أميركا والعقدة العراقية
    

محمد عبد الرضا الربيعي

 

الولايات المتحدة راعية الحرية والديمقراطية في العالم، وتسعى إلى نشر الأمن والسلام والرفاهية في جميع الدول.. هذا ما يزعمه الأميركان ويصدقه الكثيرون، ولكن من يستشرف الوقائع سيجد العكس تماماً، فهم مؤسسو الإرهاب وعرابوه ومفتعلو الأزمات ومثيروها!

في العراق يراهن (المخدوعون) على الوجود الأميركي في إنهاض البلد اقتصادياً وسياسياً وحتى اجتماعياً، وكأنهم نسوا أو تناسوا المؤامرات التي حاكتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولاسيما البنتاغون، بدءاً بسرقة الأموال وفتح أبواب الوزارات والمؤسسات أمام الناهبين، مروراً بافتعال الحرب الطائفية، وليس انتهاءً بخلق ودعم التنظيمات الإرهابية.

ثمة إجماع على أن الولايات المتحدة ليبرالية المنهج ولا تأبه لغير مصالحها الاقتصادية ومد نفوذها في العالم، ولكن بنظرة فاحصة خلف الأبواب وفي دهاليز المطابخ السياسية المظلمة سنرى كهولاً متعجرفين عنصريين متطرفين دينياً يسعون إلى طمس الحضارات الأخرى وكبح جماح من تحاول النماء والنهوض ولاسيما (حضارة وادي الرافدين)!

من يستقرئ سياسات الولايات المتحدة تجاه العراق والعراقيين ستتضح له جليةً صحة ما أقول؛ فهي بدلاً من أن تعاقب صدام على غزوه الكويت أبقته على كرسيه وفرضت حصاراً على فقراء العراقيين أذاقهم الويل والثبور وقتل مئات الآلاف من الأطفال الأبرياء فضلاً عن تهديم البنى التحتية لنعود الى ما قبل الحضارة، وبعد إسقاطهم النظام البعثي أشاعوا الفوضى وأدخلوا التنظيمات الإرهابية.

ترتبط الأحقاد الأميركية بمعتقدات أصولية قديمة وأخرى مستقبلية تهدد العرش الامبريالي في العالم، إذ يعد اللوبي الصهيوني في مراكز القرار الأميركية العراق (بلد الخطيئة) ويصفونه في أدبياتهم الدينية بـ(بابل الزانية) لأسباب ثأرية قديمة تمتد الى عصور أورنمو وشلمنصر ونبوخذ نصر الذين غزوا اليهود ودمروا مملكتهم القديمة وهدموا ما يسمى بـ(هيكل سليمان) لذا هم يسعون الى تدمير العراق بحيث لا يجد العراقيون جداراً يربطون به خيولهم، بحسب ما مذكور في كتبهم.

دأبنا نحن أتباع أهل البيت على انتظار صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) ليقيم الدولة الكريمة التي ستملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا هو ديدننا وعهدنا ومنهجنا الذي لن نحيد عنه، فقد وعدنا الله تعالى بذلك في قوله: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"، إذ يمثل الحشد الشعبي، المنبثق من الفتوى التي قصمت ظهر المخطط التدميري، الركيزة الأساس لقيام جيش الإمام الموعود فضلاً عن المجاهدين في الجمهورية الإسلامية في إيران (الحرس الثوري) ولبنان (حزب الله) واليمن (أنصار الله) ليكونوا قوة جهادية تمحو الظلمة الأميركية عن العالم. ولكن هل يقف الأميركان مكتوفي الأيدي؟.. قطعاً لا.. فهم ينتظرون أيضاً ولكن بمدمراتهم وفرقاطاتهم وحاملات طائراتهم وأمهات قنابلهم وتحشيداتهم العسكرية في العراق والشرق الأوسط محاولين إطفاء أي نور قد ينبلج وأي صوت حر قد يصدح.

ما أريد أن أشير إليه في كلماتي هذه أن الولايات المتحدة لم تلج حدودنا لتحولنا الى كوريا جنوبية أخرى كما زعم بوش الابن سيئ الصيت، ولا يظنن أحد أن مشروع (مارشال) أميركياً يمكن أن ينفذ في العراق، فإن كان دأب الطغاة عبر التاريخ التخيير بين السلة والذلة فإن المشروع الأميركي هو فرضهما معاً على العراقيين؛ فما علينا إذن إلا الرفض والممانعة وعدم الانجراف مع الرياح الاميركية الصفراء، والثبات على ثقافتنا الإسلامية العريقة ومنهج الولاية الحق.

محرر الموقع : 2017 - 04 - 27