الحكم الشرعي لتهنئة أهل الكتاب في عيد رأس السنة الميلادية
    
بسم الله الرحمن الرحيم , و الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آلهِ الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته , أخوتي و أخواتي في الله .
مــدخـــــل ..
ففي كل عام عند بدء السنة الميلادية الجديدة ، و ما يُعرف و أشتهر لدى البعض بليلة أو يوم رأس السنة (الكريسماس) ، و هي مناسبة أخذت من ذكرى ميلاد النبي عيسى بن مريم عليه و على نبينا و آلهِ أتم الصلاة و السلام .
وإن كان لنا رأي من سلوكيات البعض في بعض البلاد , خصوصاً ما نراه في عراقنا الحبيب مِمَا يصدر من بعض المسلمين للأسف الشديد ، بأن جعل البعض من هذه المناسبة ممارسات و سلوكيات سلبية , مثل :
- الإحتفالات المختلطة .
- الإهتمام المفرط بالألعاب النارية .
- التركيز على الجانب اللهوي فقط ، و الغفلة عن الأهداف المطلوبة عند هذه المناسبة .
و هل نسوا أنفسهم من أنهم مسلمون و ليسوا مسيحيون ؟ , و أنهم غير معنيين بهكذا مناسبات , لا تمت بأي صلة بالإسلام , لا من بعيد و لا من قريب ؟! , و هل نسوا أن تأريخنا كمسلمين هو الهجري و ليس الميلادي كي نحتفل بهِ ؟! , و كان الأولى بنا أن نُحي مناسبة رأس سنتا الهجرية , الذي خط تأريخها النبي الأعظم (صلى الله تعالى عليه وآلهِ وسلم) بهجرتهِ المباركة بتأريخ ( 1 / ربيع الأول ) , لا أن نذهب و نُحي مناسبات غيرنا , و للأسف الشديد نجد الكثير من المسلمين و خصوصاً من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) قد أصبحوا يُحيون مناسبات و شعائر لديانات أخرى قد أبطلها الله سبحانه و تعالى و نسخها بالدين الإسلامي الحنيف و هم لا يشعرون ! .
و أرجوا أن لا يُفهم كلامي هذا حقداً على الغير , بل نحن المسلمون و خاصة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فقلوبنا , و أحضاننا , و بيوتنا مفتوحة لكل البشرية , و هذا هو ما تعلمناهُ من إسلامنا الحنيف , و من أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) .
و لقرب هذه المناسبة وددتُ أن أنطلق بالإشارة إلى عدة نقاط تتداخل فيها المسائل العقائدية , و المسائل الفقهية . مسائلٌ يدور حولها السؤال من شبابنا و شاباتنا ، و هي محل أهتمام و دراسة عند علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) , و أرجوا من الله سبحانه و تعالى أن يجعل هذه سطوري المتواضعة سبباً في تغير بعض الأحبة من شبابنا و شاباتنا , فيما يفعلونه في بداية كل سنة ميلادية , و أن لا ينسوا أنفسهم من أنهم ينتسبون إلى أشرف المخلوقات و الكائنات , و هو النبي محمد (صلى الله تعالى عليه وآلهِ وسلم) و إلى أهل بيتهِ الطيبين الطاهرين (عليهم السلام) .
وفي تصوري أن أهم المسائل الخاصة بهذا الموضوع هم (أهل الكتاب) يكمن في الأمور التالية :
ـ حكم طهارة أو نجاسة أهل الكتاب لدى العلماء .
ـ حكم الزواج من نساء أهل الكتاب .
ـ حكم تهنئة و مشاركة أهل الكتاب في مناسبات أعياد الميلاد .
@ أولاً : ما المقصود بـ(أهل الكتاب) في الروايات و أقوال الفقهاء الأعلام ؟ .
