وسائل الاعلام اليوم اسرع من بندقية الدول
    

مع تواجد الكم العجيب والهائل من وسائل الاتصال بعد ان انطلقتِ الصحافة الإلكترونيَّة على شَبكة (الإنترنت) اصبحت المعلومة في متناول اليد اسرع من لمح البصراو يوازيها في الكثير من الحالات  حيث انبثاق نوْعٍ جديدٍ من الإعلام الذي لا يزيد عمره عن ثلاثين عام، ليشترك مع الإعلام التقليدي في المفهوم، والمبادِئ العامَّة والأهداف، وما يُميِّزه عن الإعلام التقليدي أنَّه يعتمد على وسيلةٍ جديدة مِن وسائلِ الإعلام الحديثة ، وهي الدَّمْج بيْن كل وسائل الاتصال التقليدي ؛ بهدَف إيصالِ المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ، ومؤثِّرة بطريقة أكْبَر، مع التلاقح بينهما تُنشِئ مشهدًا إعلاميًّا جديدًا ، وارتبطتْ واستفادَتْ مِنَ الثورة الهائِلة في تكنولوجيا الاتِّصالات والمعلومات ، ويعتبر سببًا أساسيًّا في جعْل المشهد الإعلامي في متناول الجميعِ بصورةٍ كبيرة وسهلة ، وواضحةِ المعالِم ، ونتيجةً لذلك صار المحتوى الإعلاميُّ أكثرَ سرعةً في الانتشار والوصول إلى آفاقٍ عديدة ، وإلى أكْبر عددٍ ممكن من القرَّاء.
الصحافة الإلكترونية تمتاز بكونها تمتلك مجموعة من المميزات جعلتها في المقدمة عند التغطية الخبرية للأحداث، مثل إجراء المقابلات مع الشخصيات ذات الصلة بها. التغطية الآنية للأحداث بالصوت والصورة من موقع الحدث، و سرعة تحديث الأخبار، وغرف الدردشة، وساحات الحوار والمنتديات .
 كما ان مفهوم الاستراتيجي للاتصال الإعلامي يلبي حاجة البيئة الدولية المعقدة ويخرج بالتالي من العباءة المحلية المحدودة ذات الأهداف المحلية البسيطة ، إلى البيئة العالمية ذات الأهداف المعقدة ، كما أن الإعلام الاستراتيجي يعطي الدولة القدرة على التواصل مع المواطن داخلياً و التأثير عليه وان الضعف في ذلك يعني منح الفرصة للإعلام الخارجي للتواصل مع الداخل وبالتالي تشكيله وفق مطلوبات المصالح الأجنبية ، كما يعني الإعلام الاستراتيجي على المستوى الخارجي القدرة على التواصل مع الجمهور العالمي وتشكيل رأي عالمي ، مما يعطي الفرصة لتمرير المصالح الوطنية على الساحة الدولية والعكس صحيح .
الصحافةُ الإلكترونيَّة فتحت أبوابًا مُغلَقة  ، وأصبحتْ أقربَ وأسهلَ للمواطن ، وخاصَّة مِن فئة الشباب ، ممَّا كان له دَورٌ كبير في صُنْع وتشكيل الرأيِ العام ، الذي أصْبَح أكثر وعيًا عمَّا كان عليه في الصحافةِ التقليديَّة (الورقيَّة) ، فلم يَعُدِ الرقيب حكوميًّا ، بل أصبَح الرقيب هو الضَّميرَ المِهَني ، والموضوعيَّة الإعلاميَّة. وعلى الرغمِ مِنَ انتِشار ظاهِرَة الصحافة الإلكترونيَّة بشكلٍ مُتسارِع في كثيرٍ مِن دول العالَم ، إلاَّ أنَّه لا يزال هذا النَّوْع مِن الصحافة في بداياته في الكثير من البلدان ، ويحتاج إلى المزيد مِن العمل لتوضيحِ مفاهيمه وقواعِده الأساسيَّة. ولكنَّ الصحافةَ الإلكترونيَّة أصبحتْ وسيلةً إعلاميَّة جديدة ، واعِدة ومؤثِّرة،وهي اليوم اسرع من بندقية الدول وتُشكِّل واقعًا جديدًا يتمثَّل في التركيز والاختصار، والاعتماد على السَّمْع والصورة والفيديو .
رغم الاختلاف على التحديد الدقيق لتاريخ نشوء أول صحيفة الكترونية فانه يمكن القول ان صحيفة (هيلزنبورج داجبلاد) السويدية هي الصحيفة الأولى في العالم والتي نشرت الكترونيا بالكامل على شبكة الانترنت عام1990 ومن الارجح هو عام ظهور أو صحيفة إلكترونية في العالم ، وتطوُّرها وسماتها الذي أثبت أنه أكثر جدوى في الوصول إلى الجمهور من الصحف التقليدية ، وكثيرا ما يلبي احتياجات قراء الصحف ومشاهدي التلفزيون ومستمعي الإذاعة في آن واحد بالإضافةِ إلى دَوْرها في تعزيز الديمقراطيَّة ، ومن هنا يمكن القول ان التحديات التي تُواجِهها. ما يعني قدرة هائلة على تقديم مواد تفاعلية لم يسبق أن قدم التاريخ مثيلا لها حتى في التواصل المباشر بين الأشخاص وتداول الرأي و الرأي الآخربحرية مطلقة تقريباً، ومن هنا فأن هناك البعض من الدول السلطوية الخانقة للحريات تحاول السيطرة عليها  كونها تتمتع بمساحة أكبر في التحرك الفكرية المؤثر.
