ممثل المرجعية العليا في اوربا يحمّل العلماء والخطباء والمبلغين والتربويين والمؤسسات الاسلامية مسؤولية تربية اولادهم على نهج اهل البيت (ع)
    

عزى ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري العالم الاسلامي بذكرى شهادة سادس ائمة المسلمين الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) محملاً ،العلماء والخطباء والمبلغين والتربويين والمؤسسات الاسلامية مسؤولية تربية اولادهم على نهج اهل البيت (ع) وتعريفهم بأئمتهم ، لانهم النماذج الرائدة الأصيلة في تاريخ الرسالة الاسلامية .

 

 

جاء حديث سماحته هذا في الملتقى الاثيري بمناسبة ذكرى شهادة الامام الصادق (ع) التي تصادف 25 شوال، وهذا نصه حديثه :

اطلت علينا الذكرى السنوية لشهادة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) والتي كنا نقيم فيها مؤتمرا سنويا في عاصمة من العواصم الاوربية ، الا ان هذا العام لم يتنسنى لنا ذلك بسبب الجائحة التي المّت بالعالم، فارتأينا أن يقام المؤتمر العاشر عبر الاثير وذلك لما لهذه المناسبة من اهمية، لان الامام الصادق (ع) هو امام الفقهاء واستاذ العلماء والذي هو ووالده محمد بن علي الباقر (ع) انشأ جامعة اهل البيت (ع) في المدينة المنورة، لنشر مختلف العلوم الاسلامية والطبيعية والانسانية، حتى تخرج منها العلماء والفقهاء والمتكلمون والفلاسفة وعلماء الطبيعية وغيرهم ممن دون المؤرخون والمحدثون اسمائهم في كتب الحديث والتاريخ، واسس (ع) من خلال هذه الجامعة منهجا جديدا في تفنيد ودحض الشبهات والافكار المخالفة للفكر الاسلامي، بحوار هادف ونقد بناء متسما بروح المحبة والانفتاح على القريب والبعيد كسيرة ابائه واجداده (ع)، فجلب باسلوبه هذا وبطريقته المثلى الكثير من المخالفين له بالراي بالانضمام والانتماء الى مدرسته.

ولمعرفة هذا المنهج الذي اسسه الامام (ع) نحتاج الى متخصصين يوضحون لنا معالمه ودقائقه وغوامضه، لان علماء الشريعة مهما يملكون من قابليات علمية قد لا يستطيعون تقرير هذه العلوم الطبيعية والانسانية
ولهذا فنحن بحاجة الى مثل هذه الاختصاصات ليقدموها بصيغة اكاديمية ملائمة لطلاب العلوم حتى يستأنسوا بها.

ولنقف الان على بعض جوانب حياته العلمية (ع) بالتوضيح التالي:

1- الامام الصادق (ع) هو اول من وضع نظام التخصص قبل ان تقوم به الجامعات اليوم، وجعل لكل من هذه العلوم تلامذة متخصصين فيها : ففي علوم الفقه والاصول والحديث وغيرها زرارة بن اعين وأبا بصير ومحمد بن مسلم وغيرهم ، وفي اللغة أبان بن تغلب ، وفي القرآن حمران بن أعين وغيره ، وفي علم الفلسفة وعلم الكلام والامامة والتوحيد والمناظرة هشام بن الحكم وهشام بن مسلم ومؤمن الطاق ومحمد المهيار. وفي الحكمة ، وأسرار الكون والوجود ، واسرار الانسان المفضل بن عمر، وفي الكيمياء والفيزياء جابر ابن حيان الذي تُرجمت كتبه في الغرب الى مختلف اللغات حتى قالوا : إن نسبة علم الكيمياء لجابر عند العلماء ، كنسبة علم المنطق لأرسطوطاليس. الى غير ذلك من طلاب هذه المدرسة التي لايسعنا ذكرهم في هذا الموجز.

2- الإمام الصادق (ع) صاحب منهج علمي تجريبي في مناقشة الافكار ومعالجتها ، وقد ربى تلاميذه على مناقشة أرباب المذاهب والتيارات والنظريات ، وهذا مما ينبغي تجليته من خلال أصحاب الاختصاص ، لإثبات أن الامام الصادق (ع) وليس علماء الغرب ، هو الذي أصّلَ هذا المنهج العلمي التجريبي .

