العلامة السيد مرتضى الكشميري : لقد بلغت عقيلة الطالبين زينب ابنة امير المؤمنين (ع) مكانة يعجز عن بلوغها احد سوى الانبياء والاوصياء
    

جاء حديثه هذا في خطبة الجمعة في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن بمسجد الامام علي (ع)، متطرقا الى قول الامام السجاد (ع) بحق عمته زينب (ع) (عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) وما صدرت منه (ع) مثل هذه الشهادة لاحد غيرها ، لان العقيلة كانت موئلا للعلم اللدني ومطلعة على مسيرة الاحداث ونتيجتها من اولها الى اخرها. من ذلك ما ذكره ابن قولويه (ره) عن قدامة بن زائدة ، عن أبيه قال : قال علي ابن الحسين (ع) : بلغني ـ يا زائدة ـ أنك تزور قبر أبي عبدالله أحياناً ، فقلت : نعم .... الى ان قال وموضع الشاهد هو (لما رات زينب الامام السجاد يجود بنفسه قالت له : مالي أراك تجود بنفسك يا بقيَّة جدّي وأبي وإخوتي ؟ فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع ؟ وقد أرى سيِّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرَّجين بدمائهم ، مرمَّلين بالعراء ، مسلَّبين لا يكفَّنون ولا يوارون ، لا يُعرِّج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر).

فقالت : لا يجزعنَّك ما ترى ، فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (ص) إلى جدّك وأبيك وعمِّك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرِّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرَّجة ، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يَدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلاَّ علواً.

وليس بغيريب منها هذا الموقف لانها (ع) عايشت سبعة من المعصومين بدءا بالنبي (ص) وانتهاءا بالامام محمد بن علي الباقر (ع)، فماذا يستطيع ان يقول القائل عن احد عايش مثل هذه الذوات الطاهرة واخذ منهم من العلوم والمعارف التي لم يحصل عليه احد غيره، ولهذا نستبعد ما ينسب اليها مما ذكر من واقعة الطف من انها جزعت وبكت وطلبت من الامام الحسين (ع) ان يرجعها واهلها الى المدينة، او نطحت جبينها بمقدم المحمل وامثال ذلك.

ولكن اغلب الظن ان هناك خلط بين زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم زوجة مسلم بن عقيل، وزينب الكبرى زوجة عبد بن جعفر، وما ذكره ارباب المقاتل صادر من زينب ام كلثوم، وايد هذا العلامة الشيخ التستري في كتابه الخصائص الحسينية.

ان زينب العقيلة (ع) كانت معدن العظمة، والصفحة المشرقة بالجلال والجمال والكمال، زينب العقيلة عظمتها في أنها شريكة الحسين بان حمّلها مسؤولية يوم كربلاء واعتبرها امتدادا له، كما حصل في زمن الإمام العسكري، والإمام الهادي، اعتبروا حكيمة بنت الإمام الجواد بابا للشيعة، فالمسلمون ما كان يمكنهم في زمن الإمام الهادي والعسكري الرجوع للأئمة للظروف الأمنية، وظروف التقية، فأرجعوا الشيعة إلى امرأة وهي حكيمة بنت الإمام الجواد، لأنها كانت عالمة، فقيهة، مطلعة على التشريع وأسراره في ذلك الزمان، مع أنها امرأة، لكن بعض النساء قد تفوق ملايين الرجال في عظمتها إذا اتسمت بالكفاءة والجدارة.

وكذلك الحسين أرجع المسلمين إلى أخته العقيلة زينب حفاظا على الإمام السجاد فكانت مرجعا وملاذا لهم، يرجع إليها في بيان الأحكام، فالإمام الحسين ما جعل لها هذا المنصب وهذا الموقع اعتباطا، وانما لعظمة العقيلة زينب (ع).

هذا وبعد ان عرفنا بعض مقاماتها ومكانتها، فما هي الدروس العملية التي نستفيدها وتستفيدها المرأة المسلمة اليوم من حياتها كونها القدوة للنساء كأمها الزهراء (ع).

