بدعة التعليم الموازي .
    

عندما ذهبنا الى الدراسة في بغداد من محافظاتنا لم نكن نتوقع أن نرى طلاب علم من دول اجنبية وعربية ومن كل فج عميق يطلب العلم في بغداد وهو يفتخر انه جلب شهادته من جامعة بغداد او المستنصرية وكنا ايضا فخورين جدا اننا نستحق كل هذا التعب والعناء لاننا حصلنا على شهادة جامعية متفوقة وذات ترتيب عالمي محترم تضاهي جامعات العالم المتمدن والاوربي ولم نعد نتوقع ايضا بعد ان توغلت الايام بنا ونحن نرى طلبة شقر الشعر وذات وجوه وسحنات اوربية  يدرسون في بغداد استمر هذا الحال حتى غادرنا تلك المقاعد الجميلة ولغاية منتصف ثمانينات القرن المنصرم ,, كنا طلبة يفتخر بنا الغرباء والناس ومن يلاقيك في الشارع قبل الاهل ونحن نسير في شوارع بغداد وبأزيائنا الموحدة واقسامنا المؤثثة واساتذتنا المشهورين على مستوى العالم والمعروفين ,,كنا طلاب كليات بحق يفتخر بنا الوطن قبل الاهل ..
اعلم أن الانحدار في التعليم وصل الى مراحل جدا متدنية لدرجة ان الشهادة الجامعية في العراق لا يلتفت لها احد منذ تسعينات القرن الماضي حتى أن اصحاب الشهادات لايهتم لهم أحد ولا يلتفت لهم احد بسبب الاوضاع الاقتصادية والسياسية والفقر الذي نخر الوطن بسبب الحصار ولكن مع كل ذالك كان الامر ربما يكاد أن يكون طبيعيا وانت تعرف ان العالم اخذ على عاتقه محاصرتك علميا واقتصاديا وتربويا فأصبح الامر شبه مقبول لكن ان يصل الامر أن الدراسة الجامعية في العراق تصبح مجرد اسم رغم اعداد الجامعات والكليات والمعاهد وبالعشرات فصارت الشهادة العراقية ليس لها صدى يذكر على مستوى العالم والعربي ايضا بل حتى في الداخل العراقي واظهرت التصنيفات الدولية المختصة في العالم العراق يقبع في ذيل القائمة بل احيانا وفي تصنيفات أخرى حتى لاوجود لاسم العراق بين آلاف الكليات والجامعات وتفرح عندما تجد كلية او جامعة عراقية مصنفة بالرقم 1500 او 2000 ..
الحقيقة الكلام عن التعليم العالي يثير الشجون ويؤذي القلب وكل المحاولات بأنقاذ مايمكن انقاذه فشلت بسبب عدم وجود المهنية او تسييس التعليم او الفساد واسباب لاحصر لها ومن الغرابة بمكان تجعلك تشعر بالخجل والاسف على ما آلت لها امور الدراسة الجامعية .
عبثت الايدي السياسية بالتعليم ايما عبث وزاد من الطين بلة تبوأ مناصب خطيرة في التعليم كالوزارة والمدراء العامين وأساتذة وعمداء ورؤساء الجامعات والكليات لا تنتمي لهذه العائلة وآخر تلك العبثيات في تدمير وتحطيم الحلم الجامعي هو التعليم الموازي والذي ظهر جديدا في العراق بهذه الصورة المفتعلة المشوه فلا هو ينتمي للتعليم الاهلي ولا هو ينتمي للتعليم الحكومي فهو حالة وسط بين حالتين ابتزازيتين للطالب وعائلته الطالب الطموح والغير طموح الميسور والفقير فالكل يعاني من هذا الذي يسمى التعليم الموازي .
معروف ان التعليم الاهلي او التعليم المسائي موجود في العراق ولو ان الاهلي حديث عهد من بدايات ليست بعيدة وفيه يذهب الطالب الى كليات اهلية يدفع مبالغ من المال ليدرس وبمراقبة مشددة عليها وعلى بناياتها وكادرها ومناهجها من قبل وزارة التعليم العالي التي لاتقل علمية عن مثيلتها الحكومية بل أن تلك المناهج مأخوذة من الكليات القرينة لها الحكومية والفرق فقط في المعدل بين الطالب الذي يدخل الى الاهلي بمعدل لم يسمح له بالدخول الى الحكومي وهو يتكفل بمصاريف تعليمه وأغلب الذاهبين لهذه الكليات هم من الميسورين اللذين لايريدون اهلهم اخراجهم للدراسة خارج العراق .
