رحلة علاج الأطفال العراقيين في كوريا الجنوبية ..كيف تبدأ وكيف تنتهي..
    

مالكة مستشفى ( كونكوك) والتي عانى والدها من الآم القلب أوصت برعاية  المرضى من الدول الاخرى
سيؤول- محمّد الفيصل 
قبل المغادرة إلى كوريا الجنوبية بفترة شهرين تقريبا كانت التحضيرات والاتصالات قائمة على قدم وساق بين ( منظمي) هذه المبادرة وهما مؤوسسة الحكيم الدولية في العراق وجمعية الصداقة الكورية – العراقية في(كوريا)
والحقيقة الواجب ذكرها أنّ تلك الإجراءات كانت تُدار بعقلية احترافية ناضجة لاتغفل عنها أبسط ألأشياء وهي إشارة واضحة المعالم لقيمة وتأريخ القائمين أو العاملين في المؤوسستين أعلاه ، عموماً غادرنا بغداد يوم الأحّد المصادف 5/2/203  الساعة ( 600 مساء متوجهين صوب إمارة دبي على متن طيران الإمارات على أمل أن يكون مطار الإمارة أعلاه هو محطّة الإنتظار للوفد ( الترانزيت) وبقينا حوالي (7ساعات) ثمّ غادرنا  الساعة (400 فجرا) على نفس الخطوط إلى سيؤول، القلق والترقّب كان باديا على وجوه أغلب أعضاء الوفد بسبب طول فترة الطيران ( 8 ساعات) إضافة لفارق التوقيت ( + 6 ساعات) لصالحهم ، وبفضل الله وصلنا مطار ( إنجون ) الدولي الحائز على جائزة أفضل مطار في العالم لعام 2009 ، وبسبب الإزدحام الشديد والكثافة السكّانية العالية في العاصمة سيؤول التي تعتبر من المدن الخالية من التلوثات على مستوى الأرض فلا يوجد فيها مطار للمسافرين !! عموما أُستقبل الوفد بحفاوة كبيرة من سفيرالعراق الأستاذ / خليل إسماعيل الموسوي وأركان السفارة ورئيس وأعضاء جمعية الصداقة الكورية – العراقية ، ثمّ إنتقل الجميع إلى مقر السكن المخصّص ،في اليوم التالي تمّ توزيع المرضى على المستشفيات التي ستقوم بعلاجهم فكان أربعة منهم في مستشفى مقاطعة ( إنشون) لجراحة القلب والتي تبعد حوالي (70 كم) جنوب سيؤول، وواحد فقط في مستشفى ( كونكوك) وكانت مهمّة الوفد الصحفي تغطية كل برناج الزيارة، وبعد مضي أيّام معدودة كان فيها أطفالنا يحظون برعاية واهتمام كبيرين من قبل الأصدقاء الكوريين ، تمّ إجراء العمليات الجراحية لهم بنجاح فائق وهم الآن بصحّة جيّدة وفي طريقهم للشفاء ،ولمعرفة المزيد عن هذه الرحلة ومبادرة علاج الأطفال المصابين بأمراض القلب المستعصية استثمرنا وجود السيّد ( هان بيونغ دو ) رئيس جمعية الصداقة الكورية – العراقية الذي كان سعيداً بحضور الاعلاميين المرافقين للوفد قائلا: مرحباً بكم في كوريا.. بلد التسامح والمحبّة لكل الشعوب ..
*ماهي التكاليف  المادّيـــة لمثل هكذا عمليات جراحية دقيقة؟
-قبل أن أجيبك على السؤال اكتب هذه المعلومة المهمّة وهي : أن كوريا الجنوبية تعتبر رابع أفضل دولة في العالم بهذا الإختصاص وهذا ليس كلامي بطبيعة الحال ، بل هو من مصادر المنظمات الدولية المعروفة، كذلك أن مالكة مستشفى ( كونكوك) والتي عانى والدها من آلآم القلب أوصت برعاية  بعض من المرضى من الدول الآخرى ، وهذه رسالتنا الإنسانية التي نبعثها لشعوب العالم أجمع وليس الإقتصادية فحسب ، أمّا بالنسبة للتكلفة المادّية للعملية الواحدة فهي ما بين (30 -50) ألف دولار، أي مايعادل حوالي ( 30 – 50 مليون وان ) بحسب العملة الكورية ، هذه المبالغ تساهم في تسديدها إدارة المستشفيات  وبعض المتبرعين من أعضاء جمعيتنا وهم أصحاب شركات تجارية .
