الابتزاز الإلكتروني جريمة من نوع آخر دون رادع
    

يعد العراق من البلدان حديثة العهد بتقنية المعلومات، مع ذلك انتشرت حالات الهاكرز والتي تتنوع آلياتها واهدافها ليبقى الدور الحكومي خارج المعادلة تماماً, إلا أن أخطر ما يهدد الأمن المجتمعي هو الابتزاز الالكتروني الذي يعتمد على سحب صور وفيديوهات الضحية والتهديد بنشرها مقابل مبلغ مالي, والذي يستهدف الرجال والنساء بذات الوقت، حيث كانت الظاهرة الأولى بدخول فتيات عربيات عبر برنامج "الاسكايب" وعرضهن لممارسة الجنس عبر الكاميرا حيث يعمدن الى تصوير الضحية ومن ثم التهديد بنشرها . 

موديل أزياء 
يسقط في الفخ
لكن الأمر قد يكون عملية نصب واحتيال منظمة وكبيرة تعتمد على الاختيار الدقيق للضحية والاحتراف في التعامل معه حتى إيصاله الى قناعة تامة بالعملية, أحمد محسن تحدث لـ(المدى) عن تجربة الابتزاز التي مرّ بها, وصلني في أحد الايام طلب صداقة على الفيس بوك من شاب لبناني مقيم في فرنسا, من خلال التعارف بيّن لي أنه يعمل موديل في شركة زارا للأزياء، أستمر التعارف والحديث عن العمل ومصاعب الحياة في العراق. متابعاً: بعد فترة بيّن لي انني أمتلك كل المقومات للعمل كموديل وعرض مساعدته لي من خلال تعريفي بمدير القسم العربي في الشركة. مضيفاً: بعد التواصل مع المدير، طلب مني إرسال المعلومات الخاصة بي "الاسم, الطول, الوزن, الصورة ,الجنسية اللغة .. الخ.
واسترسل محسن بحديثه: اخبرني بعد أيام أنني محظوظ، إذ تم اختياري بعد منافسة مع مجموعة من الشباب العرب ومنهم من يقيم في أوربا, مؤكداً لي أن مواصفاتي تمنحي امتيازات كبيرة أعطاني عنوان الشركة "الحقيقي" وطلب إرسال أوراقي الثبوتية DHLL"”" وتحملت تكاليف الارسال (100)$ . مستطرداً: بعد أسبوع تم إبلاغي بالموافقة ولم يبق سوى الاختبار النهائي  وعليَّ أرسال صور وفديوهات بأوضاع مثيرة كون العمل يعتمد بشكل أساس على الإثارة.
واضاف الشاب: ترددت في بداية الأمر، لكن لم أجد مبرراً للانسحاب وهم قدموا كل الإثباتات انهم الشركة الرئيسة، بعد إرسالي للصور تم إبلاغي بضرورة تحويل مبلغ ((35 الف دولار)) رسوم الفيزا والطيران والسكن وبقية التفاصيل. منوهاً: الى أن تحويل المبلغ جاء بسبب خوفي من تهديدهم بعد أن حدّثت أحد معارفي عما حصل معي خاصة أن بعد معرفتي ببعض الحالات التي حصلت مع شباب آخرين جلهم من يتمتع بوضع مالي جيد، لافتاً: الى أن القانون وعجزه عن متابعة هكذا قضايا هو الذي ساعد في انتشارها، مشدداً على ضرورة التثقيف ضد هكذا نوع من الأعمال خصوصاً، هكذا فضائح من الممكن أن تبقى وصمة عار أن لم  تنهِ حياة الإنسان بكل بساطة.

الحبيب السابق يهدّد بصورة
عن العلاقات العاطفية الفاشلة وأثارها، بيّنت الشابة حوراء خالد لــ(المدى) مررت بعلاقة حب لمدة سنة ونصف السنة تقريباً خلالها كانت العلاقة على أفضل ما يكون، وكنا قد أتقفنا على الزواج، لكن الأمر لم يكتمل فقررنا الانفصال. مضيفة: خلال تلك الفترة كنا على تواصل على الانترنت على مدار اليوم، وأرسل له صوري رغم تحفظي أن تكون صوراً عادية، لكنه هددني بنشرها أو إرسالها لإخوتي مع أن الصورة عادية. مستدركة: لكن الأمر كان مخيفاً نتيجة لخطورة الصورة في مجتمعنا، الأمر الذي يؤدي الى قتلي أو على أقل تقدير، منعي من الكلية والأمر قد حصل سابقاً مع بعض زميلاتي.
وأوضحت خالد: اضطررت أن أدفع له ما يريد، لكن الأمر لم يدم طويلاً، حتى تدخل أحد الزملاء بصفته أحد أقربائي وأنهى الموضوع. مؤكدة: أن المسألة في هكذا نوع من الابتزاز، تكمن في السيطرة على الأعصاب والتعامل بحزم مع المبتز الذي بالنهاية هو الخاسر والذي يكون موقفه ضعيفاً. مردفة: لكن ردّة فعل الأهل والمجتمع، هي من تجعل الفتاة ترضخ لطلبات المبتز التي تفوق عادة المال لتتحول لأدوات ضغط متعددة.

