التعايش واحترام الرأي الأخر
    

طرح أي فكرة للتطبيق يجب أن تمتلك هذه الفكرة مقومات القبول والاستمرارية وإلا فالفشل سيواجهها مهما طال الزمن بغض النظر عن القوة الداعمة لهذه الفكرة ، لأن كل بناء إن كان مادياً أو معنوياً يحتاج الى مقومات لكي يصمد وينجح و يستمر في الحياة ، وشعار الوحدة الإسلامية من هذه الأفكار التي يجب أن تمتلك المقومات التي تجعلها مقبولة من قبل أغلب المسلمين ، لأن الوحدة معناها الانصهار والإسلام ثبَّت مقومات هذه الوحدة من خلال التمسك بالقران وأهل البيت عليهم السلام وهذا الشيخ السبحاني يقول (أن الملجأ المشروع للأمة الإسلامية بعد النبي (ص) هو الكتاب والعترة وأن ذينك المصدرين هما العامل الوحيد للوحدة والإتفاق والتآخي والإتحاد ، التمسك بالكتاب والعترة عامل الوحدة ) ...(1)   وهذا العنوان من الصعب تحقيقه في هذا الزمان ، فأي مذهب يترك ما يعتقد به من أجل التوحد مع المذهب الآخر فهذا شيء من الخيال بل المحال ، بل يقف هذا التوجه مواجهاُ مع حديث الرسول (ص) الذي ترويه جميع المذاهب الإسلامية ومتفقة على صحته والذي يقول فيه ( ستتفرق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة منها ناجية واثنتان وسبعون في النار ) ...( 2 ) ، وقد انتبه القادة الأوربيون الى هذه النقطة على الرغم من توحدهم تحت ديانة واحدة ولكنهم يختلفون في المذاهب أو الفرق لهذا لم يطرحوا الوحدة الأوربية!
  بل طرحوا فكرة الإتحاد الأوربي ، لأن فكرة الإتحاد أسهل وأكثر قبولاً من قبل الشعوب المعنية بهذا الإتحاد ، ولكن بالعملة طرحوا فكرة وحدة العملة الأوربية لأن مقومات التوحد بالعملة يمكن أن تتواجد وتنصهر في عملة واحدة  ومن ثم يتم النجاح في التطبيق ، وقد وعت الشعوب المتقدمة على أن سر نجاحها يكمن في مشاركة جميع ابناءها في بناء وطنهم بدون النظر الى الخلفية العقائدية أو الدينية أو الطائفية التي يتبناها هذا المواطن أو ذلك ، فطرحوا فكرة احترام المعتقدات كافة واحترام حرية التفكير والتعبد وهذا يؤطره جميعاً مبدأ التعايش واحترام الرأي الأخر ، فكان هذا المبدأ السر الحقيقي في نجاح هذه الشعوب ووصولها الى قمة التقدم والرفاهية والسعادة وإن كانت نسبية ولكنهم حصدوا ثمار زرع فكرة التعايش ما بين أبناء شعوبهم ، أما رفض نص هنا وترك تفسير أية هناك ومنع التذكير بما احتواه التاريخ من مآسي ومحن وتسقيط مرجعية ما من أجل قبول الأخر بالفكرة ، فقد ثبت بالدليل القاطع الذي لا يلبسه الشك مع مئات التجارب على أن فكرة التعايش واحترام الرأي الأخر الفكرة الأفضل لنجاح شعوبنا لأنها الوسيلة الوحيدة التي تضمن مشاركة جميع أبناء الوطن في مسيرة بناء هذا الوطن ،فيكون الوطن كالمزهرية التي تحمل مختلف والزهور والورود ولكل زهرة أو وردة لها لون وعطر يختلف عن Ø!
 �لأخر!
 ى ولكنهم جميعاً يكونون مزهرية جميلة متكاملة تحمل مختلف الألوان والرياحين ، وأفضل تجربة على  نجاح فكرة التعايش واحترام الرأي الأخر هي الشعوب نفسها التي تعيش في حالة اللاسلم في أوطانها بسبب معتقداتها وأفكارها نلاحظها تعيش في سلم وتآخي واحترام الأخر في البلدان الغربية أو التي تتبنى فكرة التعايش واحترام الرأي الأخر ، وفي المقابل هناك المئات من الأدلة والتجارب التي تثبت فشل الأفكار التي تتناقض مع فكرة التعايش كفكرة الاضطهاد الفكري والعقائدي وحتى فكرة الوحدة الإسلامية على الرغم من جمالية العنوان ولكنها لا تمتلك أي وسيلة للنجاح لهذا علينا أن نتفهم الساحة ونطرح عليها أفكار وإطروحات ما يلائمها لكي يرافق هذه العناوين النجاح والاستمرارية ، فبناء مجتمع إسلامي ناجح يشترك جميعه في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية يحتاج الى نشر فكرة التعايش واحترام الرأي الأخر ، وهذا المبدأ كان النواة التي انطلقت منها شعوب العالم المتقدم الى الرقي والسعادة والرفاه ، لهذا يجب علينا أن نستفاد من تجارب الآخرين في النجاح ، لا نضيع أوقاتنا ونبذل التضحيات الجسام ونُسَقط الآخرين ومن ثم نعمل شرخ في مجتمع أتباع أهل البيت عليهم السلام من أجل فكرة ليس فيها أي مقومات للنجاح ، ففكرة التعايش واحترام الرأي الأخر هو البديل الأفضل والأسهل للتح!
 قيق م!
 ن جميع الأفكار المطروحة في الساحة من أجل بناء مجتمع سعيد وناجح .
(1) من مقدمة بقلم الشيخ جعفر السبحاني على كتاب الجامع للشريع – يحيى بن سعيد الحلي ص4 (2) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص127 ،وضوء النبي – السيد علي الشهرستاني ج1ص341،المغني – عبد الله بن قدامة ج4ص6 ، الشرح الكبير – عبد الرحمن بن قدامة ج4ص61،كفاية الأثر- الخراز القمي ص155، شرح أصول الكافي – مولى محمد صالح المازندراني ج1ص57،وسائل الشيعة (أل البيت)-الحر العاملي ج27ص50،كتاب سليم بن قيس – تحقيق محمد باقر الأنصاري ص353، وغيرها كثير مع أختلاف بسيط في بعض كلمات الحديث
خضير العواد

محرر الموقع : 2017 - 02 - 22