ممثل المرجعية العليا في اوربا يقول في الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لرحيل الامام الخوئي (قده): ان الصفة البارزة في حياته وحياة علماء الدين الابرار حملهم مهمة هداية الناس بعد غيبة ولي الله الاعظم (عج) وصبرهم على مضض الفقر وشغف العيش والتقشف
    

جاء حديثه هذا في مركز الامام الخوئي بلندن في الذكرى الثامنة والعشرين لرحيله (قده) مفتتحا حديثه بقول رسول الله (ص) : اذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له .

ان هذا الحديث الشريف يعكس لنا مدى سعة رحمة الله بعبده و رافته بعباده حيث اعطى لعبده مجالا للتمدد يتخطى عمره وحدود حياته ، ومنحه فرصة الخلود والتمرد على الموت وتحدي الفناء ، فما اعظم رحمة الخالق بخلقه وما اشد تقصير العبد تجاه ربه . وما أجمل شريعة نبينا الكريم وما أحلى تعاليم سيد المرسلين .

ولقد تلقف النابهون من البشر هذا اللطف الإلهي السخي وهذا التكريم الرحماني الوافر وهذه العناية الربانية الكريمة ، ولبوا نداء الرسول الاعظم بادروا الى قطف ثمار دوحة اعمارهم وجعلوها رياحين تغطي مضاجعهم ينتشر عبقها مدى الزمان .

ومن اولئك النابهين طبقة علماء الدين الابرار وحملة الانوار الذين حملوا على عاتقهم مهمة هداية الناس بعد غيبة ولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه ، فكانوا كما وصفهم مولى االموحدين أميرالمؤمنين (ع) بقوله (العلماء باقون مابقي الدهر اعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة ).

فهاهم المشايخ المحمدون الثلاثة الكليني والصدوق والطوسي يعيشون حياة الخلود رغم مايزيد على الف عام ، يحملون بايديهم مشاعل النور والهداية ألا وهي كلمات الأئمة المعصومين و تراث رسول رب العالمين ، وها هم الحليون ابن ادريس والمحقق والعلامة يتألقون في ايصال فقه الامام جعفر الصادق عليه السلام لابناء مذهبه واتباع مدرسته ، وهلم جرا ، خلفا عن سلف الى عصرنا وزماننا ، ونخص بالذكر منهم قبلة المحصلين وكعبة المشتغلين استاذ الفقهاء والمجتهدين علم الاعلام و ملاذ الأنام زعيم الحوزة العلمية الامامية في زمانه المرحوم الامام السيد ابوالقاسم الخوئي قدس سره .

نابغة من نوابغ الدهر و عبقري من عباقرة البشر ، فهو من خير من تلقف هذا الحديث واقتطف ثماره فراح يرسم لنفسه العمل الصالح الممتد بامتداد الحياة والمستمر باستمرار الفكر والمفكرين والاجتهاد والمجتهدين ، فصرف عمره الشريف متحديا الغربة والفقر والحرمان وشظف العيش وسوء المناخ وقسوة البيئة ليخط بيراعه الشريفة منهجا جديدا ونظريات مبتكرة واسلوبا عميقا وفهما دقيقا في علوم الدين المختلفة التي سيبقى طلاب الحوزة العلمية والباحثون والمجتهدون عيالا عليها وعكفا (بضم العين وتشديد الكاف المفتوحة) على شرحها وتفصيلها وفهمها وتوضيحها وسيبقى خالدا بخلودها وسيبقى عمله الصالح يدر عليه البركات والرحمات والحسنات وعلو الدرجات .

ان الحديث عن المقام العلمي الشامخ لسماحته من نافلة القول ومما سارت به الركبان وتجاوز الحاجة الى بسط المقال والبيان .

انما الذي نود ان نشير اليه جهة اخرى و بعد آخر من حياة المرحوم السيد قد يغفل عنها المهتمون بشخصيته واحياء ذكره ، وهي جهة حرية بالالتفات اليها والتنبه لها لكونها تعطي طلاب العلم والمعرفة بل كل ناشط هادف في هذه الحياة درسا من الدروس الاساسية في الحياة ، وهي السر في عظمة هذا العبقري الفذ ونجاحه في تحقيق امانيه ، وهي حيثية الصبر التي اشار الله تعالى الى عظمتها بقوله تعالى وهو يصف بعض الانبياء الذين نالوا شرف الامامة الالهية بقوله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) ، ان النبوغ وقوة الذكاء والفطنة لاتكاد تؤتي أكلها لولا التحلي بصفة الصبر ، ومن هنا نريد دعوة الاخوة الاعزاء الى الانعطاف الى دراسة تفصيلية والقاء نظرة فاحصة مبسوطة شاملة لهذه الجهة من حياة المرحوم وكذا حياة سائر مراجع الطائفة الامامية ليتعرف ابناء طائفتنا بل كل الناس عن صفة مخفية مهمشة من حياة هؤلاء الجهابذة وهي جهاد النفس ، والصبر على مضض الفقر وشظف العيش والتقشف ، فهؤلاء لم يضحوا برفاهية العيش وترف الحياة والتمتع بسحر الطبيعة وجمالها و استنشاق الهواء العليل في المنتجعات السياحية فقط ، بل صبروا على الحرمان حتى من ابسط مقومات الحياة في المأ

كل والملبس والمسكن ، فلم تكن حياتهم المعيشة تشبه حتى الطبقة المتوسطة من ابناء عصرهم ، وبذلك الصبر وجهاد النفس اخذ الله بأيدهم انفاذا لوعده حيث قال عز من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . انه درس عظيم يجب ان نأخذه من هؤلاء العظماء . والحمدلله اولا و آخرا .

لكن ومن المؤسف والمؤلم باننا نلاحظ الاعداء في هذا اليوم قد دأبوا بالطعن والتشكيك في مراجع الدين وحماة الشريعة الذين هم صمام الامان للمذهب والعقيدة وذلك من اجل اسقاط موقعيتهم في النفوس وازالة مكمن القوة لهذا المذهب الامامي لما يرون لهم من نفوذ الكلمة عند ملايين المسلمين، وان كلمتهم هي الاولى والاخيرة في التأثير عند الجميع، ولكن ((ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين))

 

محرر الموقع : 2019 - 10 - 07