*ماسر تعلّقك بالعراق إلى هذا الحد..؟ وهل لك دور في إبرام العقود الحالية ..؟
-بالنسبة للشق الأوّل من سؤالك فأعتقد أنّ هذا جاء بالصدفة وربما هو قدري ، وعندما زرت العراق تعزّزت هذه العلاقة كما وإنّي متابع جيّد للأخبار العراقية وأتألّم كثيرا للانفجارات وما تخلّفه من خسائر بشرية أو مادّية فالشعب العراقي لايستحق كل هذه الجراح ،وليس سرّاً أنّ سماحة السيد – عمّـــار الحكيم هو الذي دفعني لزيادة اواصر هذه العلاقة ووجدّته شخصية وطنية .
وبالنسبة للشق الثاني لاتوجد لدي شركات وأنا لا أعمل بالحقل التجاري ،والحقيقة هي : عندما أرسلت الحكومة الكورية القوّات العسكرية للعراق وزرتهم هناك كنت رئيساً لجمعية مساعدة الشعب العراقي ، وهي رسالة مهمّة من قبلنا على إنّنا جئنا لمساعدتكم لا لقتالكم ، بعذ ذلك زار السيّد عمار الحكيم بلدنا عام 2006 وكانت له لقاءات رسمية وبرلمانية كبيرة وتمّ الإتفاق معه على مبادرة إرسال بعض الأطفال المصابين بأمراض القلب المستعصية من الذين يصعب معالجتهم في المستشفيات العراقية وها نحن نصل للوجبة الثالثة بنجاح مشهود ،كذلك تدريب بعض الأطبّاء العراقيين في كوريا وإرسال أطبائنا للعراق للقيام ببعض العمليات الجراحية المشابهة وفي شباط القادم سنزور العراق برفقة وفد طبّــي وآخر اقتصادي رفيع المستوى وكما تعلمون أنّ تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين متواصل ودون إنقطاع.
*ماذا تقول لاسرتك وأنت ذاهب للعراق .؟
-باديء الأمر كانت هناك معارضة شديدة من والدتي وزوجتي، وبعد أكثر من زيارة بات الجميع على قناعة أنّ القدر هو القدر في أيّ زمان أو مكان ، وعندما أشار إليّ بعض الزملاء بزيارة الدول الأكثر استقراراً أجبتهم : بأنّنـــــــي كوري أوّلاً وعراقي ثانياً( قالها ضاحكاً) ولن أتخلّــــى عن زيارته مهما كانت الأسباب .
*هل لديك علاقات برجال السياسة في العراق...؟
-نعم.. في كل زيارة لدي لقاءات مع بعض المسؤولين العراقيين ، منهم د. صالح المطلك وغيره من السياسيين والسادة الوزراء ونحن منفتحون على الجميع ونسعى لعلاقات أفضل ، وفي شهر آب الماضي كنت في زيارة للعراق وإلتقيت برئيس وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي برئاسة الشيخ د. همام حمّودي وتمَ الإتفاق على تشكيل جمعية للصداقة بين شعبينا في مجلسي النواب والبرلمان في البلدين.
*الواضح أنّ لديك علاقات واسعة في الساحة العراقية، هل حاولت بعض الشركات إستثمارها في تسهيل بعض الإجراءات..؟
-أحيانا يسألني قسم من الشركات وتحديداً في الجانب الأمني وعن الأوضاع هناك ومدى خطورتها عليها إذا ما أرادت الإستثمار في هذا القطّاع أو ذاك ،كما وأنّ الحكومة الكورية حسب معلوماتي لم تضع قيوداً مثلما يقال على السفر للعراق ، وهناك مواطنون كوريّون لازالوا لحد الآن يعملون مع شركاتهم في بلدكم والأمور جيّدة ،وأعتقد أنّ العراق اليوم يمر بمرحلة بناء قد تطول وهذا يتطلّب صبراً ، ثمّ هناك شبه كبير بين تجربتنا وإيّاكم، كوريا شهدت نفس الخلافات السياسية ، لكن بفضل التعاون والتحاور أنجزنا ما نحن فيه الآن ولتحقيق هذا الأمر على الجميع أن يصبروا ويزيدوا من الحوارات فيما بينهم والذي سيذهب بهم للديمقراطية الحقيقية .
*ولماذا هذه المرّة طلبتم حضور بعض وسائل الإعلام العراقية..؟
-هناك حقيقة غائبة عن السواد الأعظم من أبناء الشعب العراقي فيما يخص المعلومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والحضارية عن بلدنا ، ومن خلال هذه الدعوة شاهدتم وعرفتم الكثير.. الكثير عن كوريا وإصرار شعبها على صنع الإنجازات العلمية المتطوّرة دون أن يغفل إنسانيته وهو بهذه الرسالة وغيرها بات يحظى بإعجاب كل الشعوب ونتمنّى لكم أن تكونوا كذلك ،وحسب معلوماتي من الأصدقاء العراقيين أنّ من حضر إلينا من القنوات الفضائية ممثّلة بالعراقية والفرات أو الصحف اليومية ( البينة الجديدة – الزمان و الإستقامة) إنّما هي ذات إنتشار واسع وتمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة من القرّاء ، لذا نحن مقتنعين تماماً بنجاح هذه الرحلة وسيعود الأطفال المرضى معافين إلى وطنهم وعوائلهم وهذه أسمى أهداف جمعيتنا .
