رفعتم هاماتنا في ذكرى الثورة، لكم النصر والمجد
    

حيا الله تلك الافواه التي تفوهت بالحق امام السلطان الجائر، فكان لها ثواب الشهداء. ومرحى للسواعد التي ارتفعت في الهواء متناغمة مع صرخات الحرية لترعب الظالمين. وطوبى للذين انحدرت قطرات الدم من اجسادهم بعد ان انهال عليها الاعداء بالاعتداء الوحشي المقيت. ما اجمل مشاهد المحتجين تشق طريقها بين الآليات والمرتزقة المدججين بالسلاح والعتاد. فأي شعب هذا الذي خرج في الرابع عشر من فبراير ليقول للعالم بملء افواه ابنائه: الشعب يريد اسقاط النظام. فما اشبه الليلة بالبارحة، فكأن الاعوام الستة التي تفصل بين انطلاق ثورة الشعب وما آلت اليه اليوم ليست سوى نعاس أراح اجساد الثوار الذين لم يفارقوا الساحات ابدا. لقد كانت تجربة صعبة على الوطن والشعب، ولكن يبدو انها كانت ضرورة لحسم الموقف الذي كان يتأرجح بين الحلم المستحيل باصلاح الحكم الخليفي والأمل الممكن باسقاطه. كانت سسنوات عجافا أتت على الاخضر واليابس، وأهلكت الحرث والضرع، ولكنها اليوم واعدة بربيع تخضر فيه الاشجار وتأتي بالثمار اليانعة التي تخفف من آلام النضال ومشقة الدرب. انه الشعب صانع المعجزات، وعنوان القضية. امامه تنحني شعوب العالم اجلالا. فهو الوحيد الذي لم يسمح باسقاط ثورته، بل حملها في قلوب ابنائه وفداها بارواح شهدائه، وغذاها بمعين علمائه. فبينما تعيش شعوب الربيع العربي حالة احباط وألم لما آلت اليه ثوراتها، استيقظ البحرانيون في الذكرى السادسة لثورتهم المظفرة باذن الله، على انغام الصمود والثبات. هذه ا لمرة انطلقت تلك الانغام من حناجر أمهات الشهداء الذين سقطوا على مدى اكثر من سبعين شهرا، وآخرهم لم يجف تراب قبره بعد.

 

هذا العام لم تكن الذكرى كسابقاتها. بل تميزت بعبق الشهادة التي تواصلت في الاسابيع الاخيرة بصعود ارواح شباب ستة الى الملكوت الاعلى بعد ان مزق رصاص الحقد الخليفي اجسادهم بوحشية ليس لها مثيل. فحين اقدم مجرم خليفي على قتل المواطنة إيمان صالحي في مطلع العام ربما اعتقد البعض انها حالة فردية لن تتكرر في المستقبل المنظور. ربما فكر هذا البعض ان داعمي الخليفيين يمتلكون شيئا من الانسانية والعقل والمنطق، وانهم سيردعون الطاغية وعصابته عن ارتكاب المزيد من الجرائم. فقد سبق ذلك قتل الشهيدة فخرية المسلم بدم بارد بدون ان ينال قاتلها ما يستحقه من العقاب. لكن الامر تفااقم عندما اقدم الديكتاتور، بدوافع اجرامية، على اعدام ثلاثة من خيرة شباب الوطن، بدم بارد مع الاصرار وسبق الترصد. كان ذلك القرار كافيا لقطع الطريق على محاولات انقاذ حكم العصابة الخليفية تحت شعارات وهمية مثل "الحوار" او "المصالحة الوطنية". فبرغم مؤامراته الاجرامية فقد فشل النظام الخليفي في تفتيت شعبنا الذي بقي متصالحا مع نفسه. ولم يشذ عن تلك الحقيقة الا الذين باعوا انفسهم للاستبداد، على اختلاف انتماءاتهم العرقية والمذهبية. ما ينقص شعبنا اليوم ليس الوحدة الوطنية التي تواصلت عبر العقود وازدادت متانة في اغلب الصراعات، بل الارادة الجامعة للتغيير. مطلوب من الاحرار على اختلاف خطوط التباينات الفكرية والايديولوجية، نفض غبار الكسل والتراخي، وخلع لباس اليأس والالتحاق بركب الثورة الذي انطلق قبل ستة اعوام وعجزت ستة جيوش متواجدة على ارضنا عن كسر ارادته.

