عندما تغتال الديمقراطية الغربية الرأي الآخر
    

لم تتعرض الديمقراطية الغربية ، التي كان ومازال الغرب يتبحج بها امام العالم اجمع ، على انها أفضل نظام سياسي توصل اليه العقل البشري، لامتحان اصعب من الامتحان الذي تتعرض له الان ، والذي كشف عن عيوب جوهرية تعاني منها هذه الديمقراطية.

من اهم الامتحانات التي واجهتها الديمقراطية الغربية وخرجت منها بادنى درجات الثقة ، هي امتحان التغطية الاعلامية لوسائل اعلام تابعة لامريكا واوروبا ، للحروب والازمات التي يشهدها العالم وخاصة منطقتنا العربية والاسلامية وبالتحديد سوريا والعراق.

وسائل الاعلام الغربية كانت مهيمنة على الاثير منذ عقود طويلة ، وهي التي كانت تكتب الرواية التي كان يجب كتابها للاحداث والتطورات العربية والاسلامية والعالمية ، وهذه الرواية كانت يُظر اليها على انها الحقيقة ، وتتحول الى راي عام ، وغيرها من الروايات لم تكن سوى تزييف ، لذلك نجحت وسائل الاعلام هذه من تسويق الصهيونية على انهم ضحايا ارهاب الشعب الفلسطيني ، وتمكنت من ايجاد غطاء كثيف من الاباطيل حالت دون تعاطف الشعوب الغربية مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية والاسلامية الاخرى.

بعد الاحداث التي شهدتها منطقتنا العربية منذ 2011 ، او احداث ما بات يعرف ب“ثورات الربيع العربي” ، وما افرزته من فوضى عارمة ضربت العديد من الدول العربية ، ومزقت جغرافيتها ونسيجها الاجتماعي ، وتورط العديد من القوى الكبرى في اشعال هذه الفوضى ، كان الاعلام الغربي يقدم رواية مشوهة لحقيقة ما يجري ، حتى وصلت نهاية هذه الرواية الغربية الى نتيجة مفادها ان جانب كبير من هذه الفوضى سببه الصراع بين “السنة والشيعة” ، وبين “التطرف الاسلامي والاعتدال الاسلامي” ، وان جذور ما يجري يعود الى الاسلام والى المسلمين انفسهم.

وانطلاقا من هذه الفكرة التي روج لها الاعلام الغربي من جانب، وعبر ضخ الغرب والرجعية العربية للاموال والسلاح والمسلحين الى بعض الدول ومنها سوريا من جانب اخر ، اخذت الفوضى تضرب بقوة اكبر ، حتى انهكت الجيوش العربية واضعفتها ، خدمة للكيان الصهيوني ، الامر الذي استفز محور المقاومة ومن ورائه روسيا ، الذي دخل بقوة في سوريا لوقف الفوضى العارمة ، والتصدي للمشروع الغربي الصهيوني الرجعي.

روسيا ولما تمتلكه من امكانيات تقنية واعلامية كبيرة ، جندت وسائل اعلامها لكسر احتكار الاعلام الغربي لكتابة الرواية عن السياسة العالمية ، وخاصة فيما يجري في منطقة الشرق الاوسط وبالذات سوريا ، وتمكنت بذلك من التأثير على الراي العام العالمي ، من خلال تقديم صورة اكثر وضوحا ازاء ما يجري في سوريا.

في الوقت الذي كان الاعلام الغربي يؤلب الراي العام على الحكومة السورية من خلال نقل اخبار غير واقعية عن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيمياوي ضد “المعارضة المسلحة” ، فاذا بوسائل الاعلام الروسية تكشف بالصوت والصورة ، ان الجهة التي استخدمت السلاح الكيمياوي ، هي العصابات التكفيرية ، وفي الوقت الذي كان الاعلام الغربي يسوق “المعارضة السورية” على انها مجموعة من “الثوار” و “المعتدلين” ، فاذا بالاعلام الروسي يكشف حقيقة هؤلاء الثوار ، فاذا هم جماعات تكفيرية متطرفة عمودها الفقري هو تنظيم “القاعدة” الارهابي و “داعش” .