فاول هذه الدروس هو التعلم: لان المرأة المسلمة اليوم يجب عليها ان تتعلم اسلامها واحكام دينها، لان مسالة التعلم والتفقه ليست مسالة خاصة بالرجال، فالمرأة ايضا مسؤولة كما الرجل، فكان علي (ع) يعلّم الرجال وزينب (ع) تعلّم النساء وتثقفهن وتربيهن على معرفة الاسلام بشتى مجالات الثقافة الاسلامية، لان الحديث النبوي يقول (كن عالما أو متعلما أو محبا للعلماء ولا تكن رابعا فتهلك) فعلى المرأة ان تتعلم امور دينها او تستمع اليها حتى لا تعيش الجهل الذي فيه هلاك الانسان دنيا واخرة، فبالتفقه في امور الدين تصح العبادة والمعاملة ويصح السلوك الاخلاقي وغير ذلك، لان الجهل اذا سيطر على الانسان يكون بعيدا عن الاسلام واحكامه، ولذلك في الحديث الشريف (قصم ظهري أثنان عالم متهتك، وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه، والعالم يغرهم بتهتكه) لان هذا الجاهل يريد ان يكون عالما عابدا ولكن يجهل احكام الصلاة من ركوع وسجود وغيرها، والمفروض عليه ان يتعلم ويتفهم الاحكام حتى لا يقع في الخطأ وبالتالي يكون مسؤولا عن ذلك يوم القيامة محاسبا لانه لا يسال، واليه الاشارة في الحديث (إنما هلك الناس لأنهم لا يسألون) ، فبعض الناس تراه ربما لا يسال عن امور دينه ويتابع امورا لا تعنيه بل تضره، واليهم الاشارة بقول رسول الله (ص) (سيأتي زمان على أمتي يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب، (فان فعلوا ذلك) ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء: الأول: يرفع البركة من أموالهم، والثاني: سلط الله عليهم سلطانا جائرا، والثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان).
هذا هو الدرس الاول.

الدرس الثاني الذي نستفيده من حياة السيدة زينب (ع) هو الصون والعفاف والحشمة والحجاب، يقول يحيى المازني جاورت علي بن ابي طالب (ع) خمس سنين في الكوفة فما سمعت لها صوتا ولا رايت لها شخصا، وهذه الفقرة من حياة زينب (ع) تعطينا درسا بليغا للمرأة المسلمة بان تتعلم من السيدة زينب (ع) الحشمة والعفاف والستر الذي لا يتنافي مع مسؤوليتها في الحياة، فقد رايناها (ع) مع ما حملت من مسؤولية كبيرة وخطيرة، ولكنها التزمت بحجابها وحافظت عليه، وادت واجبها الشرعي.

هذا وليس معنى الحجاب والعفة والحشمة التي نذكرها هو ان تغلق المرأة الباب على نفسها وتعيش بين جدران البيت بحيث لا ترى الشمس ولا تراها! بل يمكنها ان تحافظ على حجابها الاسلامي بشكل كامل ولكن عليها ان تكون محتشمة في حركتها وفي كلامها واليها اشار بقوله تعالى ((فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)).

الدرس الثالث، العبادة: كانت زينب (ع) عابدة ناسكة ومعروفة بكثرة العبادة، حتى ان الامام الحسين (ع) اوصاها بان لا تنساه من الدعاء في صلاة الليل، وكانت (ع) محافظة على وردها (المستحبات) حتى في اشد حالات السبي.

ومن هذا المقطع من حياتها (ع) تستفيد المرأة المسلمة درسا كبيرا في المحافظة على صلواتها في اوقاتها وعدم التهاون فيها، لان التهاون في اوقات الصلاة يدل على عدم الالتزام، وجاء في الحديث من تهاون في صلاته عاقبه الله بخمسة عشرة خصلة في الدنيا وعند الموت وفي القبر وفي يوم القيامة.

هذا ومن المؤسف نرى البعض يسهر على برامج تافهة (لا اقول محرمة) ويفوت عليه الفريضة ويصليها قضاءا وبذلك يستحق العقاب، بينما نرى زينب (ع) تحافظ على نوافلها في اشد الحالات واحلكها. يقول امير المؤمنين (ع) (تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا : ((ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين))، وإنها لتحت الذنوب حت الورق وتطلقها إطلاق الربق، وشبهها رسول الله صلى الله عليه وآله بالحمة تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن).

وبهذه الدروس الثلاثة ننهي حديثنا عن جانب من حياة عقيلة الطالبيين (ع) سائلين المولى سبحانه وتعالى ان يرزقنا شفاعتها وشفاعة اجدادها الطاهرين انه سميع مجيب.

 

محرر الموقع : 2019 - 09 - 20