أَلنَّجَاحُ شَرْطُ التَّمْكِينِ لِلْوِرَاثَةِ* [١]
    

  نـــــــــزار حيدر

   {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.

   هذه الآيةِ المُباركة مختصَّةٌ بأَهلِ البيتِ عليهمُ السَّلام وتحديداً بالإمام الثَّاني عشر الحُجَّة بن الحَسن العسكري (عج) بلا شُروط.

   وهي مختصَّةٌ بأَنصارهِ وأَعوانهِ وجنودهِ ولكن بشروط، ولعلَّ من أَبرز هذه الشُّروط هو النَّجاح في الاختبارات والامتحانات والفِتن التي تمرُّ عليهم، ولقد أَشار الى ذلك القرآن الكريم بقولهِ عزَّ وجلَّ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وفِي آيةٍ أُخرى {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.

   ولا يتمكَّنُ المرء من إِجتياز الاختبارات التي عادةً ما تَكُونُ مفاجِئة إِلَّا بالاستعداد الكامل والتامِّ، كالطَّالب في المدرسةِ الذي يتعرَّض للاختبارات اليوميَّة السَّريعة والمفاجِئة!.

   وإِنَّ الله تعالى يختبِر عبدهُ بالعمل الصَّالح والنَّافع المُفيد، أَلم يقُل ربُّ العزَّة {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}؟!.

   أَمَّا أَميرُ المؤمنين عليه السَّلام فيُشيرُ في خُطبةٍ لَهُ الى هذا المعنى بقولهِِ {الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاسْتَقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلى نِهَايَتِكُمْ، وَإنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإنَّ لِلاْسْلاَمِ غَايَةً فانْتَهُوا إلى غَايَتِهِ، وَاخْرُجُوا إلَى اللهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ، وَبَيَّنَ لكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ}.

   هذا يعني أَنَّ الانتظار عملٌ واستعدادٌ وليس بذلك المفهوم السَّلبي الذي يدعو الى أَن نضعَ يداً على يدٍ بانتظار الموعود أَو يوم الخلاص! أَو أَن نهجُر المجتمع ونعتزل بعيداً عنهُ بحجَّة تطهير الذَّات إِستعداداً ليومِ الظُّهور! في عمليَّة تخدير واسعة للمجتمع!.

   إِنَّ العِلاقة طرديَّة بامتياز بين التَّمكين للوراثةِ وبين النَّجاح وتجاوز الاختبارات بصبرٍ وأَناةٍ وحكمةٍ، سواء على المستوى الفردي أَو العام، ولقد رسم أَميرُ المؤمنين (ع) المتسلسِلة الحقيقيَّة لِهذهِ العلاقة في قولهِ أَعلاه، ما يلزمنا دراستها بشَكلٍ دقيقٍ للالتزام بها إِذا كُنّا بالفعل جادِّين وحريصين في الاستعداد لنكونَ مِمَّن ينصر الامام (عج) في اليوم الموعود، فالقضيَّة ليست شعارات أَو إِنشاء مرصوصٌ بمعسولِ العِبارات أَو كلمات ودعوات نردِّدها كالببغاء من دونِ أَن نفهم محتواها وجوهرها!.

   وإُنَّ من أَبرز وأَخطر ما نُمتحنُ به يومياً هو العدل، فهو المعيار الحقيقي للنَّجاح إِستعداداً للنُّصرة، أَولَم يكن الهدف الأَسمى ليومِ الظُّهور هو أَن {يملأ [الامام] الأَرض قِسطاً وعدلاً}؟! فكيف يمكنُ أَن يكون الظَّالم نصيراً للامام؟ وجنديَّاً من جنودهِ؟! ولا فرقَ هنا ما إِذا كان المرءُ ظالماً في بيتهِ وأُسرتهِ أَو في مجتمعهِ أَو في علاقاتهِ مع الآخرين، فالظُّلم ظلمٌ له معنىً واحِداً لا يمكنُ أَبداً تحزئتهُ أَو أَن يتنوَّعَ فظلمٌ محمودٌ وظلمٌ مذمومٌ! ولذلك قال تعالى في محكمِ كتابهِ الكريم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

   *يتبع

   *ملخَّص الكلمة التي أَلقيتُها في مهرجان الأَمان الثَّقافي السَّنوي التَّاسع الذي تقيمهُ هيئة الامام الصَّادق (عفي مدينة الدِّيوانيَّة في ذِكْرى مولد الأَمل في الخامس عشر من شعبان المُعظَّم من كلِّ عامٍ.

محرر الموقع : 2017 - 05 - 23