شكرنا السيد ( هان ) وقمنا بزيارة مرضانا ومرافقيهم والحديث عن هذه الرحلة ومراحل علاج الأطفال فكان لقاءنا الأوّل مع السيّد – أحمد خضير حربي من أهالي محافظة واسط الذي قال: جئت ضمن الوفد بصحبة ولدي ( رسول) الذي يعاني من فتحة في القلب وضيق في الصمّام وليس لدي المال الكافي لعلاجه خارج العراق فكان أن أوصلنا بعض الخيرين إلى مؤسسة الحكيم الدولية وعرضت لهم التقارير الطبّية عن حالته وقد انتظرنا الجواب من الجانب الكوري فترة من الزمن حتّى جاءت الموافقة على علاجه في مستشفياتهم المتطوّرة،  وها هو الآن بعد إجراء العملية التي استغرقت أكثر من أربع ساعات بدأ يتماثل للشفاء ولا يعاني من أيّ مضاعفات غير محمودة لاسمح الله ، ومن خلالكم أتقدّم بوافر الشكر والإمتنان لسماحة السيّد عمار الحكيم ولكل العاملين في المؤسسة على ما بذلوه من جهد في رعايتنا.
المواطنة / شيماء ستّار – والدة الطفلة ( جنّـــة) تقول : بعد يوم من وصولنا سارع الأطبّاء الكوريون في إجراء العملية الجراحية لابنتي وبعد إنتهاء عمليتها وضعوها في جناح خاص لا أستطيع رؤيتها إلاّ من خلال شبّاك من الزجاج ، وقاموا هم برعايتها وفعلاً كانت بأيد أمينة وحالتها في تحسّن مستمر ، وأدعو من الباري عزّ وجل أن يوفق ويحفظ كل من ساعدنا ووقف معنا في هذه المحنة وأن يشافي كل العراقيين ومنهم فلذات أكبادنا الأطفال .. إنّه سميع مجيب .
المواطن / حسين سعيد جبر من أهالي محافظة بابل – قضاء الشوملي قال: ولدي حيدر يعاني من ضيق في التنفّس والإرهاق عند قيامه بأيّ نشاط بسبب إصابته ( بتهدّل في الصمّام وفتحة بين البطينين) وبعد إجراء العملية بنجاح ها هو الآن يتعافى ولست قلقاً على صحّته بعد زوال مرحلة الخطر، مضيفاً : الإهتمام في هذا المستشفى لا يمكن أن أصفه بكلمات فالخدمة على مدار الساعة ومراقبة حالة المريض لاتنقطع لحظة وبواسطة أحدث ألأجهزة ألألكترونية .
ولحد كتابة هذا التحقيق كانت المريضة ( زهراء ) من أهالي محافظة ديالي – قضاء مندلي قد دخلت توّا صالة العمليات بسبب تدهوّر حالتها الصحية منذ وصول الوفد نتيجة بعض المضاعفات في الرئتين وقد أخبرنا الطبيب المشرف أنّ عمليتها ربما تستغرق أكثر من عشر ساعات !! ( عَلِمْنا فيما بعد بنجاح العملية وهي بصحّة جيدة )
بقيت الطفلة الوحيدة التي ترقد في مستشفى ( كونكوك) داخل العاصمة سيؤول ، زرناها وكانت بصحّة جيّدة وحدّثنا والدها – علي غنــي محمّد من أهالي محافظة ذي قار- ناحية الفهود قائلاً: أنا كنت واثقاً من هذا النجاح نتيجة السمعة الطيّبة للكوادر الكورية بهذا المجال ، لكن ما كان يحزنني إنّني الوحيد وطفلتي هنا والمرضى الآخرين جميعاً في مستشفى آخر وكنت أشتاق لتبادل الأحاديث معهم،ومن خلالكم أتمنّى الشفاء التام لمرضانا جميعاً ، وفائق شكري وتقديري لسماحة السيد عمار الحكيم ومن ساهم في تسهيل رحلة العلاج هذه ، ولكم أنتم الإعلاميون ، وجودكم معنا وقيامكم بإيصال أخبارنا لأهلنا في العراق أوّل بأوّل أسهم كثيرا في تخفيف معاناتنا.
وأخيرا ..لايسعنا إلاّ أن نبارك ونشيد بالجهود التي قام بها أمين وأعضاء مؤسسة الحكيم الدولية ومنهم مدير الإعلام في المجلس الأعلى الأستاذ علــــــــــــي العطوانــــــي .

 

محرر الموقع : 2014 - 01 - 06