أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (٢)
    

    نــــــــــزار حيدر

   {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

   إِذا اعترفتَ بضعفِك جاهدت نفسكَ، أَمَّا إِذا كابرت فتأكَّد بأَنَّك الى نُقصان!.

   إِنَّ تقرير حقيقة أَنَّ النَّفس أَمَّارةً بالسُّوء يعني أَنَّ التَّغيير يبدأ منها وليس من غيرِها، ولذلك ينبغي أَن نجتهدَ في هذا الشَّهر الفضيل لمعرفة كوامنِها ونقاط ضعفها وما ينبغي إِصلاحهُ فيها، فاذا انتهى الشَّهر وقد حقَّقنا انتصاراً من نوعٍ ما على الذَّات فهذا يعني أَنَّنا اقتربنا خطوةً نحن الاصلاح الأَشمل، الاصلاح المُجتمعي!.

   إِنَّ أِعظم ما ينجزهُ المرء هو أَن يعرف نَفْسه، فالعلمُ بها يُسهِّل عليه عمليَّة الاصلاح المطلوبة، والى هذهِ الحقيقة أَشار أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {أَفضلُ العقلِ معرفة المرء بنفسهِ فمَن عرِف نَفْسَهُ عقِل ومَن جهلَها ضلَّ} وقولهُ (ع) {عجبتُ لمَن يُنشد ضالَّتهُ، وقد أَضلَّ نَفْسَهُ فلا يطلبَها} وقولهُ (ع) {عجِبتُ لمَن يجهَل نَفْسَهُ كيف يعرف ربَّهُ}.

   كما أَنَّ معرفة النَّفس الدَّليل الى مجاهدتِها، فزيادةً في خُلُقٍ أَو نقصانٍ من رذيلةٍ، ولذلك قال أَميرُ المؤمنين (ع) {من عرِف نَفْسَهُ جاهدها ومَن جهل نَفْسَهُ أَهملها}.

   وإِنَّ معرفة النَّفس رأس كلّ معرفةٍ أُخرى، فكيف يعلم المرءُ اذا جهل نَفْسَهُ؟! فلقد قال أَميرُ المؤمنين (ع) {من عرِف نَفْسَهُ فقد انتهى الى غايةِ كلِّ معرفةٍ أَو علمٍ} وقولهُ (ع) {لا تجهل نفسكَ فانَّ الجاهل معرفةَ نَفْسهِ جاهلٌ بكلِّ شيءٍ}.

   إِنَّ الآيةِ المُباركة {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} تُشيرُ الى حقيقتَين مهمَّتَين؛

   الأُولى؛ هي أَنَّ تجاهل المرء لنواقص النَّفس أَو الذَّات هو ظلمٌ ذاتيٌّ، لأَنَّ الله تعالى الذي خلقَ العبد هداهُ الى طريقَين لا ثالثَ لهُما أَلا وهما طريق الخيرِ وطريق الشرِّ، ثم خيَّرهُ عندما منحهُ حريَّة الارادة والاختيار، ولذلك فانَّ أَيَّ انحرافٍ في النَّفس إِنَّما هو بسبب ظلم العبد لها لأَنَّهُ أَخطأَ في الاختيار أَو على الأَقلِّ تماهل فيه ولم يسعَ لاكتشاف الطَّريق السَّليم.

  يقولُ تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقولهُ تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.

   الثَّانية؛ هي أَنَّ أَهم أَسباب الغفلة عن إِصلاحٍ الذَّات هو عندما يتَّبع الانسان آخر إِتِّباعاً أَعمى، خاصَّةً عندما يتورَّط بمرض عبادة الشَّخصيَّة أَو ما يسمِّيه القرآن الكريم بعبادةِ العجْلِ كما في قولهِ تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.

   إِنَّ هذا المستوى من العبادة للعِجل الذي يتمثَّل بصورٍ شتَّى كالقائد الضَّرورة والزَّعيم الأَوحد وغيرِها من الأَسماء والمسمَّيات! يحول دون إِنتباهِ المرء لنفسهِ فلا يسعى وقتها لاصلاح الذَّات أَبداً لأَنَّهُ يسير وراء من يتصوَّر بأَنَّهُ إلهه من غير علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منير!.

   إِنَّ عبادة العجْلِ تصنع للمرءِ سقفاً لا يمكنهُ تجاوزهُ لاصلاح الذَّات أَبداً إِلَّا بتحطيم العجْلِ وهو الأَمرُ الذي فعلهُ نبيُّ الله موسى عليه السَّلام ليُطلق العَنان للاصلاح والعودة الى الله مرّةً أُخرى!.

   يحدِّثنا تعالى عن القصَّة بقولهِِ {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}.

   ولا ننسى فانَّ إِغفال النَّفس من خلال الإصرارِ على المُكابرة هو أَشدّ الأَمراض النّفسيّة خطراً على المرء، فلقد قال تَعَالَى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

   وهو المرض الذي يرفض بسببهِ المرء مجرَّد الانتباه الى الذَّات حتَّى إِذا نبَّههُ الآخرون! بل إِنَّهُ يعتبر نَفْسه على حقِّ وأَنَّ غيرهُ هو المُنحرف وعلى باطل!.

   يقولُ تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}.

محرر الموقع : 2017 - 05 - 27