الـجـــــواب : المقصود من (أهل الكتاب) هو كل مَن ينتمي إلى دين إلهي , و يَعتبر نفسه من أمّة نبيٍّ من أنبياء اللّه تعالى , على نبينا و آله أفضل الصلاة و السلام ، و يكون لهم كتاب من الكتب السماوية النازلة على الأنبياء ، كاليهود و النصارى .
و نبدأ على بركة الله تعالى بالـســـــؤال : ما هو الرأي الديني بخصوص طهارة أو نجاسة (أهل الكتاب) لدى علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ؟ .
الـجـــــواب : هناك ثلاثة أراء , و التفصيل كما يلي :
# الرأي الأول : القول بنجاسة الكتابي :: و هو الرأي المشهور لعلماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، إذ يقولون بعدم الطهارة ، أي أن (أهل الكتاب) محكومون بالنجاسة المعنوية بسبب فساد عقيدتهم , و عدم دخولهم للإسلام .
# الـــرأي الثاني : القول بطهارة الكتابي :: و ذهب إلى هذا الرأي البعض من المراجع المعاصرين , و منهم المرجع الأعلى آية الله السيد علي الحسيني ألسيستاني (دام ظله) , حيث يقول : (( و أما الكتابي فالمشهور بين الفقهاء (رض) نجاسته , و لكن لا يبعد الحكم بطهارته)) .[1]
# الـــرأي الثالث : القول بالتقييد :: بعض العلماء المعاصرين يقـولون ، لو كان في الإجتناب عنهم عسر و حرج لم يجب الإجتناب , - و يُمكن الرد على هذا الرأي , إلا أنه ليس في محلهِ - .
و لكن جميع الفقهاء يتفقون فيما لو كان الكتابي يمارس الشيء النجس و يزاوله , كالخمر مثلاً , أو لحم الخنزير , و لم يطهر بدنه بالماء فإنه يجب الإجتناب عنه .
@ ثانياً : حكم الزواج من نساء أهل الكتاب :
الـســـــؤال : هل يجوز الزواج (من أهل الكتاب) كالنصارنيّة و المسيحية ؟ .
الـجـــــواب : أفتى العلماء في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، بجواز الزواج من المرأة من أهل الكتاب ، مثل المسيحية و اليهودية مؤقتاً و ليس دائماً ، و لكن ذكروا لصحة هذا الزواج شرطين :
الشرط الأول : يصح إذا لم يكن للمسلم زوجة مسلمة .
الشرط الثاني : أمّا إذا كانت له زوجة مسلمة ، فلا يجوز للمتزوج من المسلمة الزواج بدون إذنها . و ذهب بعض الفقهاء كالمرجع الأعلى السيد علي الحسيني ألسيستاني (دام ظله) ، إلى أنه لا يجوز الزواج حتى مع إذنها على ألأحوط وجوباً .
و لا يخفى عليكم إلى أن المقصود بالزواج المؤقت : هو زواج تتعين فيه المدة بسنة أو أكثر أو أقل ، و تسمى الزوجة فيه بـالزوجة المؤقتة .
و نذكر لكم بعض المسائل الفقهية لسماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني ألسيستاني (دام ظله) بخصوص الزواج من الكتابيين للرجال والنساء .
 مسألة / 394 : يجوز للمسلم التزوّج باليهوديّة و المسيحيّة ، زواجاً مؤقتاً ، و الأحوط وجوباً ترك التزوّج بغير المسلمة دواماً . 
ـــ أمّا المرأة الكافرة غير الكتابيّة ، فلا يجوز للمسلم التزوّج بها مطلقاً , و الأحوط وجوباً ترك التزوّج بالمجوسيّة أيضاً , و لو مؤقتاً . 
