من أبناء الجالية العراقية ...رجال الأعمال العراقيون تركوا ملايينهم ونجوا بأرواحهم بعد تحول حلب إلى "مدينة موت"
    

 

لم يكن عبدالوهاب السامرائي يعتقد أنه سيجد نفسه "هاربا" متجها إلى بغداد التي تركها منذ أكثر من ثلاثة عقود، خالي الوفاض سوى من زوجته وأطفاله، خوفا من حرب تأخذ في طريقها كل مواطن أو مقيم.

السامرائي الذي وجد نفسه مستأجرا ملحقا صغيرا في بغداد ينتظر عودة الاستقرار إلى سوريا، حيث يقول "لا يهمني من كل ذلك سوى أن يعود السلام والهدوء والأمن كما كان في السابق".

ويضيف في اتصال هاتفي مع "العربية.نت" أنه هرب قبل أكثر من 3 عقود من نظام استبدادي ليستقر في حلب كآلاف العراقيين الموزعين على المدن السورية، وعمل في هذه المدينة إلى أن قام بتأسيس شركته في الاستيراد والتصدير، مبينا أنه بعد سقوط صدام لا يزال الوضع في العراق غير ملائم، في ظل غياب الأمن، لهذا وجدت أن حلب مدينة يمكنني العيش فيها مع أسرتي طوال حياتنا.

ويستطرد "أما اليوم، فإن غياب الأمن في العراق ربما أرحم من غياب "الحياة" في حلب ومدن كثيرة في سوريا.

غربة طالت كثيراًواعترف السامرائي أن كل مقيم- للأسف- في سوريا مشكوك في أمره من النظام، ومتهم بتمويل الجيش الحر، ولقد تأذى الكثيرون من العراقيين.

ولم يستطع إخفاء حزنه من خسارته لأمواله، قائلا: "هنالك بضائع ظلت مكدسة في حلب بمئات الآلاف من الدولارات، لم أقدر على تصريفها ولا حملها، وهربت وأسرتي لننجو بأنفسنا.

وبين السامرائي أنه كغيره من آلاف العراقيين التجار الذين خسروا تجارتهم بسبب "آلة الحرب" الدائرة.

أما الدكتورة "سناء.ع" فإنها لا تختلف كثيرا عن السامرائي، وقد عادت إلى العراق بعد غياب 15 عاما، حيث قرر والدها الاستقرار في حلب، ومن هناك أكملت دراساتها العليا في بريطانيا، عائدة الى سوريا حالمة بأن تلقى السلام في تلك المدينة.

تقول الدكتورة سناء لـ"العربية.نت"، كنت في العاصمة البريطانية لندن، فلما عدت كنت وأسرتي لليال طويلة لا نستطيع النوم، الوضع في حلب لا يحتمل، كل شيء لم يعد كما كان، الشوارع موحشة، الناس يتسربون، الغالبية يهجرون، فالعراقيون السواد الأعظم منهم شد الرحال إلى الأردن والعراق، لم يأخذوا معهم إلا ما تيسر من حاجياتهم الضرورية.

وتضيف الدكتورة سناء "بالنسبة لأسرتنا، أبقينا كل شيء، وسلمنا المفتاح لجيراننا من السوريين، والدي أراد الخروج بنا بأية طريقة مع عوائل عراقية أخرى من أقاربنا وأصدقائنا".

نزوح جماعيوأوضحت أن والدها منذ سنوات طويلة وهو يتاجر في مدينة حلب التي يكثر بها العراقيون، لكني لأول مرة أجده غير مهتم إلا بسلامتنا، وقرر ترك كل شيء، والعودة بنا إلى بغداد، بعد أن تم تجهيز بيت جدي القديم، مؤكدة أنها وأسرتها محظوظون بوجود سكن خاص لديهم في بغداد، بينما العشرات من الأسر العراقية التي نزحت من سوريا لم تجد لها مأوى في العراق، وبعضهم اضطر للسكن مؤقتا عند أقاربه، خصوصا وأن الإيجارات أصبحت مرتفعة جدا في العاصمة العراقية، وارتفعت بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى مشكلات لم تكن موجودة، وأصبحت ظاهرة مثل تفريق الشوارع والمناطق عن بعضها، فكل منطقة أصبحت لطائفة أو حزب أو تيار.

ورأت الدكتورة سناء أن المئات والآلاف من العراقيين لم ينزحوا من حلب فقط، بل من جميع مناطق سوريا مثل دمشق والسيدة زينب وغيرهما من المدن الرئيسة، مبينة أن غالبية العائلات بدأت تشعر بالخوف، وخلت غالبية المناطق، فهنالك شوارع كانت تعج بالعراقيين، لكنها اليوم خاوية خالية، لا تسمع بها شيئا، مؤكدة أن الشارع التي تقطن به أسرتها خلى من جميع العراقيين، باستثناء بعض السوريين.

وقالت الدكتورة سناء إن العراقيين لم يفكروا في الربح والخسارة، فهم مروا بذات التجربة حينما تركوا العراق أيام النظام السابق، وبدأوا من جديد في سوريا، بينما اليوم يتكرر المشهد، وكأنه سيناريو آخر ومشهد آخر، فقد شد العراقيون رحالهم مخلفين وراءهم كل ثرواتهم، خصوصا وأن غالبية العراقيين لم يكونوا مستأجرين بل كانوا يمتلكون مساكنهم وشققهم.

خسائر فادحةوبينت الدكتورة سناء أن خالها هو الآخر ترك كل شيء، وهو يملك مطعما كبيرا وبعض المحلات، ولم يستطع أخذ شيء معه.

واعترفت الدكتورة سناء أنها تشعر بغربة وإن كانت في بلادها، وبحسب ما تقول "بغداد لم تعد كما كانت، كل شيء غريب بالنسبة لي، وحلب كانت أكثر قربا لي، كل شيء تغير بفعل الربيع العربي، فهذا الأخير أورث خريفا في قلوب غالبية المواطنين العرب".

وتوقعت سناء أن الوضع لن يعود كما كان، خصوصا وأن العراقيين التجار يعلمون تماما أنه حتى بسقوط "نظام بشار" لن تعود سوريا كما كانت إلا بعد فترة طويلة، مثلها مثل الدول العربية الأخرى التي قامت بها الثورات، والتجارب هنا كثيرة، مؤكدة أن والدها وخالها والكثير من التجار يلملمون أوراقهم وحياتهم من أجل البحث عن وطن آمن جديد.

وأوضحت الدكتورة سناء أن العراقيين الذين كانوا في سوريا أكثر الناس خسارة حتى من السوريين، فمئات الملايين الذين استثمروها لن تعود، وإن عادت فلن تكون بنسبة كبيرة، خصوصا وأن غالبية العراقيين هربوا وخلفوا وراءهم الملايين، والجميع يعلم أن العقار اليوم بسوريا في أسوأ حالاته، والاقتصاد مدمر، حتى وإن فكر العراقيون في تصفية أعمالهم فستكون خسائرهم حينها فادحة.

المصدر العربية نت

محرر الموقع : 2012 - 08 - 23