المعالج الروحاني يقتل خمس نساء 
يبدو أن الجهل وقلة المعرفة التي أدت الى  انتشار ثقافة المشعوذين والسحرة  تحت مسمّى المعالج الروحاني دون رقابة أو حساب، هي ذاتها التي جعلت الكثيرات يصدقن أولئك الذين ينتشرون من خلال صفحات التواصل الاجتماعي, عارضين إمكاناتهم السحرية في الزواج وجلب الحبيب والسحر والشفاء من الأمراض، مستغلين قلّة وعي البعض، رقية البغدادي تحدثت لــ(المدى) تجاوزت الثلاثين ولم أتزوج ولا املك أيّ معلومات عن السحر والشعوذة، لكن صديقتي أكدت لي أن المعالجين الروحانيين يمتلكون طرقاً مجربّة لجلب النصيب. مضيفةً: بسبب ظرفي الاجتماعي، بحثت من خلال الفيس بوك، ووجدت صفحة أحدهم الذي اكد لي سهولة الأمر، بعد أن اخذ أسمي وتفاصيل أخرى. متابعة: خلال يومين سحرني بكمِّ المعلومات التي يعرفها عني وطلب مني تصوير جسمي بالإضافة الى التركيز على أماكن محددة من الجسم, ليتأكد من أي مكان سيخرج السحر، الأمر لم يدم أياماً حتّى هددني بنشر صوري أو تحويل مبلغ (3) ملايين دينار. 
وتسترسل البغدادي: وصلت لمرحلة الانهيار وفقدان السيطرة، لأن حياتي مهددة خصوصاً، وأن المبلغ كبير جداً بالنسبة لي، لجأت لإحدى صديقاتي وبمساعدة زوجها الذي كان متفهماً للأمر وساعدني بإنهاء الموضوع، لكنها كانت تجربة قاسية جداً: مبينة: بعد القبض عليه، تبيّن أنه يجيد تسخير الجن، واعترف أنه كان يمارس ذات الطريقة من عدّة سنوات، سبق وأن نشر صور العديد من النساء وتسبب بمقتل خمس نساء منهن بسبب تلك الصور.

محاربو الابتزاز
مع التزايد الطردي في عمليات الابتزاز بمختلف أنواعها، أطلق مجموعة من التقنيين  صفحة على الفيس بوك، تعد الأولى من نوعها على مستوى العراق, تُقدم الدعم للضحية وتصنف ضمن الهاكرز الأخلاقي الذي يهدف الى حماية الآخرين، ودعم حرية التعبير وضمان خصوصيتهم تحت إسم "محاربو الابتزاز"، مؤسس الصفحة حسين علي تحدث لــ(المدى) كنا نعمل بشكل فردي من خلال لجوء الأصدقاء لنا حين يقع أحد معارفهم تحت التهديد والابتزاز. مضيفاً: مسؤوليتي الأخلاقية والإنسانية فرضت عليَّ أن اسعى الى تأسيس هذه الصفحة بمساعدة مجموعة من التقنيين من مختلف أنحاء العراق, مؤكداً: أن الصفحة تتكفل بمحاربة الابتزاز الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلف الصفحة يوجد فريق متكامل يعمل على ثلاث جهات.  وبيّن علي: أن الجهة الأولى: الجهة التقنية، حيث يتضمن الفريق عدداً من الشباب التقنيين الذين يمتلكون مهارات ممتازة في معالجة الحالة التي تتطلب تدخلاً تقنياً كالحدّ من انتشار الصور الفاضحة التي تستهدف الإساءة والابتزاز لشخص معيّن دون موافقته على مواقع التواصل. مضيفاً: أو تحديد موقع وكشف المبتز في حال تفاقم الحالة وتطلبها إقامة دعوى قضائية ضد المبتز من قبل الضحية، وكل هذا بالتعاون مع الجهات القانونية وبسرية تامة. لافتاً: الى تنسيق  مع فريق إدارة فيس بوك، لسرعة حذف الصور المنشورة من قِبل المبتز والحد من انتشارها.