ـــ و أمّا المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوّج بالرجل الكافر بتاتاً .[2]
 مسألة / 399 : لا يجوز للمسلم المتزوّج من مسلمة التزوّج ثانية من الكتابية , كاليهوديّة و المسيحيّة , من دون إذن زوجته المسلمة ، و الأحوط وجوباً ترك التزوّج بها و لو مؤقتاً ، و إن أذنَتْ به الزوجة المسلمة ، و لا يختلف الحكم في ذلك بين وجود الزوجة معه و عدمه .[3]
 مسألة / 205 : لا يجوز للمسلمة أن تتزوّج الكافر دواماً أو متعة , سواء أكان أصلياً كتابياً كان أو غيره ، أم كان مرتداً عن فطرة كان أو عن ملة ، و كذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج غير الكتابية من أصناف الكفار و لا المرتدة عن فطرة كانت أو ملة ، و أما النصرانية و اليهودية فالأظهر جواز التزوج بها متعة ، و الأحوط لزوماً ترك نكاحها دواماً .[4]
و لعل هناك مَن يَـسـأل : لماذا أجاز الفقهاء زواج المسلم من الكتابية بالزواج المؤقت و لم يجز بالزواج الدائم ؟ .
الـجـــــواب : بحسب ما وردَ في روايات أهل البيت (عليهم السلام) ، يوجد فُسحة للرجل المسلم , و هذه الفُسحة معـللة بدعوة الكتابية و تشجيعها إلى الإسلام . أما المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوج بالرجل غير المسلم مطلقاً .
و عدم جواز زواج المرأة المسلمة من الكافر مطلقاً ، و من أهل الكتاب تحديداً في مباني الفقهاء الأعلام ، إنما هو بسبب :
1 - الأدلة الشرعية من الآيات , و الروايات .
2 - أن الرجل الكتابي لا يعتقد بدينها , خلاف المسلم الذي يحق له الزواج من الكتابية ، فأنه يعتقد بالأديان و الأنبياء ، و لكن الإسلام إنما نَـسَخَ الأديان كما نعتقد .
3 - في الروايات ، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها , و تتأثر بأخلاقياتهِ , و تصرفاتهِ , و أطباعهِ , و هو يقهرها على دينه .
@ ثالثاً : حكم تهنئة و مشاركة أهل الكتاب في مناسبة أعياد الميلاد :
الـســـــؤال : المهم في هذه المناسبة ، ما حكم تهنئة أهل الكتاب في مناسبة عيد الميلاد لنبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ؟ .
الـجـــــواب : أذكر رأي سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني ألسيستاني (دام ظله) فقط , بعتبارهِ يُمثل المرجعية العامة للطائفة الشيعية في العراق و خارجهِ في وقتنا الحاضر , و أكثر أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هم من مُقلديه , لذا يكون رأيه أكثر أهمية من غيرهِ .
من إجابات آية الله العظمى السيد علي الحسيني ألسيستاني (دام ظله) .
1 ــ حكم الإحتفال برأس السنة الميلادية :
> الـســـؤال : هل يجوز أن نحتفل برأس السنة الميلادية ؟ .
> الـجـــواب: إذا كان فيه ترويج للمسيحية لا يجوز .
2 ــ حكم المشاركة في أحتفالات الأعياد الغير الإسلامية :
> الـســـؤال : هل يجوز المشاركة في مجالس الأعياد الغير الإسلامية ؟ .
> الـجــواب : إذا كان فيه ترويج للمسيحية أو للفساد فلا يجوز .[5]
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , و صلى الله تعالى على نبينا محمد و على آلهِ الطيبين الطاهرين .
:
مـلاحـظـة : أرجوا أن لا يشكل أحد عليّ من حيث الجوانب العاطفية , فإن موضوعي من حيث العقيدة و الفقه حصراً , فإن العقيدة أهم من العواطف .
دمتم في رعاية الله تعالى و حفظهِ . نسألكم الدعاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] منهاج الصالحين / العبادات : ج1 , ص130 , في الأعيان النجسة , .
[2] الفقه للمغتربين : ص173 .
[3] الفقه للمغتربين : ص174 .
[4] منهاج الصالحين / المعاملات - القسم الثاني : ج3 , ص67 .
[5] رابط الموقع : http://www.sistani.org/arabic/qa/0294/
محرر الموقع : 2017 - 01 - 09