ألصّحةُ آلنّفسيّة أولاً؛
    

ألصّحةُ النّفسيّة(ألشّخصية) و قبلها(آلرّوحيّة) أهمُّ من آلصّحةِ ألبدنيّةِ(ألجّسميّة) لأنّها تُسَيّر و تُقوّم سلامة ألبدن(ألجّسم) ألذي يحوي العقل كأسمى مخلوق لأنها تُؤمّن إتصالاً عموديّاً مع آلغيب و أفقياً مع النّاس, لتُشكّل بإجتماعهما مفتاح ألسّعادة في آلحياة (ألعائليّة) ثمّ (المجتمعيّة) عبر تحقيق ألرّفاه و آلأمن و آلسّلام و آلأنتاج و التّقدم و الحضارة, و لا يجوز ألتّهاون في ذلك بل يجب الحرص كلّ الحرص على السّلامة النّفسيّة و الرّوحيّة قبل كُلّ شيئ.

 إنّ الكُتب السّماويّة وعلى رأسها آلقرآن الكريم و السُّنة النبويّة و الأماميّة ركّزت بشكلٍ رئيسيٍّ على الجانب النفسيّ - الرّوحي آلأهمّ قبل الجّوانب الماديّة و آلعرضيّة الأخرى لأولويتها و فاعليتها في تحقيق فلسفة الوجود, فقال سبحانه في محكم كتابه المبين؛
[قووا أنفسكم و أهليكم ...] و آية  أخرى؛ [ و جعلنا من أنفسكم أزواجاً ...] و ثالثة؛ [و نفسٍ و ما سوّاها, فألهمها فجورها و تقواها], و لم يُشر للجانب الماديّ الجسديّ سوى إشارة عابرة حُشرتْ ضمن مجموعة من القوى النفسيّة و الرّوحيّة و العقليّة و الميتافيزيقيّة وردت في آية (آلأعداد) بقوله؛ [و أعدوا لهم ما إستطعتم من قوّة ...].

كل ذلك كدلالة واضحة إلى أهميّة (الجوهر) و ليس (العرض), و يتمثّل بالنفس و الرّوح بإعتبارها الأساس و القاعدة التي تُحقق الهدف من خلق الأنسان و فلسفة الحياة الدُّنيا بكلّ معانيها و آفاقها و ما الجسد(العَرضْ) إلا وسيلة تخضع للجوهر.

لكنّ ضمان تحقّق القوة و الصّحة النفسيّة التي هي السّبب في سعادة للأنسان يرتبط بعوامل أخرى يجب أخذها بنظر الأعتبار, خصوصاً بعد ما شهدنا الفوضى و الفساد و الظلم الذي إنتشر في العراق كما معظم الدّول و هو بطريقه إلى آلتوسّع ليُصاب جميع الناس بآلأمراض النّفسيّة المعقدة و الخطيرة نتيجة الضغوط الأقتصادية بسبب فساد ألأنظمة الحاكمة التي سبّبت الحروب العبثية و آلأرهاب و الجّوع و الفقر, بجانب تفرّد المنظمة الأقتصاديّة العالميّة من فوقهم لرسم السّياسات التي تسعى لتأمين منافعها الخاصة على حساب حقوق الأمم و الشعوب و سلامتها, يُضاف لذلك  ألسّياسات التربويّة و التعليميّة الداخلية بجانب آلتّقاليد و آلثّقافة الدّينيّة التّقليديّة ألنّاقصة و المُشوّهة و المتحجرّة آلتي توارثها المُتدينون جيلاً بعد جيل من وعي كامل حتى أُصيبوا بآلأمراض الرّوحيّة التي تسبب الأمراض النفسية فآلبدنية التي ترتبط بآلحواس و القوى العقلية.

لقد دلّلتْ ألأحصاآت العلميّة على أنّ أكثر من 95% من آلعراقيين مُصابين بأمراضٍ (روحيّة) وعوق نفسيّ لتشوّه آلدِّين الذي توارثوهُ و نظرتهم للغيب؛ و كذلك بأمراضٍ (نفسيّةٍ) لسوء و فداحة آلأساليب التربويّة العنيفة و التّعليمة الخاطئة و الحالة الأقتصاديّة و آلعادات و التّقاليد .. و التي بعضها مُعقدة للغاية لتجذّرها في العقل و آلرّوح و الزّمن و قد تحتاج لـ 20 سنة علاج أو أكثر, و أقلّها؛ الكآبة و مرض آلشّك و فقدان الثقة و الخوف و مرض (بي تي إس دي) و التّنفر و آلتّكبر و الأنطواء الذي إنتشر بكثرة بين الجّميع تقريبأً, ممّا سبب شيوع الفساد و آلخلاف و التناحر و السّحر و الشعوذة و آلأرهاب و القتل و غيرها من الأساليب ألخبيثة و العنيفة الجاهلية المتخلفة التي زادت الطين بلّة و الأوضاع خراباً و دماراً!