3- الإمام الصادق (ع) هو أستاذ ائمة المذاهب الاسلامية ، فقد تتلمذوا على يديه ، خصوصا أبو حنيفة ومالك وابن جُرَيج ويحي بن سعيد وسفيان الثوري وابن عيينة وشعبة ، وغيرهم من أقطاب العلم آنذاك .. وأما الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل ، فقد تتلمذا على يدي تلامذة الإمام الصادق (ع) ، فكان الامام الصادق (ع) هو أستاذهما بالواسطة .

4- اشتملت مدرسة الامام (ع) على مختلف العلوم الاسلامية والإنسانية ، فاهتمّت بالقرآن والسنة والفقه واللغة ، والتأريخ والاُصول والعقيدة والكلام والفلسفة الاسلامية ، كما اهتمّت بعلوم اُخرى مثل علم الفلك ، والطبّ ، والحيوان ، والنبات ، والكيمياء ، والفيزياء ، وغيرها .

5- تميزت بمنهجها السليم وعمقها الفكري ، فلم تعتمد على حشو الذهن ، وإنّما على البرهان العلمي الأصيل، كأساس للمنهج العلمي ، وبذلك قامت بتنمية كفاءات علمية ، وقامات فكرية ، وأنتجت للأمة رموزاً للعطاء العلمي بما أبدعته في مختلف تخصّصاتها العلمية ، وقدوة للاستقامة بما حققته من إنجازات على صعيد الدعوة والاصلاح ، وأصبح الانتساب الى مدرسة الإمام (ع) مفخرة للمنتسب ، حتى جاوز عدد طلاّبها العشرة آلاف ، عدّ الشيخ المفيد الثقات منهم أربعة آلاف طالب .

6- لقد حرصت مدرسة الإمام الصادق (ع) على تدوين الحديث والحفاظ على السنة ، بعد أن تعرّضت في وقت سابق للضياع والتحريف والتوظيف السياسي المنحرف ، بسبب المنع من التدوين . ولم يستجب الأئمّة المعصومون (ع) لقرار المنع بالرغم من كل الشعارات التي رفعت لحظر تدوين الحديث بدعوى الحفاظ على القرآن وسلامته من التحريف بينما كان الهدف الحقيقي من ذلك المنع هو تغييب السنة التي أكّدت على ربط الاُمّة بأهل البيت (ع). فاستهدف حكّام الجور بذلك صرف الناس عن أهل البيت (ع) ، حتى يسهل انقيادهم وراء كلّ ناعق .
يقول الإمام الصادق (ع) (أما والله إنّ عندنا ما لا نحتاج الى أحد والناس يحتاجون الينا . إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (ص) وخطّ عليٌّ (ع) ، وعندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها كل حلال وحرام). وجاء عنه (ع) أنه قال (علمنا غابر، ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الاسماع وإن عندنا الجفر الاحمر، والجفر الابيض، ومصحف فاطمة (ع) وان عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس اليه).
وكان يأمر طلاّبه بضرورة التدوين والكتابة ، قال (ع) : (احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون اليها). كما أشاد بنشاط زرارة الحديثي ، فقال (رحم الله زرارة بن أعيَن ، لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي).
وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد العجلي (لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي (ع) على حلاله وحرامه وهم السابقون الينا في الدنيا والآخرة).
كما كان يؤكد (ع) على تلامذته بالتدارس والمباحثة، قال للمفضّل بن عمر (اكتب وبث علمك في إخوانك ، فإنْ متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم).
وعلى هذا اهتمّ أصحابه بكتابة الأحاديث وتدوينها حتى تألّفت واجتمعت الاُصول الاربعمائة المعروفة ، والتي شكّلت المجاميع الحديثية الاولى عند الشيعة الإمامية .

