جيل عراقي جديد... يعزّز مكانته في معاهد العلم وساحات العمل بأوروبا
    
 هولندا - عدنان أبو زيد

يشكل الجيل الجديد من العراقيين في بلدان أوروبا، علامة فارقة، الى الحد الذي يمكن فيه القول إنّه لا يوجد فصل دراسي في المدارس الأوروبية، يخلو من تلميذ عراقي على الأقل. وفي دول تكثر فيها الجالية العراقية مثل السويد والنرويج وهولندا، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، يمكن بسهولة ملاحظة، منظر أمهات عراقيات ينتظرن أطفالهن عند بوابات المدارس، لحظة انتهاء الدوام الرسمي.

 


وفي فصل دراسي في مدرسة ابتدائية في مدينة "دينبوش" الهولندية، يضم الفصل الثالث، سبعة تلاميذ عراقيين كلهم ولدوا في بلاد الأراضي المنخفضة.

وتقول العراقية، كوثر السماوي المقيمة في هولندا، منذ نحو العقد من الزمن: ان "اندماج الأطفال في الثقافة الأوروبية، أمر لا بد منه، طال الزمن أم قصر"، مؤكدة انها "تجاهد لكي يحافظ ولدها على لغته العربية"، في ظل صراع محتدم بين الثقافة الأم والثقافة الجديدة المكتسبة.
اندماج الثقافة


وليست السماوي، الوحيدة التي تقلق من الذوبان الثقافي في جليد الثقافة الأوروبية، فأغلب الجاليات العربية المهاجرة، تحرص على عدم فقدان الأبناء، الحد الأدنى الممكن، من مقومات الثقافة الأم.
وفي خضم انكباب دول أوروبا على الجيل المهاجر، وجعله مشروعا جاهزا يتقبل الثقافة الأوروبية ويمارسها، تركّز هذه الدول التي تعاني من ازدياد أعداد المسنين فيها على الاندماج الثقافي للمهاجرين، لرفد المستقبل بدماء جديدة من أبناء المهاجرين.
على أن تشبّت المهاجرين في الحفاظ على هويتهم، يكشف عن صراع يؤدي في الغالب الى تنازل المهاجر للكثير من الشروط التي فرضها على نفسه، وأوّلها، عدم فقدان الأبناء لهوياتهم الأصلية.
ويقول خبراء في الاتحاد الأوروبي، بحسب رويترز، ان تفادي "الشيخوخة "الأوروبية، لن يكون إلا بالاعتماد على الهجرات الشابة، لتجنب عجز متوقع في أوصال قطاع القوى العاملة حتى العام 2020.وفي سوق العمل، يمكنك ملاحظة الأيدي العاملة العراقية الشابة، على رغم قلتها، مقارنة بالجاليات التركية والمغربية والجزائرية.وافتتح العراقي كاظم سعد (30 سنة)، ورشة لتصليح السيارات في المنطقة الصناعية في مدينة "ايندهوفن" الهولندية، وإذ نجح سعد في مشروعه هذا، فإنه يأمل في توسيعه، منافسا في ذلك أقرانه الهولنديين، في المهنة نفسها.وعبر أجيال من الهجرة، بلغت أوجّها في تسعينيات القرن الماضي، أغنى العراقيون، سوق العمل الأوروبي، بالطبيب، والمهندس، والتاجر، والعامل، وصاحب المتجر، والحلاق، والمدرّس.
نضوج التجارب


