الحمالون.. شباب في مقتبل العمر ضاع مستقبلهم والدولة غافلة عنهم
    

تهتم كل دول العالم بشريحة الشباب ، كونها تعد أمل البلاد وديمومة مستقبله حين يرفعون علمه في جميع المحافل الدولية 

وبكافة نشاطاتها الثقافية والرياضية والفنية وغيرها ببصمات واضحة في هذه المجالات ، بينما نجد في العراق أن هؤلاء الشباب لديهم بصمات في أعمال فرضت على حياتهم ، نتيجة الظروف الصعبة التي تمر عليهم ، ومن ضمنها تحميل البضائع في بعض المناطق التجارية من أجل كسب قوت يومهم ، فهذه الشريحة التي طالما وصفها الجميع بانها الاطول عمراً والاكثر عدداً ، إنشغلت باعمال هدمت حياتهم ومستقبلهم فضاعت فرصهم في مساعدة الوطن ، عندما يحتاجهم لبنائه بسواعدهم الشبابية التي هدرت قسراً نتيجة الأهمال المتعمد منذ سنين مضت .
(( بغداد الاخبارية )) تحدثت مع بعض المواطنين حول إتجاه بعض الشباب الى مهن بعيدة عن أمنياتهم وأحلامهم .

الشباب روح البلاد

قال المواطن خيري هادي ثامر ( موظف ) في كل مكان من العالم ، تعد شريحة الشباب روح البلاد وقوته في تحقيق أحلامه وطموحاته نحو مستقبل يضاهون من خلالهم باقي الامم المتحضرة ، فحين ترى مختلف الشباب يرفعون راية بلدانهم في كافة الميادين ، من علماء وأطباء ومهندسين وغيرها ، يستلمون من خلال ذلك زمام أوطانهم في الاماكن التي يشغلوها بشهاداتهم ، وعليهم ستعقد الامال في تنمية الاقتصاد الذي عده الكثير من المختصين هو القوة العظمى القادمة .
وأضاف ، لذلك وفق هذه الرؤية نجد لشبابهم بصمات واضحة حددت معالم الطريق للاخرين ، أما في العراق ، فهذه الشريحة والحمد لله كثيرة العدد وطويلة العمر ، ولها من القوة والعنفوان ما يفوق ، ولكن بصماتها تميزت في إتجاهات غير صحيحة بعيدة عن بناء البلاد بسبب الاهمال المتواصل لهم .

الخريجون والتعيين

وأوضحت منى طارق عبد الامير ( ربة بيت ) بقولها أجد أن أبنائي الذين تخرجوا من الجامعات لم يجدوا فرص تعيين في دوائر الدولة ، هي طاقات شبابية هائلة ومهدورة في وطني الذي يحتاج الى كل إنسان من أجل بنائه ، فهم تائهون ما بين البطالة والضياع الذي يعيشونه ، نتيجة فقدانهم لفرص العمل ، فتاهوا في شوارع المدن ومقاهيها وأزقتها وشوارعها .
وطالبت المواطنة بضرورة الاهتمام بهذه الطاقات الجبارة والتي لم تستغل حتى الان ، ما جعلهم في واد والجهات المختصة في واد آخر ، فلا أحد يلتفت اليهم ولا من يهتم أو يرشدهم ، وجميع أمورهم كلها مهملة .
واختتمت حديثها " فكان الاتجاه نحو مهن ، لا تتناسب مع أعمارهم ومكانتهم وطاقاتهم الجبارة ، ولجأ قسم منهم الى تحميل البضائع والعمل كحمالين في الشوارع والاسواق نتيجة ضيق العيش وعدم توفر فرص العمل ، في حين أتجه الاخرون الى قيادة سيارات الاجرة والعمل ، كعمال وباعة " .

مهنة الشباب الأولى

وأشار المواطن حاتم عبد الله غالب ( عامل تحميل بضائع ) إلى إن تحميل البضائع صارت مهنة الشباب الأولى وببسب ظروفهم لم يستطيعوا الابتعاد عنها ، نظراً لانها تتطلب القوة والتحمل ولا تحتاج الى رأس مال أو مبالغ مالية لتوظيفها في مشروع ناجح ، وكان همهم الرئيس الاعتماد على أجسادهم فقط ، مع عربة صغيرة والباقي يتكفل به المجتمع مقابل مبالغ تجود بها الأيادي عليهم .
مشيرا الى أن هناك إزديادا في أعداد الشباب في جميع الساحات والاسواق العامة وقرب المحال التجارية ، بهذا الكم الهائل منهم ، والذين فضلوا أن يعملون بمهن تحميل البضائع في الأسواق ، ولكنهم قد شعروا باللوم من الآخرين على أنفسهم أمام هذه الصور المؤلمة .

