص) : (أنفاسكم فيهِ تسبيح ، ونومكم فيهِ عبادة ، وعمَلكم فيهِ مقبُول ، ودعاؤكُم فيه مستجاب) . نعم ؛ هناك شرائط خاصة لهذا السلوك يجب أن يستوعبها المؤمن في سعيه نحو الغاية التي يريد : (فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة ، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابهِ) .إنهما الصدق في الخلوص إلى الله ، والتطهر من كل ما لا يليق بشأن الضيف المحتاج في لقائه مع الحبيب المضيف ، وكما هو معلوم أن الإخلاص هو مح العبادة ، إذ لا يكون العمل عبادياً دون أن يكون مخلصاً به إلى الله (تعالى) .وعن الإمام أمير المؤمنين (ع) -في حديث-: (وبالإخلاص يكون الخلاص) .أما حيث يرد الإنسان هذه الضيافة ، أو يقصر في شأنها لتفوت منه الفرصة ، ويخرج من الشهر مفلساً كما دخل فيه ، أو ليحمل من أوزار التقصير ما لم يكن يحمله قبل دخوله الشهر الفضيل ، (فإن الشقّي مَن حرم غفران الله في هذا الشّهر العَظيم).ويمضي الرسول (ص) في بيان أنواع السلوك الذي يعنيه حضور المؤمن في هذه الضيافة ، ليعطي لها الأبعاد التربوية التي أشارت إليها الآية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، إذ لا تتحقق التقوى دون معداتها المناسبة التي منها :(واذكروا بجوعكم وعطشكم فيهِ جوع يَوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ، ووقرّوا كباركُم ، وارحموا صغاركُم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليهِ أبصاركم ، وعمّا لا يحل الاستماع إليه أسماعكم ، وتحننّوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم ، وتوبوا إليهِ مِن ذنوبكم ، وارفعوا إليهِ أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم ، فإنّها أفضَل السّاعات ، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرّحمة إلى عبادهِ ، يُجيبَهم إذا ناجوه . ويلبيهم إذا نادوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه ..) .. إلى اخر هذه الخطبة العظيمة التي تعتبر بعض الاعجازات الخالدة للبيان النبوي العتيد . فالرسول (ص) يجمع في هذه الخطبة العطاء الالهي : (أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب) .إلى الشرائط التي تؤهل الانسان المؤمن لنيل هذا العطاء ، ليكون الصدق والاخلاص والتطهر من الدنايا التي تعيق الإنسان عن نيل المكرمات ، بعض تلك الشرائط : (فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة) .وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) قال : (إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : قالت مريم عليها السلام : إني نذرت للرحمن صوما أي : صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا .قال : وسمع رسول الله (ص) امرأة تساب جارية لها ، وهي صائمة ، فدعا رسول الله (ص) بطعام وقال : لها كلي . فقالت : إني صائمة فقال : كيف تكونين صائمة ، وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس من الطعام والشراب) .إلى الطرق التي يستطيع الانسان التوسل بها لذلك النيل الذي يطمح إليه : (أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابهِ) ، بما يعنيه الصيام الحق من تربية ذاتية كبرى تمد الإنسان بمدد غير متناهي من القوة والقدرة على امتلاك أزمّة أمور نفسه ودخائلها ، وقيادة مشاعره في طرق التبصر السليم ، وبما تعنيه تلاوة القرآن من تدبر واع ، يقف بالبصيرة على منابع الهدى في كل حقيقة يقدمها هذا الكتاب العظيم ، وفي كل منهج يشرعه ، وكل عبرة يطرحها .إلى التحذير من هدر تلك النعم التي قدمت للإنسان في هذه الضيافة ، أو حتى تجاهلها والغض عنها ، (فإن الشقّي مَن حرم غفران الله في هذا الشّهر العَظيم) .وهو (ص) -قبل ذلك وبعده- يستغل تلك الحالة النفسية الخاصة التي يمتلكها الصائم حين صيامه ، وعمق شعوره بالقرب من استقبال دلائل الله (تعالى) وهداياته ، في توطيد عقائده وأخلاقه وتقويم سلوكه لتمكين التربية الإسلامية الرشيدة من أعماقه ، وتعويده على الاستقامة في مسارات الخير والكمال التي يطمح إليها : (واذكروا بجوعكم وعطشكم فيهِ جوع يَوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ، ووقرّوا كباركُم ، وارحموا صغاركُم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ... ) إلى آخر تلك الخطبة العظيمة التي ينبغي لكل مؤمن أن يراجعها ، ويتدبر ما فيها من رفيع المعاني ، ودلائل التربية الإسلامية الرشيدة ، لا في أيام شهر رمضان فحسب ، وإنما في كل وقت وعلى أي حال . فليس هناك في الاسلام موسمية في العبادة, حيث يعبد الله عز وجل في وقت وتترك عبادته في اوقات اخرى, فهذا مفهوم خاطئ بعيد كل البعد عن الاسلام, وانما جعل الله تعالى هذا الشهر رحمة للعالمين وهو لطف الهي يقرب العبد الى الطاعة ويبعده عن المعصية, و يخرج العبد من هذا الشهر اقرب الى الله عز وجل واقوى عزيمة.ان الصيام في البلاد غير الاسلامية حيث يكون المؤمنون اقلية, له طعم اخر, ومرتبة اسمى, فالصائم يرى الجميع يأكلون ويشربون , ويرى ما حرم عليه من المغريات وهو صابر محتسب والفرق واضح بين هذا الصيام والصيام في البلاد الاسلامية حيث يمنع التجاهر بالإفطار ومظاهر احترام الشهر الفضيل, فالصائم في مثل هذه البلاد اقل ابتلاءمنكم والاجر على قدر المشقة. في صيامكم وصبركم تتجلى المعاني العظيمة للصبر على ما تكره وما تحباننا في الوقت الذي نتمنى لكم قبول الطاعات نتمنى عليكم دوام اتواصل مع العتبة العلوية المقدسة سواء كان ذلك خلال زيارتكم لأمير المؤمنين او من خلال القنوات الاخرى عبر الانترنيت والفيس بوك فأن هذا التواصل مع المنبع يعطي الحياة المورقة في ربيع ايمانكم وستجدون منا جميعكم الابوة الحنونة التي تعلمناها من يعسوب الدين وابو المؤمنين علي ابن ابي طالب (ياعلي انا وانت ابوا هذه الامة)نسال الله ان يحفظكم من كل سوء وينور قلوبكم بذكر الله وتلاوة كتابه وان يرزق شبابكم التقوى والمعرفة ونسائكم الحياء والعفة

انه نعم المولى ونعم النصير

محرر الموقع : 2013 - 07 - 17