وتقول خبيرة التجميل سمية حاتم، وقدِمت الى هولندا في العام 2002، ونجحت ببضع سنوات، في تحقيق حلمها في التأسيس لمركز تجميل ورشاقة، بعد دراسة لمدة سنة في معهد هولندي: انها تشعر بالفخر، بعدما ازداد أعداد الزبائن، ونضجت تجربتها، وأثبتت وجودها في مجتمع أوروبي متطور في تقنياته، في ما يتعلق بهذه المهنة.
وتسترسل في الكلام، فيما هي منشغلة بإعداد ورشة العمل: "إضافة الى العراقيات اللاتي يفدن من كل مكان، فإن من بين زبائني، هولنديات وجنسيات أخرى"، في دلالة على نجاحها في عملها.
ويقول الباحث الاجتماعي رياض الخفاجي الذي نال البكالوريوس من معهد "فونتيس" الهولندي في علم الاجتماع، ان "العراقيين يتفوقون في المجتمعات التي يقيمون فيها"، مؤكدا أن "الحقائق الميدانية تشير الى دخول الكثير من العراقيين الى سوق العمل، بقوة وكفاءة". ويتابع القول، وهو يقلّب صور محاضراته، في مركز بحثي هولندي: "لا مفر من القول، إن أوروبا اليوم تعتمد على المهاجرين في دفع عجلة اقتصادها" مؤكدا أن "هذه القارة التي تحتاج الى الشباب لا يمكنها غلق أبواب الهجرة أمام القادمين إليها".
ويؤيد وجهة النظر هذه، جان كريستوف دومون، الخبير في شؤون المهاجرين في منظمة التعاون الاقتصادي، فيقول إن "المقيمين في أوروبا، يساعدون على تأمين توازن بين مهاراتهم المتوفرة واحتياجات السوق".
وزاد في القول: "لن يكون على أوروبا سوى بذل الجهد في إعدادهم لسوق العمل، باعتبارهم كفاءات جاهزة أهّلتهم بلدانهم، وخسرت على إعدادهم الأموال الطائلة، ليصبحوا هدية مجانية من حصة دول الهجرة".
حاجة السوق


ولعل هذا ما يحدث الآن، إذ ترحب ألمانيا وهولندا بالكفاءات العلمية ورؤوس الأموال، في ظل تراجع مخيف في عدد السكان، لاسيما فئة الشباب.
وطبقا لهيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن المتوقع، انخفاض عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة، إلى 65 مليونا بحلول 2060.
لكن على رغم الحاجة الأوروبية للمهاجرين، إلا أن السياسات المعادية لهم، قائمة على قدم وساق، في أغلب الدول الأوروبية.
ويقول الطبيب العراقي سرمد علي، المتخرج في جامعة بغداد في العام 1990، وأكمل دراسته العليا، في هولندا، إن "كل الأطباء العراقيين الذين قدموا الى هولندا يعملون الآن في المستشفيات، ما يدل على حاجة سوق العمل اليهم، وفي ذات الوقت برهان على كفاءتهم، بعدما تمكنوا من معادلة شهاداتهم، وتحسين مستويات معيشتهم، بالحصول على وظائف جيدة، تناسب اختصاصاتهم.
طمس الثقافة الوافدة


وليست الأمور كلها بهذه الإيجابية، فمن وجهة نظر المهندس علي الطائي الذي لم ينجح في الحصول على عمل يناسب شهادته في الماجستير، في الهندسة المدنية، فإن "سياسات الاندماج عنصرية في واقعها، وهي تسعى الى طمس الثقافة الوافدة"، مرجِعاً "تأخره في الحصول على فرصة عمل، على رغم تجربته العملية، وشهادته الأكاديمية الى ما تقوله الشركة، عن نقص لديه في ثقافة العمل الهولندية".
إن قلق وزير الامن الهولندي الذي أفصح عنه في تصريح بداية 2015، من ان "نمو أعداد طالبي اللجوء في هولندا، لا يعكس الحقيقة، ذلك ان معاناة هولندا والدول الأوروبية من ارتفاع معدلات الشيخوخة، وقلة الإنجاب، يجعل من تصريح المسؤول الهولندي ذراً للرماد في العيون، وأبلغ دليل على ذلك ان بلجيكا قررت في أواخر 2014، زيادة معدلات استقبال اللاجئين، العراقيين والسوريين، وبمعدل الضعف، وتهيئة الأماكن لهم.
وبحسب الباحث الاجتماعي احمد الأمين، المقيم في بروكسل، فإن "دوافع استقبال اللاجئين، تبدو إنسانية في ظاهرها، لكنها تعبّر في واقع الحال عن (العطش) الى المهاجرين الذي يرفدون المجتمع بأجيال شابة، تحتاجهم أوروبا اليوم، أكثر من أي وقت مضى".
ويذهب الأمين في وجهة نظره التي اكتسبها من تجربته في المهجر، الى أبعد من ذلك، فيقول: "لو أتيحت الفرصة لدول أوروبا لاقتصرت في منح الإقامة واللجوء، على الأطفال والشباب فحسب، لكن الاعتبارات الأخلاقية، وحقوق الإنسان، تمنعها من التصريح بهذه السياسة علناً، على الرغم من أن خططها، تؤدي الى الغرض نفسه". 

محرر الموقع : 2015 - 01 - 29