عمل تطوعي غير ربحي
وأضاف المحارب الالكتروني: أما الجهة الثانية هي الجهة القانونية، حيث يحتوي الفريق على عدد من المحامين الذين يُسيرون عمل الفريق بشكل قانوني وسليم، من خلال تنسيق الفريق مع الجهات القانونية في حالة وصول حالة معينة الى التدخل أو الترخيص القانوني. لافتاً: الى أن الجهة الثالثة: هي الجهة التوعوية وهي الجهة التي تقوم بتوجيه الضحية وتعليمه طُرق التخلص من الابتزاز الالكتروني أو حماية نفسه وحسابه أو جهازه (إذا كان لابتوباً أم موبايلاً) من الاختراق وسرقة صوره أو معلوماته الخاصة.
واستطرد علي: يتواصل الفريق مع المُعرضين للابتزاز من خلال هذا البيج فقط عبر الرسائل وبشكل مجاني ويضمن السرّية التامة لمعلومات الأفراد الذين يتعرضون للابتزاز. مؤكداً: أن عمل الفريق هو عمل تطوعي غير ربحي خدمة منا لمجتمعنا العراقي والحدّ من سلبيات ضعاف النفوس فيه الذين يعبثون بأعراض الناس وشرفهم وسمعتهم. مستدركاً: أن شروط العمل مع الحالات الواردة يتعامل فريقنا مع قضايا الابتزاز الفعلية المؤكدة التي دخلت حيز التهديد.
وأوضح المحارب الالكتروني: يتدخل الفريق بشكل تقني في حالة الضرورة فقط، ذلك أن التدخل التقني بحاجة الى تنسيق قانوني وليس بشكل اعتباطي غير قانوني. مؤكداً: لا تتحرك الجهة التقنية بغلق أو إعطاب حساب أو حذف مادة معينة إلا بعد التأكد من عائدية الصور أو المعلومات المنشورة لصاحب الحساب الذي يراسل الفريق ومصداقية الملف المعمول عليه تلافياً للاحتيال على المشروع بقضايا شخصية كيدية. مشدداً: أن الفريق هو الذي يقيّم الحالة ويحدد كيفية التعاطي معها، فليس كل حالة تحتاج الى غلق أو حذف، ففي بعض الحالات نتعامل كفريق إرشادي فحسب.

600 ضحية و200 ألف دولار
وأضاف التقني ومؤسس صفحة "محاربو الابتزاز" حسين علي: بعد التقدم الكبير الذي حققته الصفحة وتفاعل الجميع معها، وجدنا أنفسنا أمام هاكرز محترف يستخدم الحيلة للإيقاع بالضحية في برنامج المحادثة "التليكرام" حيث أستقبلنا (8740) حالة كانت منها(1004) خلال ليلة واحدة حالة لفتيات سرقت صورهن ومواد فيديوية أخرى من  خلال البرنامج، وتم ابتزازهن مقابل مبالغ مالية ضخمة. متابعاً: أن الكثير منهن أرسلن مبالغ فيما نشرت صور من تأخر، وترتب على ذلك قتل اكثر من 6 فتيات في بغداد وبعض المحافظات. بالإضافة على منع أخريات من الكلية والعمل. مستطرداً: عملنا لمدة أسبوع وبشكل متواصل على معرفة هذا الهاكرز الذي وصل عدد ضحاياه الى (600) شخص حيث تواصلنا مع الضحايا وحصلنا على وصولات الحوالات والتي بلغت (200) الف دولار وتفاصيل أخرى. مردفاً:  حتّى حددنا موقعه في ألمانيا وهو لاجئ سوري يتخذ من مستخدمي هذا البرنامج في العراق فريسة له حيث نشر اكثر من  10 آلاف صورة. 
واسترسل علي: جهزنا ملفاً متكاملاً عن كل تحركاته والأوراق الثبوتية المزوّرة التي يستخدمها في استقبال الاموال بالإضافة الى تنقيط موقعه على الخارطة. طرقنا أبواب جميع الجهات الأمنية ذات العلاقة ولم نجد أيّ تجاوب. مضيفاً: عملنا حملة توعوية كبيرة تخص هذا الموضوع للحد من انتشاره وتم التواصل مع شركة "التلي كرام" حيث وضعت محدّدات أخرى لزيادة أمان التطبيق. مردفاً: تم التواصل مع جهات عديدة للدعم لكنه دعم مشروط، كأن يكون جيش العراق الالكتروني وتكون محاربة الابتزاز شعبة منه، وجهات أخرى طلبت منا العمل معها لغلق ومعرفة الصفحات التي تتهجم عليها مقابل مبالغ ضخمة، لكن هذا عكس ما عملنا من أجله لذا رفضنا كل العروض.