عضلات مفتولة

وأكد المواطن إسماعيل شهيد زاهر ( صاحب محل لبيع المواد الغذائية ) بقوله كلما أذهب الى بعض المحال التجارية من أجل التبضع ، أشاهد بعض الشباب يقفون بعضلاتهم المفتولة وقوتهم من أجل تحميل مختلف البضائع للاخرين .
وأستدرك فقال ، صحيح إنها مهنة غير معيبة وشريفة ، وتعتمد على طاقة فقط ، فكان لابد أن تستغل لخدمة الوطن لا جهود ضائعة عبثاً من دون إنتاج ، سوى ممارسة العمل بمجرد أنه عمل يبعدهم عن فصيل البطالة وكلام الأهل والاقارب ، كونهم في عمر الشباب ويستطيعون ممارسة أي مهنة من دون تعب أو كلل قد يشعرون به .

يعيشون أسوأ حالاتهم

من جانبها قالت الباحثة الاجتماعية إيمان عدنان هؤلاء الحمالين يعيشون أسوأ لحظات حياتهم ، ولا يمكن أن يشعر أحد بهم أو أن يصف شعورهم ، ومن المحزن وهم بهذه الأعمار أن يتحملوا قساوة الحياة الصعبة من خلال هذه المهنة ، التي لها آثار سلبية على نفسيتهم وصحتهم ، فإنعكست على سلوكهم اليومي ، لاسيما وأن الكثيرين أجبروا على أمتهانه ، وهم من أصحاب شهادات وخريجين .
وبينت بقولها ، إن الخريجين بعدما فرحوا عندما تخرجوا وإستلموا شهاداتهم الجامعية ، وعلـَّقوها على حيطان منازلهم ، فوجدوا حين إشتدت بهم العازة والاحتياج الى العمل ، إنهم علقوا معها خيبة أملهم بحسرة وألم .
وشرحت الباحثة حالهم قائلة " لقد إضطروا إلى الاتجاه نحو هذه الاعمال ، لعلها تخفف عنهم الضائقة المادية التي يعيشونها ، حين شاهدوا جميع محاولاتهم قد باءت بالفشل في الحصول على أية وظيفة أو فرصة عمل ، فاصاب الكثير منهم بأمراض عــدة وهم في سن الشباب نتيجة حملهم أوزانا ثقيلة لسنين طويلة مرت بهم .

مسك الختام

دفعت ظروف المعيشة الصعبة مختلف الاعمار إلى العمل في ميادين شاقة لم يعهدوها سابقاً ، لتأمين لقمة العيش لهم ولعوائلهم ، و ما يلفت الإنتباه منظر هؤلاء الحمالين إن كانوا صغاراً أم كباراً وهم يسحبون ورائهم عربات خشبية في أسواق بمختلف البضائع ، ولا يبالون بالإعياء وهمهم الوحيد إيصال بضاعتهم الى مكانها من أجل الحصول على بعض المال منهم ، فتراهم في كل يوم يتسابقون مع بعضهم البعض، وهم يسحبون هذه العربات ، بل ويتنافسون فيما بينهم للحصول على زبون ، لانهم يعلمون سوف يحصلون على ما يعينهم في يومهم ذاك ، وهذا التنافس يدفع غالبيتهم الى عدم التفكير فيما سوف يحملونه من بضائع ثقيلة ، خفيفة ، صغيرة ، كبيرة ، فالإعياء الذي يمكن أن يصيبهم ، قد أهملوه ، فهم شريحة كادحة من الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس ، صحيح أن هذه المهنة لا تحتاج إلى رأس مال وكل ما يحتاجونه الى القوة الجسمانية التي يحملها إضافة إلى إلمامهم بكيفية حزم البضاعة وطريقة تحميلها وتنزيلها ، ولكن هذه الجهود قد أضاعت على الوطن ثروات علمية تركت شهاداتهم من أجل العمل ، لذلك وجب على الجهات الحكومية منذ الان ، العمل على إستيعابهم وتعيينهم في دوائر الدولة خوفاً من ضياع أصحاب الشهادات العلمية باختصاصات بعضها نادرة والمهمة في غياهب الجب والانجزار وراء أشياء التي قد تسهم في ضياع مستقبلهم ومستقبل البلاد معهم . 

بغداد الاخبارية / تحقيق : دريد ثامر

محرر الموقع : 2015 - 03 - 28