ممثل المرجعية العليا في اوربا يهنئ العالم الاسلامي بقرب حلول شهر رمضان المبارك ويبين: كيف نستقبل شهر الله مع وجود الجائحة التي ألمت بالعالم وحصدت الملايين من الإصابات والوفيات
    

هنــأ ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري العالم الاسلامي بقرب حلول شهر رمضان المبارك مبيناَ كيف نستقبل شهرالله مع وجود الجائحة التي ألمت بالعالم وحصدت الملايين من الإصابات والوفيات

 

جاء حديثه هذا بمناسبة قرب حلول شهر رمضان شهر الخير والبركة شهر نزول القرآن هادي البشرية ومرشدها إلى الصراط المستقيم ، غير اننا نرى لهذا الشهر في هذا العام مذاقاً يختلف فيه عن السنين السابقة بسبب فيروس الكرونا الذي خلف ملايين المصابين والوفيات، والوباء لا زال ينتشر ويستفحل يوماً بعد يوم، مما ترك سكان المعمورة في ذعر وخوف فأصبحوا ينزوون في بيوتهم ولا يخرجون منها إلا لماماً ثم يعودون اليها مسرعين حذراً من الاصابة.

وهذه النازلة العالمية وان كانت هي الأولى التي تحدث في التاريخ المعاصر والقديم، ولكن لكل حدث من هذا القبيل وجهان : الأول وحشة وحصار ومشقة كما هو الحاصل، والثاني ايقاظ وتربية لا يدركها إلا من منّ الله عليه بالبصيرة والهداية. قال تعالى ((ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم)).

فنأمل أن تكون هذه الحالة موجبة لتوجه الخلق إلى خالقهم وبارئهم ليتضرعوا إليه برفع هذا الوباء والبلاء بعد إصلاح سرائرهم وعلانيتهم لـ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) وفي آية أخرى ((وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)) وقال تعالى: ((وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)).

إلى جانب هذا فقد خيم الحزن على المسلمين هذا العام كسابقه، حيث أغلقت فيه المؤسسات والمراكز والمساجد والتكايا أبوابها وتوقفت عن إقامة برامجها حذرا من انتشار الجائحة، وبذلك فقدوا نعمة الاجتماعات والملتقيات التي كانت تجمعهم على طاعة الرحمن من الصلاة والدعاء وتلاوة القران وغيرها من الاعمال المقربة الى الله في هذا الشهر. ونأمل أن يعوضوا عن ذلك بعقد جلسات القرآن والدعاء وما اعتادوا عليه من الذكر والتوسل في بيوتهم حتى يكشف الله تعالى عنهم هذا البلاء.

هذا وقد توفقنا في الموسم الفائت (محرم الحرام) للتكيف مع الوضع بعقد المجالس الحسينية وإلقاء المحاضرات الدينية والتربوية والعقائدية عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستفاد الجميع من عطاء الخطباء والمبلغين والمتحدثين، ولكن تبقى نعمة الحضور والتجمع في الاماكن العامة لها الأثر الكبير والفائدة العامة. فنسأل من الله عز وجل ان يعيد الأمور الى مجاريها بمنه وكرمه.

كما نسأله سبحانه وتعالى ان يكشف هذه الغمة وان لا يحرمنا من عطاء هذا الشهر الكريم الذي هو اشرف الشهور وافضلها، شهر يفتح الله فيه ابواب السماء وابواب الجنان وابواب الرحمة ويغلق فيه ابواب النيران، وفي هذا الشهر ليلة تكون عبادة الله فيها خير من عبادته من الف شهر، قال (ص) (من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف فيه عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة في ما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس، ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم).

فعلينا ان ننتبه كيف نستثمر ليله ونهاره وكيف نصون جوارحنا واعضاءنا عن معصية خالقنا، ونأمل ان لا نكون من اولئك الغافلين عن ذكر الله في ليله ونهاره، فقد جاء في الحديث (إن لله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار، كل قد استوجب النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه). كما علينا أن نتضرع إلى الله عز وجل بأن لا ينقضي عنا شهر رمضان وقد بقي علينا ذنب من الذنوب فَعَنِ الصّادق (ع) أنّه: (مَنْ لَم يُغفَر لَه في شَهر رَمَضان لَم يُغفَر لَهُ الى قابِل اِلاّ أن يَشهَدَ عَرَفَةَ).

وعلى المؤمن أن يكون من العاملين بوصية الامام الصّادق (ع) حينما قال : (اذا أصبحت صائما فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك) ، أي عن المحرّمات بل المكروهات أيضاً، وقال (ع): (لا يكن يوم صومك كيوم افطارك) ، وقال (ع): (انّ الصّيام ليس من الطّعام والشّراب وحدهما فاذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم عمّا حرّم الله، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تمارُوا ولا تخالفوا (كذبا بل ولا صدقا) ولا تسابوا ولا تشاتموا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تضاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصّلاة وألزموا الصّمت والسّكوت والصّبر والصدّق ومجانبة أهل الشّر، واجتنبوا قول الزّور والكذب والفرى والخصومة وظنّ السّوء والغيبة والنّميمة وكونوا مشرفين على الاخرة منتظرين لايّام ظهور القائم (عج) من آل محمّد (ص)، وعليكم السّكينة والوقار والخشوع والخضوع وذلّ العبيد الخيّف من مولاها خائفين راجين).

وقال بعض العارفين: (وكن أيّها الصّائم قد طهر قلبك من العيوب وتقدّست سريرتك من الخبث ونظف جسمك من الدنس وتبرّأت الى الله ممّن عداه وأخلصت الولاية له وصمتّ ممّا قد نهاك الله عنه في السّر والعلانية وخشيت الله حقّ خشيته في سرّك وعلانيك، ووهبت نفسك الله في أيّام صومك وفرغت قلبك له ونصبت نفسك له فيما أمرك ودعاك اليه ، فاذا فعلت ذلك كلّه فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع له ما أمرك، وكلّما انقصت منها شيئاً فيما بيّنت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك) وعن جابر بن يزيد عن الباقر (ع) قال : (قال النّبي (ص) لجابر بن عبد الله : يا جابر هذا شهر رمضان مَن صام نهاره وقام وردا من ليلته وصان بطنه وفرجه وحفظ لسانه لخرج من الذّنوب كما يخرج من الشّهر ، قال جابر : يا رسول الله (ص) ما أحسنه من حديث ، فقال رسول الله (ص): وما أصعبها من شروط).

نسال من الله ان يجعلنا من الصائمين والقائمين والراكعين والساجدين والتالين للذكر في هذا الشهر المبارك، وأن يعيده علينا العام القادم وقد رفع عنا هذا البلاء بمنه وكرمه إنه سميع مجيب.

محرر الموقع : 2021 - 04 - 05