 

لقد جسدت الهبة الشعبية في الذكرى السادسة للثورة عظمة هذا الشعب ووعيه وصموده واستعداده للتضحية من اجل تحرير الوطن من الاستبداد والاحتلال الخليفي والسعودي. فبرغم الوجود المكثف للمرتزقة وآلياتهم وانتشار عناصر فرق الموت في كل مكان، كسر الثوار الحصار وخرجوا محتجين ومتظاهرين وهاتفين بالحرية وضد النظام الخليفي المجرم. هتف الجميع بصوت واحد: الشعب يريد اسقاط النظام"، وقالوا معا: يسقط حمد، يسقط حمد. الثوار لم يخشوا جموع الطاغية وتهديدات وزرائه الصعاليك او ابواق اعلامه التافهة، بل خرجوا بارادات حديدية وهم يعلمون ان العدو قد شحذ سكاكينه لذبحهم، مدعوما بقوى الشر والعدوان. وبرغم ما يعانيه اهل الدراز من حصار غاشم فقد اصروا على التواجد في ميدان الفداء محيطين بمنزل القائد سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم، معلنين استعدادهم للدفاع عنه مهما كلف الامر. لقد كان يوما مشهودا في تاريخ البحرين المعاصر، حشود تجمعت من كل حدب وصوب صباحا ومساء، خرجت في شكل البنيان المرصوص واعلنت موقفا موحدا ضد الاستبداد وهتفت من اجل الحرية واعلنت ولاءها المطلق لله وحده، داعية الجميع لنبذ الشرك المقيت الذي لا يغفر الله لمن يمارسه "ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك". والشرك الاكبر هو شرك الطاعة والربوبية "ولا يشرك في حكمه احدا". هذه العقيدة التوحيدية تتصدى لتشويه المفاهيم الذي تمارسه قوى التطرف والارهاب. هذا الشعب الموحد انطلق بشجاعة ليس لها نظير مدفوعا بايمانه، معتمدا على الله وحده، ومؤكدا استمرار حراكه بدون توقف او تراجع، ومستهزئا باساليب القتل التي يمارسها الطاغية وعصابته.

 

في الاسبوع الماضي ارتكب الديكتاتور واحدة من كبريات جرائمه باعدام الشباب الثلاثة: رضا العسرة ومصطفى يوسف ومحمود يوسف، في جنح الليل وفي ظروف لا يعرفها احد الا الله والسفاحون. غدروا بهؤلاء الشباب الذين تحملوا من التنكيل والاستضعاف ما لا تحتمله الجبال، وصمموا على كسر قيودهم والخروج من طوامير التعذيب الخليفي. بحثوا عن حريتهم التي كانوا مستعدين للتضحية من اجلها بارواحهم. فتحقق لهم فوق ما يريدون. لم يتحرروا من سجن جو الرهيب فحسب، بل صعدت ارواحهم الى الملكوت الاعلى حيث الحرية المطلقة والنعيم الابدي. تركوا الدنيا بعد ان ادوا الامانة وحملوا الرسالة وذادوا عن الوطن والشعب وهتفوا بالحق والحرية. فما خسروا الا حطام الدنيا الزائلة، وحلوا ضيوفا مكرمين على رب كريم. وبرحيلهم رفدوا الثورة بدعم غير محدود، فاشعرو المواطنين بان السعادة الدنيوية بعيدة المنال ما دام الديكتاتور  وجلاوزته متربعين على الحكم، وما دام ابطال الوطن مقيدين كالاسود وراء القضبان. عرف هؤلاء كيف يصنعون المجد ويسطرون ملاحم النصر. أبوا ان تحتويهم جدران السجون او يبتزهم الجلادون او يخضعهم المعذبون او يكسر عزائمهم السجانون. فانطلقوا في خطوتهم الاولى لتمريغ انوف الطغاة في الوحل بكسر القيود وفك الاغلال والخروج من السجن، ثم هزموا الجلادين ومرغوا ا نوفهم في اللحاظات الاخيرة من حياتهم، اذ رفضوا الاستسلام او الامتثال لاوامر السفاحين. لدق اصطفاهم الله الى جواره، فذهبوا راضين مرضيين، فاصبحت دماؤهم وقودا اضافيا للثورة ومحركا لمشاعر الجماهير التي توجهت الى ساحات النضال والمقاومة يوم الرابع عشر من فبراير. ما اعظمها من ملحمة تاريخية بين الحق والباطل، بين الابطال والجبناء، بين الاحرار والعبيد. وما اجمل ما انتهت اليه، فقد هزمت ارادة الحكم الخليفي ومعها كرامة داعميهم. لقد اصبح الصراع بين البحرانيين والخليفين حرب وجود، فمن تكسر ارادته ينتهي. الشعب ليس امامه خيار سوى الصمود، ام الخليفيون فخروجهم الاستسلام لارادة الشعب ومنطق التاريخ وقوانين الصراع: فالشعوب تبقى ويذهب الطغاة. حان الوقت لذهابكم ايها المحتلون، وحق للشعب ان يقرر مصيره ويكتب دستوره ويحكم نفسه بنفسه في ظل الرعاية الالهية الباقية، وما سواها فهو زيف زائل.

 

اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

 

حركة احرار البحرين ا لاسلامية

محرر الموقع : 2017 - 02 - 19