أَدَوَاتُ الدَّوْلَة المَدَنِيَّة! [٢]
    

 نـــــــــــزار حيدر

   في أَوَّل إِستبيان على شَكل الدَّولة المُقترحة بُعيد سقوط نِظامُ الطّاغية الذّليل صدّام حسين في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣، وزَّعَ التَّحالفُ الدَّولي قسيمةً خاصَّةً [محدودة التَّداول] تحتوي على قرابة [١٠٠] سؤال على كلِّ الأَحزاب والاتِّجاهات السِّياسيَّة من أَقصى اليمين الى أَقصى الشِّمال، الشِّيعيَّة منها والسُّنيَّة والمسيحيَّة، العربيَّة والكُرديَّة والتُّركمانيَّة، الدِّينيَّة والِّليبراليَّة، التي تُتاجر بعلاقتِها بالمرجعيَّة الدِّينيَّة والتي تستعديها! كان الغرض منها الوقوف على رأي هذه الأَحزاب بشأن الدَّولة الحديثة المُقترحة بعد التَّغيير، وما هو موقع الدِّين والمرأَة تحديداً من هذه الرُّؤية!.

   فماذا كانت النَّتيجة؟!.

   لقد كانت نتيجة الاستبيان أَنَّ [حزب الدَّعوة الاسلاميَّة] هو أَكثر كلِّ الأَحزاب تطرُّفاً صوب [الدَّولة الّلادينيَّة] [العَلمانيَّة] بل أَكثرَ حتّى من الحزب الشيوعي والاتِّحاد الوطني الكُردستاني الذي جاءَ بالمرتبةِ الثّانية!.

   ليسَ من بينِ كلِّ الأَحزاب الحاكمة، إِذن، من يدعو الى [الدَّولة الدّينية] لا كمنهجٍ ولا كواقعٍ، ولذلك لا ينبغي تهويل التخوُّف!.

   ٢/ كلُّ الزَّعامات السِّياسيَّة [الدّينية] بما فيها العمائِم الموجودة اليوم في السُّلطة لم تُثبت أَبداً أَنَّها نزيهة وشريفة ومُستقيمة في سلوكيّاتها! لا على الصَّعيد الشَّخصي ولا على الصَّعيد الحِزبي فضلاً عن صعيد السُّلطة والدَّولة! ولذلك فهم وقبل غيرهِم يخجلونَ من الحديثِ عن تبنّي هذا النَّوع من الدَّولة، إِذَا سلَّمنا جدلاً بامكانيَّة وجودها، على اعتبار أَنَّ [فاقد الشَّيء لا يُعطيه] فاذا كان الزَّعيم [الدّيني] فاسد وفاشل فكيف يُمكن أَن نتوقَّع مِنْهُ بذلَ جُهدٍ ما ليبني لنا دولةً [دينيَّةً]؟!.

   هو بذلك يشبه أَوامر الطّاغية عندما كان يأمُر بإعطاءِ الإشارة على اليسار لينعطف على اليمينِ! أَو كما يدَّعي الارهابيُّون من أَنَّهم يريدونَ تأسيس دولة [الخِلافة الاسلاميَّة] وكلّ ممارساتهم شيطانيَّة بل أَنَّ الكثير من جرائمهِم يستغرب منها وصدمت حتّى إِبليس الذي أَغوى أَبونا آدم (ع) وفوجئ بها الشَّيطان الذي لم تنتهِ حبائلهُ!.

   ٣/ أَمّا بعض التَّشريعات ذات الصِّبغة [الدِّينيَّة] التي تبنّاها مجلس النُّوّاب فهي ليست أَكثرَ من إِستعراضات ومُزايدات ودِعايات إِنتخابيَّة! لا يُمكنُ إِعتبارها إشارات حقيقيَّة لسعيهِم الى تبنِّي مفهوم الدَّولة الدِّينيَّة!.  

   هذا بالنِّسبةِ الى التَّفسير الأَوَّل لمفهوم [الدَّولة المدنيَّة].

   أَمّا التَّفسير الثّاني لها، فأَسبابهُ ما يلي؛

   أَلف؛ لقد ابتُليَ الْعِراقِ على وجه التَّحديد بظاهرةِ تأسيس السُّلطة والحزب الحاكم للميليشيا المسلَّحة الى جانب سيطرتهِ على القوَّات المسلَّحة وقوى الأَمن بمختلفِ أَسمائِها ومُسمَّياتِها!.

   حدثَ هذا عام ١٩٥٨ عندما قادت [حركة الضُّبّاط الأَحرار] أَوَّل إِنقلاب عسكري ناجح أَسقط النِّظام الملكي ليُعلن قيام النِّظام الجمهوري، عندما بادر الحزبُ الشُّيوعي الى تشكيل ميليشيا مسلَّحة لحماية [الثّورة] والنِّظام! أَطلقَ عليها إِسم [المقاومة الشَّعبيَّة].

   وتكرر الأَمرُ عام ١٩٦٣ عندما أَسقط [القوميّون] نِظامُ [الزَّعيم الأَوحد] اذ شكَّل البعثيّون ميليشيا مسلَّحة لحماية [الثَّورة] والنِّظام الجديد! أَطلقوا عليها إِسم [الحرس القومي].

   ومنذ العام ١٩٦٨ وحتّى سقوط النِّظام الشُّمولي البائد ظلَّت الميليشيات المسلَّحة ظاهرة مُلازمة لمفهوم الدَّولة الى جانب القوّات المسلَّحة وقوى الأَمن الأُخرى! حملت العشرات من الأَسماء.

   وهكذا هو الحالُ منذ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن!.

   فعلى مدى قرابة (٦٠) عاماً لم يتخلَّص الْعِراقِ من هذه الظّاهرة الخطيرة أَبداً، تتغيَّر الأَنظمة ويتغيَّر الحزب الحاكم ويتغيّر [القائد الضَّرورة] وتتغيَّر الأَسماء والمُسمَّيات وأَنواع الأَسلحة! أَمّا الظَّاهرة فلم تتغيَّر.

   هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر فلقد تغوَّلت المؤسَّسة العسكريَّة والأمنيَّة بسبب الحروب العبثيَّة التي زجَّ بها النِّظام البائد البلاد، ليُزيد الارهاب الطِّين بلَّة! لتطغى المظاهر المسلَّحة على أَيَّة مظاهر أُخرى!.   

   ولهذا السَّبب يقصدُ بعض من يدعو الى تبنِّي [الدَّولة المدنيَّة] الى نزع السِّلاح المُنفلت وحصره بيدِ الدَّولة حصراً!.

   باء؛ لقد وظَّفت الأَحزاب الحاكمة فتوى الجِهاد الكِفائي التي أَصدرها المرجع الأَعلى لاعادة تشكيل ميليشياتها المسلَّحة بعناوينَ وواجهات مُختلفة! وهو الأَمرُ الذي يراهُ البعض قد تحوَّل اليوم وبعد مرورِ قرابة ثلاث سنين الى أَمرٍ واقعٍ! يدعو الى تبنِّي فكرة [الدَّولة المدنيَّة] لنزع السِّلاح غير الدُّستوري من كلِّ الأَحزاب والكُتل والاتِّجاهات السِّياسيَّة! للحيلولةِ دونَ توظيفهُ في العمليَّة السِّياسيَّة!. 

   *يتبع

محرر الموقع : 2017 - 03 - 15