و من آلمؤسف أنّ آلأحكام و التّقاليد و الثّقافة السّائدة لا تسمح و لا تُؤمِنْ بآلحُريّة الشّخصيّة سواءاً داخل العائلة أو خارجه ليُعبّر آلفرد عن مرامه و شخصيّته الحقيقيّة و سلوكه سلباً كان أو إيجاباً, لذلك يُصابون بمشاكل عديدة و يقعون في مطبّات خطيرة حين يُبدي (المريض) روحيّاً و نفسيّاً - و بسبب العوق النفسي و الأجواء الظلامية - ألتّحرّز حتى من السؤآل أو البوح بما في نفسه خوفاً من عقوبة المجتمع و تكفيره و قتل شخصيته, لذلك  يحاول جاهداً التّغطية على أمراضه وعقده عبر التّظاهر بآلسّلامة و الصّحة و الأعتدال بعكس و بخلاف ما هو عليه خوفاً من تنابز المُجتمع و آلأزدراء منه ثم الأنزواء فإغتيال شخصيته التي هي أهم من حياته البدنية!

و قد يُسبب إغتيال شخصيته؛ الأنتحار أو الأقدام على الجريمة, لأنّ مجتمعنا يعتبر المريض نفسياً؛ شخصيّة مختلّة و ناقصة تُلحق بصاحبه العيب و الشّنار و الأثم و لا يجوز التعامل معه للأبد .. و بنظرهم يستحق العقاب بدل الرّحمة و التعاطف, لأنّه لم يَعُدْ مقبولاً في المجتمع الذي معظمه يُعاني من نفس تلك الأمراض و يُحاول الكُلّ إظهار أنفسهم أصحّاء و مُعافين بعكس حقيقتهم المخبوءة بداخلهم!

هذا بحدّ ذاته تناقضٌ صارخ و كبير و مرضٌ خطير سميتهُ(الخداع النّفسي), حيث يُحاول (المُصاب) و بسبب فساد القيم و المعايير؛ إظهار شخصيّة ظاهريّة تختلف تماماً عن حقيقتهِ ألرّوحيّة و النّفسيّة الدّاخليّة التي تُشكّل وجوده الحقيقيّ, و هذا (الخداع) يحتاج إلى الكثير من آلتّفنن والتمثيل و الجهد العقليّ و آلدّفع الرّوحي بإتجاه تعميق الأخطاء لا علاجها لإظهار شخصيته المزورة بدل الحقيقة, ممّا يسبب للمصاب تأزيم أحواله و مانعاً من أنْ يكون منتجاً و مبدعاً و قد يحصل المصاب على شهادة جامعية أو يصبح وزيراً أو رئيساً للدولة لكنه يبقى متخلفاً مريضاً يعاني الجّهل الحقيقي في الفكر و العلم و المعرفة معاً, و بذلك يعيش و يبقى مستهلكاً طفيلياً و متخلفاً حتى آخر العمر, و مثل هكذا مجتمع حتى لو عاش فيه الناس آلاف السّنين لما تطوّر و سعَدَ.

لذا إحرص على تجنّب الوقوع في هذه المأساة و حاول علاج أمراضك النّفسيّة و آلرّوحيّة مهما كانت المعوقات و المُمانعات بمراجعة الأخصائيين و لا تهتم بما يقوله النّاس من حولك, لأنّ صحتك النّفسية و آلرّوحية هي آلاساس و السّبب في سعادتك و سعادة العائلة و من ثمّ تحقيق المجتمع السّليم.

و لا خير و لا فائدة من وجود المجتمعات المريضة - أيّ مجتمع كان - بسبب تحكم القوانيين الأعراف البالية و الأنظمة الظالمة التي تنهش حقوق الفقراء عبر الرّواتب ألغير عادلة و آلفساد القانوني المنظم.


إنّ التّستر على الأمراض النفسيّة و الرّوحية يُسبّب بآلأضافة لما ذكرنا؛ إنتقالها الخفي و بشكل طبيعيّ عن طريق الجينات للأبناء لتوريثها جيلا ًبعد جيل ليستمر آلتّخلف و آلأنحطاط حتى آخر المطاف خارج حدود الزّمن!

لذا علينا حلّ جذور هذه المشكلة الخطيرة بإيجاد حدٍّ للخلاص من آثار و أسباب و جذور تلك الأمراض ألرّوحية و النفسيّة ألتي يُصاب بها آلجميع بآلأخص ألحُكّام و آلسّياسييون و أكثر من غيرهم بسبب لقمة الحرام التي ملأت بطونهم و تعدّد الضغوط النفسيّة و الرّوحيّة المضاعفة ألتي يواجهونها بسبب حبّهم للرئاسة من أجل المال و الشهوات بآلقياس مع الضّغوط المشتركة الّتي يواجهها الفرد العاديّ؛ و هكذا و بتعاون الجميع عبر نشر العدالة و المعرفة و الدّين الصحيح يمكننا درأ المفاسد و آلأنتقال إلى حياة أفضل تسودها المحبّة و التّواضع و الألفة و البساطة و الشّراكة و العدالة الحقيقية في كلّ شيئ, خصوصاً لقمة الخبز.
د. عزيز الخزرجي
للتواصل عبر (المنتدى الفكري) AlmontadaAlfikry
https://www.facebook.com/AlmontadaAlfikry

محرر الموقع : 2016 - 02 - 11