استغلال المتزوّجات عبر الإنترنت: ضياع القيم وخراب بيوت
    

دمان، هوس، تعلّق شديد، انعزاليّة... مصطلحات تتردّد بشكل ملحوظ عندما نشرع بالحديث عن الإنترنت ووسائل التّواصل الحديثة، يضاف إلى ذلك العديد من المشاكل والتأثيرات التي أفرزها التواصل اللا محدود في الفضاء الافتراضي على واقعنا المعيوش.

نناقش اليوم موضوع استغلال المتزوجات عبر الإنترنت، ليس من باب التقليل من أهميّة هذه الوسائل وأهميّتها التقنيّة، ولا من باب محاربتها، وإنما من باب الإضاءة على مشاكل أفرزتها عشوائيّة التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، من واتس آب وفايبر وإنستغرام.. والحبل على الجرّار. نطرح بجرأة حكايات وقصصاً واقعيّة عاشتها بعض السيّدات في الخفاء، وهي تقبع اليوم تحت وطأة الخوف من الفضيحة، فيما نالت بعضهنّ نصيبها من الابتزاز والاستغلال وربما أكثر...

كبسة زرّ

لم تعتقد السيّدة (ف،م)، ابنة الثلاثين عاماً، وهي أمّ لثلاثة أولاد، أنها ستقع في المحظور، حالها كمعظم النّساء هذه الأيام، تبدأ نهارها بمتابعة الفايسبوك وتعليقات الأصدقاء، وتفرح بمزيد من طلبات الصّداقة التي تزداد يوماً بعد يوم، بدأت قصّتها عندما أرسل إليها أحد الأشخاص طلب صداقة مرفقاً برسالة خاصّة على الفايسبوك يطلب منها قبول صداقته، ومعرباً عن احترامه وتقديرها لشخصها، تردّدت وقبلت الصّداقة المزعومة، وفي الفترة الأولى، كان يرسل لها بطاقات صباحيّة، ولم تكن تعير ذلك اهتماماً، وفي فترة من الفترات، تزامنت مع سفر زوجها إلى إفريقيا، ردّت التحيّة بأحسن منها، وهنا بدأت الحكاية، أعرب "عاشق الحياة" عن رغبته لمحادثتها في أيّ وقت تريد، وأمطرها مديحاً وكلاماً، حتى باتت تفكر فيه وفي شاعريته، على الرغم من أنها لا تعرفه، طلب منها اللّقاء فرفضت، وكانت طوال المحادثات السابقة تخبره عن الضّغط الذي تعيشه بسبب الأولاد وغياب الزوج، كرّر طلب اللقاء، وعندما رفضت مجدّداً، هددها بإرسال نصوص المحادثات لزوجها، تردّدت، واعتقدت أن اللّقاء سينهي كلّ شيء، ولكنه كان البداية، وهذه كلماتها التي تختصر الحكاية:

"لم أفكّر يوماً أنّني سأنجرّ للقيام بتصرّفات خارج قناعاتي الشخصيّة، لا أعرف كيف وصلت إلى مرحلة اللقاء مع شخص غريب لا أعرف عنه شيئاً، لا أعرف ماذا جرى، ولكنني اليوم أفتقد مصداقيتي أمام أولادي وزوجي المسافر لتحصيل الرّزق، بكلّ صراحة، وقعت في المحظور، وارتكبت المحرَّم، ولا أقوى على فعل شيء، لا أملك القدرة على الاعتراف بما جرى معي، ولا أعرف كيف أتخلص من هذا الكابوس الذي أعيشه منذ أكثر من عام، وكلّما ابتعدت قليلاً، أجد نفس أمام تهديد بفضحي أمام أولادي وزوجي وأهلي، وأرضخ خوفاً من الفضيحة".

تواصل المتزوّجة بين الجواز والحرمة

يشدّد سماحة السيّد حسن حسن على ضرورة أن تحكم عمليّة التّواصل عبر الإنترنت ضوابط عامّة؛ من اختيار الكلمات ووضوحها، وعدم التّشويش، وغيرها، لافتاً إلى أهميّة التنبّه إلى أنّ كلّ عمليّة تواصل ينتج منها إيصال رسالة إلى المتلقّي، وهذه الرسالة سينتج منها إجابة أو استجابة وتفاعل بين الطّرفين، مؤكّداً حقّ المرأة في التواصل مع الآخرين كالرّجل، لجهة التعبير عن رأيها، أو إرسال الرسائل عبر أيّ وسيلة من وسائل التّواصل، بشرط مراعاة الضّوابط الشرعيّة والأخلاقيّة، وعدم الخروج عن هذه الحدود، وهذا ينطبق على المرأة المتزوّجة وغيرها.

