الدِّيبْلُومَاسِيَّةُ..المَصَالِحُ الوَطَنِيَّةُ أَوَّلاً
    

       نـــــــــزار حيدر

  ١/ أَن يزورَ وفدٌ أَجنبيٌّ العاصمةَ بغداد أَو لا يزورها فليست تِلكَ القضيةُ إِنَّما القضيَّةُ في مدى ما تحقِّقهُ الزِّيارة من المصالح الوطنيَّة! ولذلك أَنا اقولُ دائماً بانَّ السِّياسة هي فنّ حمايةِ المصالحِ الوطنيَّة!.

   ٢/ واذا كانت السيّاسة تعني هذا، فلذلكَ لا معنى لمفهومِ الصَّداقات الدّائمة والعداواتِ الدّائمة في العلاقات الدَّوليَّة والإقليميَّةِ أَبداً! من دونِ أَن يعني ذلك أَبداً أَن ننسى أَصدقاءنا وأَعداءنا! فلكلٍّ منزلةٌ ومكانةٌ!.

   يقولُ أَميرُ المؤمنين (ع) في عهدهِ للأَشتر لمّا ولّاهُ مِصْرَ {وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّ كَ لله فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ}.

   ٣/ ومن أَجل أَن تحقِّق زيارات الوفود الأجنبيَّة الى العراق المصالح الوطنيَّة، ينبغي الوقوف على الظُّروف التي تحيطُ بالزِّيارة، خاصَّةً اذا كانت مفاجِئة وغير متوقَّعة، كالزِّيارة التي قام بها وزير خارجية [آل سَعود] اليوم الى العاصمةِ بغداد!.

   إِنَّ الوقوف على أَهداف الزِّيارة شيءٌ والوقوف على الظُّروف المحيطة بها شيءٌ آخر! فأَهدافُها تُناقش في طيّات الّلقاءات والاجتماعات الرَّسمية، وهي قد لا تزيدُ ولا تنقُص من موقف المُفاوض! أَمّا الظُّروف المُحيطة بالزِّيارة فانَّها في أَغلبِ الأَحيان تمنح المُفاوض هامشاً واسعاً من المُناورة والضَّغط وربما الابتزاز وكلُّ ذلك من أَجل تحقيق وحماية المصالح الوطنيَّة!.

   ٤/ ولا تُحقِّق الديبلوماسيَّة أَهدافها الّا اذا انحصرت مسؤوليَّتها في القنوات الرَّسمية المُعتادة والمُتعارف عليها! وكلَّما تدخَّلت قنوات أَكثر كلَّما ضاع الهدف منها ورُبما فشلت في تحقيق المصالح الوطنيَّة!.

   ومن الواضح جدّاً فانَّ العلاقات الديبلوماسيَّة هي مسؤوليَّة وزارة الخارجية حصراً، يُراقبها ويُحاسبها ويقيِّم أَداءها لجنة العلاقات الخارجيَّة في مجلس النُّواب بالدَّرجة الأُولى!.

   أَمّا في الْعِراقِ فانَّ الذي يجري على صعيد الديبلوماسيَّة عجباً، فبمجرَّد أَن تمَّ الاعلان عن خبر زيارة الموما اليهِ تطايرت التَّصريحات والبيانات والمواقف من كلِّ حدَبٍ وصوبٍ، من تحتِ قُبَّة البرلمان ومن زُعماء الكُتَل وقادة الأَحزاب ومن الجميع! وكأَنَّ الزِّيارة معجزةٌ أَو فتحٌ إِستثنائيٌّ أَو أَنَّها إنجازٌ تاريخيٌّ لم يسبق لَهُ مثيلٌ! وانّ أَغرب كلّ تلك التّصريحات وأَكثرها التي تبعث على الضَّحِك والغثَيان في آنٍ واحِدٍ، هو القول بأَنَّ الزيارة تأكيدٌ على عمق الْعِراقِ العربي!.

   فمتى ومن شكَّك بهذا العمق؟!.

   ومتى مثَّل نِظامُ القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربيَّة عُمق العرب وانتمائهم؟! ولو سلَّمنا جدلاً أَنّهُ كذلك فليس الآن في هذا الظَّرف بالتَّأكيد!.

   فمِن جانبٍ تبذُل الرِّياض اليوم كلَّ جُهدها السّياسي والدّيبلوماسي للتَّحالف مع [إِسرائيل] وتالياً التأسيس لحلفٍ جديدٍ يتشكَّل من النُّظُم الرَّجعيَّة زائداً [تل أَبيب]!.

