إطلاق النار العشوائي.. بين الحماقة والتصرّف البدائي المتخلّف
    

في كل الاعتبارات الاجتماعية والاخلاقية والوطنية والقانونية لايوجد اي مبرر مهما كان صغيراً او كبيراً يبيح للمواطن العراقي أي مواطن سوى ان كان في المدينة أو من ابناء العشائر ان يعبر عن موقفه الحزين او المفرح باطلاق النار في الهواء تعبيراً عن الحالة التي هو فيها ، واذا اخذنا الامر من أي زاوية من الزوايا فاننا سنصل الى ذات النتيجة إلا اذا كان القائم بهذا الحدث لا يحترم القوانين ولا يعرف قيمة التعبير الحقيقي عن الفرح أو عن الحزن ، واذا اخذنا هذا الحادث من كونه تعبيراً ليس إلا فإن السؤال الذي يطرح لماذا يطلق الانسان النار عندما يفرح ولماذا يطلق النار عندما يحزن ، وهل السلاح الذي بيده هو لهذا الغرض الساذج المتخلف ان يوجه بندقيته ويبدأ باطلاق النار ليعرف النار بأنه في حالة فرح أو حزن .
أقول ذلك وأمامي شواهد لا تحصى من احداث مؤلمة نتيجة اطلاق النار ، بل تحضرني الان حادثة انه في احد مجالس العزاء التي اقيمت لاحد العراقيين المتوفين فقد تسببت في مقتل ثمانية اشخاص وجرح سبعة عشر وما نتج عنها من ردود افعال ( عطوة ، كوامة ، فصل ) ، وعندما فاز الفريق العراقي بكرة القدم على الفريق الايراني في دورة أمم أسيا لكرة القدم تسبب اطلاق النار فرحاً بعشرات الاصابات لمواطنين كل ذنبهم انهم كانوا في المكان الذي اطلقت فيه النار فرحاً بهذه المناسبة وكأننا لا نعرف وسيلة للفرح إلا بحمل البندقية واطلاق النار .
لنأخذ الأمر بالتحليل اكثر ونسأل الآتي ماهي الخسائر التي تترتب على اطلاق النار بمناسبات من هذا النوع ، الواقع اننا نستطيع ان نحصي عدد من الخسائر :-
1. خسارة في الطلقة التي ترمى بدون هدف ، أي التي تذهب هباءً .
2. خسارة للهدوء والذوق العام وللأصول في التعبير الاجتماعي 
     المتوازن  .
3. خسارة مالية واندثار من قيمة البندقية التي استخدمت .
4. خسارة محتملة ومتكررة بقتل نفوس بريئة وهذه هي الخسارة الأخطر واذا اردنا اكثر في التشخيص في هذه النقطة بالذات فنصل الى قائمة طويلة من الضحايا نتيجة استخدام السلاح بغير محلها وضرورتها ، وحسب علمي ومعلوماتي ان عدد ضحايا اطلاق النار العشوائي في الافراح والمآتم هم اكثر عدد من ضحايا الاخطاء المرورية التي تحصل سنوياً من حوادث السيارات .وعودة الى اجواء الاسئلة مع الأخذ بنظر الاعتبار ما صدر عن المرجعية الرشيدة في تحريم مثل هذه الاعمال المتهورة وعدّها خروجا على المسؤولية التشريعية لنا ان نسأل اذا لماذا تستمر هذه الظاهرة وتتكرر رغم كل المحاذير التي ترافقها ، اليس في الأمر حماقة ؟ وبذلك يستحق قول الشاعر :
لكل داء في الدنيا دواء 
              إلا الحماقة أعيت من يداويها 
والشيء بالشيء يذكر مازلت على بينة من حادثة تاريخية جرت في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حيث اصدر سيادته امراً بمصادرة كل الاسلحة النارية غير المرخصة من المواطنين لحماية المجتمع من ظاهر التسلح غير المشروع ، وكذلك العمل على تحويل قناعات الناس في التعبير عن افراحهم واحزانهم بطرق غير مشروعة ، وكانت لدينا بنادق ومسدسات عدة وقد اضطر والدي اخفاءها بمخزن القمح (الكنج) وكانت هناك اشاعة تدور ان الزعيم عبد الكريم قاسم لديه قطة تستطيع ان تشم السلاح حتى مع اخفائه وبقيت قطع السلاح لمدّة في هذا المكان المخفي وعندما اخرجناها بعد شهور وجدناها قد صدأت ، فهل لنا الآن ان تصدأ البنادق والاسلحة التي نتملكها عشائرياً لكي نحمي شبابنا واهلنا ومحبينا من هذا البلاء المستمر والمتكرر باطلاق النار من دون مبرر .اننا أمام مسؤولية وطنية وشرعية واجتماعية وقانونية حسب القرار 570 في 27/4/1982 الذي ينص على ما يأتي :- ( يعاقب بالحبس لمدة سنة واحدة كحد ادنى ولا تزيد على ثلاث سنوات في حال اطلاق العيارات النارية في المناسبات ) ، وكذلك نصت المادة 495 من قانون العقوبات العراقي (يعاقب بالحبس لمدة شهر واحد وحسب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ، كما تضمنت المادة 27 من قانون الاسلحة رقم 13 لسنة 1992 على منع حيازة السلاح وكذلك حمله خارج الضوابط القانونية .
ان تفعيل هذه النصوص القانونية ان لم يكن تعديلها لصالح تشديد العقوبة من شأنه اصلا ان يحقق كوابح ضد هذه الظاهرة ، كما يستدعي الوضع  ان تكون هناك توجهات جدية تسهم بها كل الفعاليات العشائرية والشخصيات الاجتماعية والدينية لمنع اطلاق النار في المناسبات ، وان يكون هناك تعهد في ذلك ، كما ان من الواجب الحكومي ان تتخذ الاجراءات القضائية الصارمة ضد مرتكب هذه الافعال . ان تحقيق ذلك يجعلنا بمستوى المسؤولية الوطنية والقانونية والاعتبارية لحماية المجتمع من هذه الظاهرة البدائية العنفيه المتخلفة ، ولنا ان نفرح او نحزن بطرق أخرى وليس باستخدام البندقية ، بل يمكنني ان أضيف أخيراً ان تحريم اطلاق النار العشوائي يجب ان يتحول الى مهمة وطنية وأخلاقية وشرفية على درجة عالية من الضرورة اذا أردنا حقاً ان نضع حد لتفشي ظاهرة الخصومات العشائرية لما تسببت فيه الظاهرة من مشاكل معقدة وما جرت من تهديدات وفصول عشائرية ، والاسبق من ذلك أرواح بريئة ازهقت  . انها وصمة عار وضعف وادمان على الخطأ ان تستمر ظاهرة الاطلاق النار العشوائي . 

الفريق الحقوقي
مارد عبد الحسن الحسون

محرر الموقع : 2015 - 01 - 29