أمّا بالنّسبة إلى تواصل المرأة المتزوجة مع الرجال عبر الإنترنت، فلا بدَّ، في رأي سماحته، من دراسة حاجتها وغايتها من هذا التواصل، " فإذا كان الدّاعي للتّواصل هو العمل، فلا إشكال في جوازه ضمن الحدود الوظيفيّة، مع حسن اختيار الكلمات المحترمة الّتي لا تحتمل التأويل والتفسير الخاطئ، وأيضاً إذا كان التواصل لأجل عرض وجهة نظر ثقافيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة أيضاً، فلا إشكال في ذلك، ولكن إذا كان تواصل المرأة المتزوّجة مع الرجال لغاية التسلية والتلهي، فهنا يكمن الإشكال، حيث إنّ هذا التواصل غاياته غير راجحة شرعاً، ويخاف من خلاله الوقوع في المعصية، عندما ينجر الطّرفان إلى بعض الكلمات الموحية بالإعجاب وغيره".

استغلال.. ومساومة

ترى الاختصاصية في علم النفس العيادي، د.تغريد حيدر، المتخصّصة في العلاقات الأسرية، أنّ "وسائل التّواصل تشرّع باب الصّداقات العشوائيّة بين الرّجل والمرأة وتحرق المراحل، فيصبح الآخر حاضراً معنا في أيّ وقت من الأوقات دون موانع ، نعتاد على التّواصل مع الغير في اللّيل والنّهار، وتصبح هذه الحالة عاديّة، وتتطوّر سريعاً بين الطّرفين، حتى تشعر المرأة بأنّ من تتواصل معه هو الملجأ ومحلّ ثقة وأمان. الفايسبوك يغيّر من مستوى رؤية الإنسان للأمور، وطريقة فهم الأشياء، وحتى المحاذير تذوب تدريجيّاً، والحصانة تسقط أمام حجم المغريات والضّغوطات التي يتعرّض لها الإنسان بشكل عامّ، والمرأة على وجه الخصوص".

وتضيف: "نعاني كثيراً انعدام التوجيه للاستخدام الصحيح لتقنيات التواصل الحديثة، ونؤكّد أن مواقع التواصل ليست المكان الصحيح والمناسب لفضح الخلافات الزوجيّة وأسرار العلاقة بين الزوجين، ومن يبحث عن حلول لمشاكله الأسريّة في هذا العالم الافتراضي، فلن يلقى سوى خيبات الأمل والكثير من المشاكل".

وحول الأسباب التي تقود إلى تواصل المرأة المتزوّجة مع رجل على مواقع التواصل، تشير د. حيدر إلى جملة من الأسباب التي تعتبرها المتزوّجة ذريعة لتبرير هذا التواصل، وفي مقدَّمها الرغبة في إيجاد مساحة خاصّة لها تتواصل من خلالها مع من تفترض أنّه يستمع إليها ويقدِّر حجم الضّغوطات التي تعيشها في حياتها الزوجيّة، ويبادلها بالكلام الجميل، متناسيةً أنّ معظم هؤلاء الرجال يبيعون الكلام المعسول في العالم الافتراضي لغايات وأهداف قد تصل إلى الاستغلال والمساومة فيما بعد، في الوقت الّذي يتقاسم الأزواج معهم أعباء هذه الحياة، ويبذلون كلّ طاقاتهم لتأمين حياة كريمة للزّوجة والأولاد، مشيرةً إلى أنَّ هذا التّواصل الذي تبدأه المرأة المتزوّجة بكلمات معدودة، غالباً ما يتطوَّر ويصبح أكثر حميميّة بفعل حنكة المتواصل الّذي يعمد إلى تطوير هذه العلاقة لأكثر من هدف، ليس أقلّها إقامة علاقة غير شرعيّة مع المرأة، وقد تصل في حدودها القصوى إلى تجنيدها في شبكات دعارى أو تبييض أموال، أو حتى في شبكات تجسّس صهيونية.

مواقع التّواصل ليست المكان الصّحيح والمناسب لفضح الخلافات الزوجيّة وأسرار العلاقة بين الزوجين

التّواصل المحرَّم

ينبّه سماحة السيّد حسن المرأة المتزوّجة من عمليّة التواصل مع الرجال الأجانب عنها عبر الإنترنت وغيره، لأنه وعلى فرض التأكّد من صفاء نيّتها، فإنها غير ضامنة للطرف الآخر ولنيّته، وعلى أيّ وجه يفسّر الكلمات التي يتلقّاها. ويتابع القول: "على المرأة أن تنتبه للمنشورات التي تكتبها على صفحتها أن لا تكون موحيةً بإيحاءات خاطئة، وقابلة للفهم الخاطئ، لأنها تتحمل مسؤولية الفهم الخاطئ، وكذلك عليها أن تنتبه لتعليقاتها على منشورات الآخرين، فلا تبدي إعجابها بالكاتب، بل بكتاباته إذا كان هناك ضرورة لذلك، وتتذكر قول الله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفاً}. وأمّا عمليّة التّواصل بين المرأة المتزوجة وغيرها مع الرجال، والقائمة على بثّ الطرائف والكلمات الإيحائيّة المثيرة للغرائز، فهي محرَّمة بلا شكّ، ويجب على المرأة المتزوجة صيانة نفسها وزوجها وبيتها، بتجنّبها هذا النّوع من التّواصل".