   ومن جانبٍ آخر فانَّ الرِّياض تُعَدُّ اليوم رأسُ حربةٍ للمنهجيَّة العُنصريَّة والعدوانيَّة الجديدة التي تُحاولُ إِدارة الرَّئيس ترامب تحقيقَها في المنطقة إِنطلاقاً من الدّاخل الأَميركي تحديداً!.

   فأيُّ عمقٍ عربيٍّ تؤكِّدهُ الزِّيارة؟!.

   ينبغي أَن نضعَ الزِّيارة في سياقاتها وحجمها الطّبيعي!.

   ٥/ لا يعني ذلك أَنَّنا مع أَو ضدَّ الزِّيارة أَبداً! فذلك أَمرٌ تقيِّمهُ الديبلوماسيَّة العراقيَّة التي سترى ما اذا كانت الزِّيارة ستُحقِّق مصالح الْعِراقِ وتحميها في هذا الظَّرف الحسّاس أَم لا؟!.

   إِنَّما الذي أُريدُ قولهُ هنا هو أَنّ للديبلوماسيَّة النّاجحة شروطٌ؛ أوَّلها أَن يكونَ المفاوضُ صريحاً وواضحاً يستحضر المصالح الوطنيَّة أَوَّلاً وقبل أَيِّ شيءٍ آخر، فلا مُجاملات في ذلك بأَيِّ شَكلٍ من الأشكالِ خاصَّةً عند التَّفاوض مع نِظامُ [آل سَعود] ففي رقبتهِ دماءٌ غزيرةٌ وأَعراضٌ مُنتهكةّ ودمارٌ شاملٌ جرّاء احتضانهِ ودفعهِ للارهابِ الى الْعِراقِ منذُ سقوط نِظامُ الطّاغية الذّليل صدّام حسين في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ولحدِّ هذه اللَّحظة!.

   فهل فهِم المُفاوضُ العراقي بأَنَّ هذه الزِّيارة هي تعبيرٌ عن النَّدم والسَّعي لفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع العراقييِّن؟! أَم أَنَّها ليست أَكثر من إِنحناءةٍ جديدةٍ أَمامَ عاصفةِ الانتصارات الباهرة التي تحقِّقها القوّات المسلَّحة الباسِلة في جبهة الحَرْبِ على الارْهابِ وتحديداً في معركةِ تحريرِ المَوصلِ الحدباء؟!.

   وهل لمسَ المفاوضُ العراقي أَنّ الرِّياض فهمت جيّداً وتعلَّمت واستوعبت حقيقة أَنَّ العلاقةَ الحسنة مع العراقييّن لا تمرُّ من خلالِ رفع شعار الدِّفاع عن السُّنَّة [المُهمَّشين] كما أَنّها لا تتحقَّق من خلالِ التعدِّي والتَّجاوز الوقح على الحشد الشّعبي البَطَل والمُقاوم؟! وأَنّها لا تمرُّ من خلالِ تصفيةِ الحساباتِ مع طهران؟! فاستراتيجيَّةُ بغداد تقومُ على أَساسِ عدمِ الاصطفافِ مع المحاورِ وضدَّ بعضها؟! وأَنَّها لا تمرُّ من خلالِ التدخُّل في الشُّؤون الدّاخليّة أَو من خلالِ إِيذاءِ الْعِراقِ في سوقِ البترولِ أَو ما أَشبه؟! وأَنّها لا تتحقَّق الّا باحترامِ الاغلبيّة والتوقُّف عن الطَّعن والتّشكيك بهويَّتها وولاءها؟!.

   هل فهِم المُفاوض العراقي بأَنَّ الرِّياض وعت هذه المرَّة ما الذي يجب عليها فعلهُ بشَكلٍ واضحٍ وصريحٍ إِذا أَرادت أَن تفتحَ صفحةٍ جديدةٍ مع العراقييّن؟!.

   ٦/ أَتمنّى أَن لا يكونَ المفاوضُ العراقي قد نَسِيَ تذكير الزّائر بواجباتِ بلادهِ الحتميِّ إِزاء تحمُّل كامل التَّعويضات التي يجب أَن تدفعها للعراقيّين، ولو بَعْدَ حينٍ، كونَها السَّبب الأَوّل والمباشر لكلِّ الارهاب الذي ارتكبَ أَبشع الجرائِم ضدَّ الْعِراقِ وشعبهِ!.

   ولا تقولوا لي {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ}!.

محرر الموقع : 2017 - 02 - 25