[جَعْفَرُ الخَلِيلِي..أَدِيباً وَرَائِداً]
    

  نـــــــــزار حيدر

   تحتَ هذا العنوان، وعلى مدى يومَين كاملَين أَحيا إِتِّحاد الأُدباء والكُتَّاب في محافظة النَّجف الأَشرف مؤتمرهُ السَّنوي الرَّابع بالتَّعاون مع الأَمانة العامَّة للعتبة العلويَّة المقدَّسةِ، بحضور نخبةٍ من الأَكاديميِّين والمثقَّفين والاعلاميِّين، قدَّم فيه عددٌ من الباحثين دراساتهم عن واحِدٍ من القامات الأَدبيَّة والثَّقافيَّة والفكريَّة المعروفة التي تنحدر من سلالةِ واحدةٍ من أَعرق العوائل النجفيَّة التي تركت ولا تزال بصماتها الواضحة في مُختلفِ المجالات كالعلمِ والفقهِ والأَدب والطِّب والهندسة وغيرِها من المجالات الحيويَّة، فكانَ الأُستاذُ المرحوم جعفر الخليلي المُحتفى به علَماً من أَعلام الأَدب والمعرفة التي لها في هذا المجال ريادةً وتجديداً وإِصلاحاً.

   وكم هو رائعٌ أَن يستذكر العراقيُّونَ تاريخهم القريب ورجالاتهِ وقاماتهِ لتكريس النَّتاجات المهمَّة التي خلَّفوها للأَجيالِ من جهةٍ، ولإكمال المشوار من أَجل تحقيق التقدُّم الى الامام من جهةٍ أُخرى.

   ولقد كانت لي في الجلسة الافتتاحيَّة للمؤتمر والتي عُقدت يوم أَمس الجمعة [١٩ مايس (أَيار)] على قاعة [عمَّار بن ياسر/ مجمَّع الامام الحَسن (ع) في النَّجف الأَشرف] المُداخلة التَّالية؛   

   لماذا لا تشبه نتائجنا مقدِّماتنا؟!.

   فاذا أَردنا أَن نحلِّل حال الْعِراقِ خلال القرن الماضي، أَي منذُ تأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة ولحدِّ الآن، فسنجد أَنَّ البدايات وتحديداً العُقود الأَربعة الأُولى من القرن، تميز العراقيُّونَ بثلاثيٍّ نادر، وأَقصد بهِ [الاصلاح والتَّجديد والابداع] وعلى مُختلفِ المستويات، إِلّا أَنَّهُ تراجع في العُقود الستَّة التي تلتها بشَكلٍ مُفزع، وكذلك على مُختلفِ المستويات! لماذا؟!.

   لقد كانت الأَحزاب السِّياسيَّة في تلك الحُقبة التَّأسيسيَّة وطنيَّة بامتياز وأَنَّ معيار الانتماءِ الوحيد هو المُواطنة، أَمّا في الفترة الثَّانية فلقد تراجعت هويَّتها الوطنيَّة لتتخندق خلف الدِّين والمذهبِ والإثنيَّة وغيرِها، أَمّا اليوم فانَّ جلَّ أَحزابِنا عائليَّة [معيار الانتماءِ لها هو الولاء للأُسرة].

   كذلك على صعيد التَّجديد سواء في الفكر الدِّيني أَو الأَدب أَو غير ذلك، كالابداع في مفاهيم الدِّيمقراطيَّة وأَدواتها، ولعلَّ في تجربة المحقِّق الشَّيخ النَّائيني في كتابهِ [تنبيه الأُمَّة وتنزيه الملَّة] وقبلهُ وبعدهُ الرُّؤى السِّياسيَّة التي كانت تقدِّمها المرجعيَّة الدِّينيَّة والمفكِّرين والمتنوِّرين وغيرهم وما يتعلَّق بحريَّة الصَّحافة وحرِّيَّة الكلمةِ بشَكلٍ عام، الى جانب السَّعي الوطني العام لتأسيس الدَّولة الحديثة، من خلال إِحترام الدُّستور والقانون، والنَّزاهة واعتماد الكفاءة والتَّجربة، إِنَّ كلَّ ذلك أَدلَّة وبراهين على العافية التي كان يتمتَّع بها المجتمع العراقي، ناهيكَ عن أَخلاقيَّات التَّعايش والحوار والاختلاف!.

   إِنَّ كلَّ ذلك تراجع بشَكلٍ مُخيف وللأَسف الشَّديد، حتَّى وصل بِنا الحالُ الى ما نحنُ عليهِ الآن!.

   وأَنا أَعتقدُ أَنَّ مثل هذه المؤتمرات والنَّدوات ومهما كان الهدفُ منها، سياسيٌّ أَو تنظيميٌّ أَو أَدبيٌّ أَو إِداريٌّ أَو ما الى ذلك، ينبغي عليها أَن تهتمَّ بشَكلٍ أَكبر وأَوسع للإجابةِ على السُّؤال! لماذا نتراجع؟! من أَجل البحث عن الأَسباب ثمَّ معالجتها قبل أَن ندخل في حيِّز الانهيار الكامل لا سمحَ الله!.

   وبرأيي، فانَّ واحدةً من الأَسباب هو إِنقطاع التَّجربة والخِبرة وعدم تدويرها ونقلها وتراكمها جيلاً بَعْدَ جيلٍ! حالِنا في ذلك حال حضارتنا التَّاريخيَّة، فعلى الرَّغمِ من أَنَّها أَعرق وأَقدم حضارة على وجهِ البسيطة إِلّا أَنَّها منقطعة وغير متَّصلة! ولذلك لم يستفد منها العراقيُّونَ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ إِلّا اللَّمَم!.

   أَخشى أَن نكتشفَ في يومٍ من الأَيام أَنَّنا شعبٌ منقطعٌ وغير متَّصل، يبدأ فيهِ كلَّ جيلٍ بالتَّجربة بنفسهِ من نقطةِ الصِّفر، وهو الأَمرُ الذي يفسِّر لنا علَّة التَّضحيات العظيمة التي يقدِّمها العراقيُّونَ بَيْنَ الفترةِ والأُخرى ولكن من دونِ نتيجةٍ تُذكر!. 

 

الكلمة التي ألقيتُها يوم أَمس [الاثنين ١٥ مايس (أَيار) ٢٠١٧] في مهرجان الأَمان الثقافي السنوي التَّاسع الذي تستضيفهُ مدينة الديوانيَّة مركز محافظة القادسيَّة، والذي تقيمهُ هيئة الامام الصّادق (ع) الثقافيَة برعاية العتبات المقدَّسةِ العلويَّة والحسينيَّة والعباسيَّة.

https://youtu.be/G_GqifRx84Y

 

 
محرر الموقع : 2017 - 05 - 22