ويحذّر سماحته من خطورة التواصل بين المرأة المتزوّجة والرجل الأجنبي عبر وسائل التواصل المتطورة، ومنها تطبيق inbox، حيث إنّ التواصل عبر هذا التطبيق، يؤدّي إلى استغلال المرأة وتهديدها وابتزازها، لتوريطها في المحرَّمات العملية التي لم تكن في حساباتها عند مباشرتها في عمليّة التّواصل، فتنجرّ إلى ما لا يُحمد عقباه على المستوى الشّرعي والاجتماعي والأخلاقي.

وفي الختام، يتوجَّه سماحته إلى المرأة المتزوّجة بالقول: "أنت إنسانة مرتبطة بعقد شرعيّ وأخلاقيّ وقانونيّ مع رجلٍ واحدٍ قد رضيت به زوجاً وشريكاً لك في الحياة، ولا يحقّ لك لا شرعاً ولا أخلاقاً ولا قانوناً أن تخالفي هذا العقد وهذه الأمانة بتواصلك مع رجلٍ آخر، مهما كانت الأسباب والذّرائع، وعليك أن تحترمي دينك وتصوني نفسك وزوجك، ولا تعرّضي حياتك الزوجيّة والأسرية للدّمار الأخلاقي بداعي التّسلية أو لدواعٍ أخرى، وعليك بتقوى الله والالتزام بحدوده التي حدّها {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ}".

لا مبرّر للوقوع في الخطأ

تلفت د. حيدر إلى أنّ تركيبة استخدام التقنيات الحديثة، تعمل على الجانب النفسي للمستخدم، وتؤدّي به إلى حدّ الإدمان، وهذا ما توصّلت إليه المراكز المتخصّصة بعلاج الإدمان من الإنترنت في الولايات المتحدة الاميركية، حيث تبين أن الإنترنت بوسائله المتعددة، له مؤشرات كيميائية على الدماغ البشري، يؤثّر في علاقة المستخدم بهذا العالم، وتطاول تأثيراته علاقة الإنسان مع محيطه العائلي والاجتماعي، بحيث يصبح المستخدم مشدوداً للعالم الافتراضي، ويصل إلى مرحلة التعلق به، فيما يشعر برغبة الاستغناء عن كلّ ما يحيط به في حياته الواقعيّة. وتلفت إلى عدد من الأمور يفترض التنبّه إليها:

· إنّ الإفراط في التواصل عبر التقنيات الحديثة، يؤثر في طريقة تفكيرك عزيزتي الزّوجة، وفي مشاعرك حيال من حولك.

· التواصل مع الأصدقاء الوهميّين، قد يجعلك تفقدين التّقدير لإنجازاتك في الحياة الأسرية.

· لا تقارني زوجك بأولئك الأشخاص الّذين يمتهنون قول الكلمات الحلوة والدّاعمة للمرأة وحقوقها، فهذه الكلمات يقصد بها التّغرير بك والتقرّب منك.

· معظم الرّجال الذين يتواصلون مع نساء على مواقع التّواصل، يقدّمون أنفسهم على أنهم رجال مهملون من زوجاتهم، ويرغبون بالتواصل مع من يسمعهم ويخفّف عنهم.

· إياك والإفراط في نشر الأقوال التي تدلّ على حالتك النفسيّة، وعلى وجود مشاكل زوجيّة وأسرية، لأنّ ذلك سيجعلك عرضةً للتّواصل من قبل المصطادين في الماء العكر.

· إنّ الفايسبوك يدفع المرأة إلى القبول بما كانت ترفضه على أرض الواقع، فاحذري.

· إياك ومجاراة صديقات السّوء اللّواتي يتفاخرن بعلاقتهن مع رجال على مواقع التّواصل، لا مبرّر للمتزوّجة للدخول في هذه العلاقات المشبوهة، مهما كانت المبرّرات والأجواء الدّاعمة لهكذا خطوات.

وتختم د. تغريد حيدر بالتوجّه إلى كل المتزوجات المنغمسات في التواصل الافتراضي بالقول: "انتبهن لما تفعلن، عليكم أن تقدّمن النماذج الحسنة لا السيّئة لبناتكنّ، وكيف ستنجحون في تربية أبنائكنّ على قيم تفتقدونها. كونوا القدوة الحسنة، وسارعن إلى قرار ينقذكنّ وأسركنّ من الضّياع وخراب البيوت".

وفي الختام، أعزّائي القرّاء، نحن مدعوّون إلى الحفاظ على القيم الأخلاقيّة والإسلاميّة التي تحكم علاقاتنا وتواصلنا مع الآخر، وإن كانت وسائل التّواصل الحديثة توحي بشيء من الخصوصيّة في التواصل، إلا أنّها من أكثر الوسائل انتهاكاً للخصوصيّات، ولعلّ المعيار الدّيني يبقى الأقوى في وجه معايير الحداثة الّتي تهدف في أحد أوجهها إلى تدمير خصوصية العلاقات الزوجية والعائلية. فحذار أختي الكريمة أن تكوني إحدى ضحايا هذا العالم...

فاطمة خشّاب درويش

محرر الموقع : 2016 - 08 - 16