اصبح القلم اليوم لا يختلف كثيراً عن البندقية بل في احيان اكثر اقوى منه نفوذاً ، و اسرع للوصول  ومتعدد الابعاد ، يصيب ويقتل يجرح ، واللسان لا يقل في سطوته عن السيف البتار، فهو حادٌ قاطعٌ لا يتردد ، يؤلم ويوجع وينتقم ، شرط أن يكون الكاتب صادقاً فيما يكتب ، ومبتغياً وجه الله فيما يقول ، ومصلحاً فيما يخط ، ومنصفاً فيما يرى ، ومعتدلاً فيما يفكر، وجاداً فيما يبحث ، وطوبى لمن كان قلمه لشعبه حصناً ، ومداده لهم بلسماً ، وحروفه لهم شفاءً ، فإنه بذلك يرتقي الدرجات العلى ، وينال المراتب الأسمى ، يكون بين أهله وعند شعبه الأسنى وفيهم الأغنى.
 وفي هذا العالم المتلاطم الأمواج يقف الفرد المواطن الأعزل من أي سلاح في وجه قوة السلطة  مدججاً بالافكار والثقافات  بدل البارود والدخان  ليوقف قوات الدول مثل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والموظفون بالعدة والعتاد .
 لذا كان من الطبيعي يتجه افراد المجتمع  صوبها  للمطالبة بالحقوق والحريات العامة ليقننها كي تحميه من عسف السلطة وتحكمها ، واختار تقنينها في أسمى وأعلى وثيقة قانونية ألا وهي الدستور، حتى يضمن لها مكانا مميزا ساميا وحتى يمنع يد التغيير والتحوير من أن تمتد إليها ببساطة .
 صاحب القلم عليه أن ينتفّذ بالشكل المناسب من خلال القوانين والسياسات والقرارات والممارسات القضائية كما يتوجب على الحكومات ضمان الالتزام بالدساتير من خلال التوعية عبر وسائل الإعلام وحملات رفع الوعي وتوسيع برامج التدريب القضائي ووسائل أخرى عديدة.
والحقيقة أن الحقوق والحريات العامة في العديد من البلدان  تعيش أزمة طاحنة سواء حول المفاهيم أو حول التطبيق، فالمدارس الفكرية متعددة وكل تنادي بمفهوم، والسلطة التنفيذية يتعاظم دورها في جميع أنحاء العالم . ويضيق دور هذه السلطة بهذه الحقوق والحريات بل وترغب في إهدارها أو تأمل في خرقها وعدم احترامها متذرعة بالمصلحة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو السلامة العامة وغيرها من الاصطلاحات البراقة الفضفاضة .
 حرية الاعلام مصانة بوجب القوانيين المراعية للحقوق العامة  من أهم الموضوعات التي تطرح على بساط البحث في أي مجتمع وفي أي عصر .
 الحرية التي كانت – و لا تزال – هدف البشرية منذ فجر التاريخ حتى وقتنا الحاضر، فهي التي أنارت طريق البشرية في كفاحها الطويل والمستمر من أجل تحقيق المزيد من الرفاهية والتقدم ، فلا مجال للإبداع بدون حرية ، ولا قيمة للتقدم بدون تحقيق المزيد من الحرية و المصداقية في سبيل الحقيقة والدقة والاستقلالية والنزاهة والموضوعية وتزداد الحرية قيمة وتربو مكانة حين تقترن للصحافة وترتبط هذه الأخيرة بها.
ان الصحفيين والمنظمات الإعلامية هم الأكثر اعتماداً على حق التعبير  من باقي المواطنين. يُعزى ذلك إلى طبيعة عمل الصحفيين الذين يمارسون مهنة الصحافة التي تتطلب الاعتماد على الدقة وجودة المعلومات. بالإضافة إلى ذلك تلعب وسائل الإعلام دوراً حيوياً في بناء أي مجتمع ديمقراطي في الدول التي تسود فيها سيادة القانون.

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

محرر الموقع : 2017 - 03 - 28