غياب التشريعات الخاصة 
عن دور القانون والاجهزة الامنية تحدث لــ(المدى) الخبير القانوني محسن الوزان، مبيناً: أن المُشرع العراقي لغاية الآن، لم يصدر مواد قانونية تتلائم مع ضرورات المرحلة, منوهاً: الى أن القاضي يجد صعوبة في إيجاد وصف قانوني للقضية المعروضة أمامه والمتمثلة بالابتزاز الالكتروني. مضيفاً: إذ يعتمد على تشريعات التشهير أو النصب والاحتيال أو التهديد والتي تُعد ضعيفة قياساً بتزايد الحالات. إضافة لذلك صعوبة ملاحقة الجريمة لسهولة عمل الحساب الوهمي والتحايل على القانون.
وأوضح  الوزان: الأجهزة الأمنية لم تطور من منظومتها التقنية في مواجهة هكذا حالات حتى حين يتخلص المواطن من المحددات الاجتماعية، ويلجأ لمركز الشرطة، فآلياتهم في التعامل روتينية وقد تزيد من الموضوع تعقيداً عكس ما موجود في دول الجوار التي عملت على إنشاء تطبيق الكتروني يلجأ اليه الضحية للنصيحة والإرشاد.  مردفاً: أما في حالة دخوله ضمن دائرة الخطر المباشر، فهناك رقم محدد للاتصال يضمن السريّة التامة, ويتعامل بحرفية مع الموضوع وخصصت الكثير من الدول كوادر وأموالاً طائلة للحد من هذا الموضوع. مؤكداً: أن العراق يعد أمياً في هذا الجانب من حيث السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يندرج هذا الموضوع ضمن مسؤوليات محكمة النشر التي لا بد لها من إيجاد قوانين رادعة تحد من انتشار هكذا حالات, بالإضافة الى ضرورة العمل السريع على تكوين فرق إلكترونية مختصة في التعامل مع هكذا حالات، لأنها تُهدد النسيج الأسري والمجتمعي.

تصاعد حالات الابتزاز الإلكتروني
المركز الاعلامي للسلطة القضائية ذكر في بيان له اطلعت عليه (المدى): تتلقى المحاكم العراقية باستمرار العديد من دعاوى التهديد والابتزاز الالكتروني، منوهاً: إلى أن اغلب الضحايا فتيات جرى الحصول على صورهن الشخصية باستدراجهن أو اختراق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي. مؤكداً: أن حالات الابتزاز الالكتروني في تصاعد، وبدأت تأخذ معدلات ليست بالقليلة ودوافعها بحسب ما معروض أمام القضاء العراقي عديدة منها يحمل أسباباً مادية وأخرى عاطفية".
وأكد البيان عن السلطة القضائية: أن موقع الفيس بوك أحد أكثر وسائل التواصل شعبية في البلاد ما جعله في طليعة البرامج التي ترتكب بواسطتها جرائم التهديد والابتزاز. مضيفاً: من صور هذه الجرائم انتحال شخصية بحساب مزيف أو عبر (تهكير) حساب آخر والدخول إلى قائمة أصدقائه وطلب مبالغ مالية وأرصدة هواتف، وهذه جريمة يحاسب عليها القانون بتهمة الاستحواذ على مال الغير. مشدداً: أن الجرائم التي ترتكب عبر مواقع التواصل، إما تكون احتيالية أو عبر باب التهديد أو تكيف على التشهير وتشويه السمعة"، لافتاً إلى أن "الطمع في كسب الأموال في مقدمة الدوافع لهذه الجرائم التي يقع في أغلبها الفتيات أو بعض الشخصيات العامة أو المترفين بدافع التحصيل المالي.
وعن إجراءات المحاكم ووسائل إثبات هذه الجرائم، أكد البيان الصحفي الذي تحدث فيه قضاة تحقيق أن المحكمة تنظر إلى كل واقعة بحسب وصفها القانوني فقد تكون الجريمة الالكترونية التي ارتكبت جريمة نصب واحتيال أو قد تكون جريمة تهديد أو تشهير، وكلٌ من الجرائم لها عقوبتها بحسب قانون العقوبات العراقي النافذ، مقرّاً: بـ"صعوبة تكتنف إثبات الجريمة بسبب سهولة عمل حساب الفيس بوك وإمكانية عمل حساب وهمي.

 

محرر الموقع : 2017 - 05 - 19