ومن خلال هذا العرض الموجز تتجلى لنا غزارة علم الامام الصادق (ع) واحاطته بمختلف العلوم والمعارف التي لم يكن الكثير منها آنذاك معروفاً أو متداولاً ، فعلى الشباب المنبهر بما وصل إليه الغرب أن يعلم ، أن مرجع ذلك هو تراث الائمة (ع) ، الذي سبقهم بثلاثة عشر قرنا الى كثير من النظريات العلمية التي بنوا عليها حضارتهم ، كالدورة الدموية وتشريح جسم الانسان وغير ذلك من الامور التي بيّنها الإمام (ع) بدقة للمفضل بن عمر وغيره .

والخلاصة اننا اذا اردنا العلم والمعرفة ، فعلينا أن نرجع الى منابعه النقية الصافية وهم محمد وال محمد (ص)، فانهم هم المجسدون الحقيقيون للاسلام حقا وواقعا .
ووال أُناساً نقلهم وحديثهـــم            روى جـدنا عن جبرائيل عن الباري

وإن البعد عن هذا الفكر الاصيل وهذه المدرسة ، يُعد كارثة فكرية وعلمية وعقائدية لنا ولاجيالنا، ويعد انحرافا عن نهج الاسلام والقران، لإن ما ينقله الائمة (ع) اساسه ومصدره الوحي ، واليه اشار الامام الصادق (ع) بقوله (لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله (ع) وأصول علم عندنا ، نتوارثها كابرا عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم). لهذا فعلينا الحذر مما يسعى اليه أعداء الإسلام ، لطمسه الدين ومسخ أجيال الأمة ، من خلال مخططين خطيرين رهيبين :

المخطط الاول: تجهيل هذه الأجيال عن المعرفة بالرموز الأصيلة والرائدة في تاريخ الاسلام وتاريخ الرسالة، وذلك لغرض اقتلاع هذه الأجيال وفصلها عن المنابع الاسلامية الحقيقية .

المخطط الثاني: تنشئة هذه الاجيال على تقديس عناصر دخيلة على الإسلام الحقيقي ومزيفة ، حتى أحصى السيد مرتضى العسكري في كتابه خمسون ومائة صحابي مختلق .

ومن الخطر بمكان أن المؤسسات الاعلامية والثقافية والتربوية في بلاد المسلمين اليوم تحاول أن تربي أجيال المسلمين على تعظيم أشخاص وافدة من هنا وهناك ، وحتى المغنيين والمغنيات وغيرهم من الاقزام في تاريخ البشرية.
بينما الشخصيات الحقيقية من اهل البيت (ع) وما قدمته من جهاد وتضحية من اجل نهضة البشرية، غائبة عن ذهن ووعي هذه الامة، لان هذا النهج يسعى لإقصاء شباب الامة عن مسيرتها الحقيقة التي رسمها لها النبي (ص) والائمة (ع) بقوله (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وقوله (مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم). وقول الامام الباقر (ع) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة (شرقا وغربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا يخرج من عندنا أهل البيت) وعنه (ع) (أما إنه ليس عند أحد علم ولاحق ولافتيا إلا شئ أخذ عن علي بن أبي طالب (ع) ، وعنا أهل البيت ، وما من قضاء يقضى به بحق وصواب إلا بدء ذلك ومفتاحه وسببه وعلمه من علي (ع) ومنا).
واننا من خلال هذا اللقاء الاثيري ، نهيب بالمعنين من العلماء والخطباء والمبلغين والتربويين والأدباء ، والعاملين بالمؤسسات الاسلامية والثقافية ، أن يقوموا بتعريف أبناء وبنات الأمة بقمة من القمم الرائدة في تاريخ الرسالة الاسلامية ، ألا وهو الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي هو من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وواحد من أولئك النجباء الاصفياء ، الذين عناهم الله بقوله ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)).

آملين من المولى المتعال أن يأخذ بأيدينا للقيام بإحياء أمرهم وتعلّم محاسن كلامهم وتعليمها للناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامهم لاتبعوهم كما قال مولانا الإمام الرضا (ع).

واخيرا لا اخرا، نسال الله ان يوفقنا الله لاحياء مثل هذه الذكريا ت التي احوج ما تكون الامة لها في مثل هذا العصر، كما نساله تعالى ان يدفع هذا الوباء عن الجميع بمحمد وال محمد.
والحمد لله رب العالمين .

محرر الموقع : 2020 - 06 - 22