التعليم الموازي خليط غريب ومشوه بين الحكومي والاهلي ظهر هذا النوع من الدراسة الجامعية قبل ثلاث سنوات عندما كان وزير التعليم العالي السيد حسين الشهرستاني الذي اوجد هو ووزارته آنذاك هذا النوع من الدراسة وكما افصح وقتها وشرح هذا النوع من التعليم بأن الطالب حصل في نتيجة درجاته على استحقاق يؤهله لدخول كلية هو يريدها لكن الفارق قليل من الحد الادنى لقبول تلك الكلية كأن يكون ثلاث او درجتين وبالتالي من حق هذا الطالب الدخول الى تلك الكلية وبأجور رمزية اكرر (بأجور رمزية) كما قال وقتها هذا الوزير واعني مثلا أن كلية الطب تقبل معدل لدخولها مثلا 97 % حد أعلى والحد الادنى مثلا هو 95% في جامعة بغداد وهناك طالب طموح حصل على معدل اقل بدرجة ونصف او درجتين من الادنى كأن يكون 93.5% فالتعليم الموازي وبعد ان اعلن انه يسمح بقبول هذا الطالب بالدخول الى الدراسة الطبية بمعدلة هذا بشرط أن يدفع اجور الدراسة وهكذا دخل الطلبة وحسب الجذاول التي تصدرها التعليم العالي سنويا بالقبول في التعليم الموازي للكليات المعلنة والاغرب في كل هذا الموضوع أن الطالب ذو المعدل المقبول اصلا بدرجته وبين المقبول بالموازي يدخل عليهم الاستاذ عينه ومحاضراته هي ودوامه نفس الدوام لكن هذا باجور وذالك بالمجان حتى القسم الداخلي تكون اجوره مضاعفة على طالب الموازي ,,
والسؤال كم هي الاجور ؟؟
طبعا من غير المتوقع أن تصل الاجور في بعض الكليات الى احد عشر او اثنا عشر مليون دينار سنويا وتقل هذه الاجور وترتفع حسب نوع الكلية التي يدخلها كالطبية وبعدها الهندسية ويصبح الطالب وعائلته في غضون خمس او ست او اربع سنوات يدفعون الملايين للحكومة بسبب الفرق بين المجان والحكومي ولا يتجاوز الفرق في احسن الاحوال ثلاث درجات وربما يدخل طالب الموازي بفرق لايقل عن درجة وبالمحصلة سيدفع مبالغ تصل الى 60 مليون دينار فقط اجور دراسة طيلة فترة دراسته ناهيك عن الاقسام الداخلية وخطوط نقل ومناهج دراسية وكتب وملازم اي قد يصل الامر أن العائلة من الافضل لها أن ترسل ابنهم او بنتهم للدراسة في احدى الدول الغربية او حتى الشرقية المتميزة وبأجور اقل وبشهادة معترف بها وبلغة اجنبية وبتمييز واضح عن اقرانه في العراق وأهله مطمأنين على مستقبله وهو يأتي بشهادة من كلية او جامعة رصينة لها شأن في التعليم العالمي ..
اين الرمزية في الاجور ولماذا هذا القانون الذي يجعل من الطالب وعائلته يعيشون اوضاع مزرية تؤثر على معيشتهم وأطفالهم من اجل ايصال احد ابناءه للحصول على شهادة عراقية وبقانون التعليم الموزي المنغولي الوجه .
اليس هؤلاء ابنائنا ومستقبل بلدنا وعلماء العراق القادمين هل يعقل ان يكون هذا النوع من التعليم يخدم التعليم في العراق ام غايته استهلاك الفرد واستحصال اموال من اولياء امور الطلبة الفقراء بلا رحمة مضطرين لدفعها من اجل مستقبل ابنائهم وبناتهم  .


حمزه – الجناحي 
محرر الموقع : 2016 - 12 - 03