اما عن حقيقة القصف ، والاهداف التي تُقصف ، والجهات التي تقصف ، في سوريا ، كان للاعلام الروسي رواية مختلفة اختلافا جذريا عن الرواية الغربية ، وهو ما جعل عدد مخاطبي وسائل الاعلام الروسية يتجاوز عدد مخاطبي قنوات امريكية مثل السي ان ان وغيرها ، وفقا لتقارير امريكية.

اهتمام الاعلام الروسي لم ينحصر بقضايا سوريا ومنطقة الشرق الاوسط ، بل كان له اهتمام خاص بتطورات الازمة في اوكرانيا ، والعلاقة مع الناتو ، والانتخابات الرئاسية الامريكية ، وهو اهتمام جاء بسبب التغطية الاعلامية الدقيقة والذكية والجذابه ، وهو ما جعل الغرب يُصدم بحجم تاثيرها على المخاطب الغربي ، فما كان منه الا ان يلجأ الى وسيلة تتناقض مع ابسط مبادىء الديمقراطية الغربية وفي مقدمتها حرية التعبير ، وهي وسيلة الحظر وتكميم الافواه.

في يوم الاربعاء 23 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي ، تبنى البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية ، قرارا بشأن مواجهة وسائل إعلام روسية، وصف فيها قناة “روسيا اليوم” ووكالتي أنباء “سبوتنيك” و“روس سوترودنيتشيستفو” التابعة لوزارة الخارجية الروسية، بأنها تمثل تهديداً إعلامياً للاتحاد الأوروبي وشركائه في شرق أوروبا.

وقبل ذلك كانت اوروبا قد وضعت روسيا و “داعش” في خانة واحدة ، ففي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصدر البرلمان الأوروبي بيانا حذر فيه من الخطر المتزايد للدعايتين الروسية و“الداعشية” على الاتحاد الأوروبي وقيمه وشركائه في أميركا الشمالية، ، واصفا الدعايتين بانهما تسعيان إلى تشويه الحقيقة والتحريض على الخوف وإثارة الشك وتقسيم الاتحاد الأوروبي، وأنه يجب على دول الاتحاد مواجهة هذا الخطر عبر بث مزيد من الرسائل الإيجابية والتوعية والتعليم بين مواطني الاتحاد الأوروبي.

وقبل الهجمة الاوروبية على الاعلام الروسي ، كان الاعلام الايراني هدفا للديمقراطية الاوروبية ايضا ، فقد اتخذ البرلمان الأوروبي عام 2012 ، قرارا بحظر بث 19 قناة فضائية إيرانية، مرغمة مقدمي خدمات الساتلايت على فسخ العقود مع إيران ، كما اتخذ البرلمان الأوروبي في نفس العام ، قرارا بإيقاف بث محطات سورية للدولة اتُهمت ببث مشاهد عنف خلال تغطيتها للحرب السورية، والقيام بحملة ضد دول عربية وغربية.

الملفت ان اوروبا التي تتوجس خوفا من الاعلام الروسي والايراني والسوري وتتهمه ببث مشاهد العنف والتحريض ، نراها تحتضن قنوات فضائية تبث بالفارسية والعربية عبر اقمارها الاصطناعية ، لا يمكن وصفها الا بالارهابية ، فهي تحرض على مدار الساعة على الطائفية والكراهية واثارة الفتن والنزاعات والاحقاد بين المسلمين ، بخطاب طائفي مقزز ، يصل الى درجة التهتك والابتذال ، وتُعرف القائمين على هذه القنوات على انهم علماء دين سنة وشيعة ، وما زال الغرب يرفض اغلاق هذه القنوات الفتنوية التي تبث السموم الطائفية من اوروبا وامريكا ، رغم اعتراض الدول العربية والاسلامية على ذلك ، تحت ذريعة حرية التعبير!!.

ان سياسة الحظر وتكميم الافواه التي تستخدمها الديمقراطية الغربية ضد الاعلام المعارض ، هو اعتراف واضح بتاثير الاعلام الروسي والايراني والسوري ، على الراي العام العالمي والاوروبي والاسلامي والعربي ، كما تعتبر اعترافا صريحا بجريمة اغتيال الراي الاخر.

شفقنا

محرر الموقع : 2016 - 12 - 02