مسؤول بالخارجية الأمريكية: داعش أوصل قطاع صناعة أسلحته لمستوياتٍ عالية
    

عثرت القوات العراقية نهاية الربيع الماضي على ثلاث قذائف هاون لتنظيم داعش في الموصل كان يتدفق منها مادة سائلة عجيبة، وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن المادة السائلة شبيهة بمادة الـ (C4) التي تعمل عند انفجارها على إحداث حروق في الجلد والجهاز التنفسي للضحايا، وكانت هذه  المرة الأولى التي يتم فيها العثور على قذائف هاون لداعش تم تعبئتها بتلك المادة بأسلوب خاص.

المجموعات الإرهابية المسلحة تستطيع في نطاق محدود الوصول إلى أسواق الأسلحة العالمية، لذا تضطر تلك المجموعات في أغلب الأحيان لصناعة  أسلحتها بنفسها، وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، سوليمون بلاك، الذي تابع التحقيق في أسلحة داعش، لنيويورك تايمز، إن "داعش أوصل قطاع صناعة أسلحته إلى مستوى جديد، وحتى الآن لم نجد مجموعة دولية تقوم بصناعة تلك الأسلحة والمتفجرات".

"نيويورك تايمز" عثرت على الكثير من تلك التحقيقات المتعلقة بصناعة الأسلحة عند داعش خلال عام 2014 تضم صوراً وتفاصيل أغلب تلك الأسلحة والمتفجرات، وتظهر أيضاً أن داعش كان يمتلك نظاماً متطوراً لصناعة الأسلحة ضم أقساماً للبحث والتطوير وتوزيع الأسلحة.

أحد التقارير يتحدث عن مادة استخدمها داعش لتفخيخ المناطق لتنفجر بعد انسحابه منها، وإحدى الحالات سجلت في الرمادي، حيث قام داعش بزرع كمية من المتفجرات تحت عدد من المنازل وقام بتوصيل فتيل التفجير بلوحات تنظيم الكهرباء في أحدى الدور، وعندما وصلت القوات العراقية إلى الحي وطالبت العوائل بالعودة إلى منازلها، وأثناء تشغيل مفتاح الكهرباء الموصول بفتيل التفجير انفجرت الدور المفخخة كلها، وتتحدث مديرة حملات منظمة مساعدات الشعب النرويجي، سنور توفيق، في تقريرها عن ذلك الملف عن مقتل جميع أفراد العوائل العائدة إلى تلك الدور.

المشاعل النفطية والكهربائية هي أيضاً لأدوات استخدمها داعش للتفخيخ، وهي أدوات تستخدمها العوائل النازحة العائدة إلى مناطقها بكثرة، وتتحدث منظمة نرويجية مختصة بإبطال الألغام في تقرير لها عن أنها سجلت حالات مماثلة قرب الموصل، وبحسب التقرير فإن الألغام كانت موضوعة داخل مولدات الكهرباء بحيث إذا تم تشغيلها ستنفجر على الفور.

داعش سيطر لأكثر من ثلاثة أعوام على مناطق شاسعة من العراق وسوريا، حيث لم يكن هناك أي رقابة استخبارية ولا دولية، وهذا مهد الطريق له ليصنع الأسلحة بعيداً عن أي رقابة وبكل حرية، ويقوم بتجارب كبيرة في ذلك المجال، وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية فإن قسماً من أسلحة ومتفجرات داعش صنع وفق المعايير الدولية، فقد أظهر قدرة صناعية كبيرة في مجال صناعة الأسلحة.

خلافة داعش انتهت على أرض الواقع، لكن المسؤولين الأمنيين يحذرون من أن خطر المنظمة لا زال كما هو، خاصة خطر المسلحين الذين يمتلكون خبرة كبيرة في مجال صنع الأسلحة والمتفجرات، ويرى خبير العبوات الناسفة والألغام في القوات الأمريكية، إيرنست براخاس، أن "مسلحي داعش ينشرون معلوماتهم في كل أنحاء العالم، وأنهم إذا لم يبقوا في العراق وسوريا، فسيتجهون إلى الفلبين وإفريقا، لذا فإن خبرة داعش في صناعة الأسلحة تزداد باستمرار".

الانهيار السريع لنظام البعث في العراق، وحل المؤسسات العسكرية من قبل التحالف وإهمال المؤسسات العراقية فيما بعد كانت عاملاً رئيساً لتصل المجموعات السنية والشيعية المسلحة إلى الإمكانات المادية لتؤسس لصناعة الأسلحة، لكن اتساع المناطق الحضرية تحت سلطة داعش والمدة الطويلة لحكمه في تلك المناطق كان سبباً آخر في تطور صناعة الأسلحة لدى التنظيم، خلال السنوات الثلاث الماضية سيطر داعش على العديد من المحلات، المخازن، المعامل، المختبرات الكيميائية، ومختبرات الجامعات، مما أتاح له فرصة إثراء بنيته التحتية لصناعته الخطرة.

لكن هذه الصناعة كانت بحاجة إلى مؤسسة إدارية واسعة لتراقبه، ويشير مسؤول عمليات مركز التحقيق في الأسلحة والمعارك (CAR) في سوريا والعراق، دامين  سبليترز، إلى أن "نظام صناعة أسلحة داعش لديه القدرة على النهوض، وإحدى مشاريع داعش في هذا المجال بدأ عندما كان التنظيم يواجه أكبر تهديد في الموصل، وحتى إن خسروا منطقة، فهم يستطيعون إدامة تلك الصناعة".

بحسب تحقيق لمركز (CAR)، فإن نظام الإدارة لصناعة لداعش كان دقيقاً للغاية،  ويقول سبليترز إن الأسلاك التي كانت تستخدم في صناعة القنابل كانت تحسب بالسنتيمترات، وقبل أن تفرغ المخازن كانوا يطالبون بملئها، وقد كانت لهم استمارات خاصة بذلك، ويقول مدير العمليات في منظمة نرويجية  لإبطال الألغام في العراق، كريغ مكينالي، إن صناعة أسلحة داعش كانت تابعة لمركز قيادة داعش.

ما حير خبراء إبطال الألغام هو أسلوب تصميم القنابل والألغام لدى داعش الذي كان في أغلب الأحيان يصنع على شكل قطع ليستطيع المسلح تركيبها بسهولة عند الضرورة، وكشف مكينالي الذي رأى العديد من قنابل داعش لـ"نيويورك  تايمز"، إنه "يمكن تركيب تلك القطع ببعضها عند الضرورة، هذا عمل ذكي وملفت  للنظر".

ويضيف التحقيق في قنابل داعش أن تلك الصناعة تطورت على مراحل، لأنه في البداية لم تكن تصنع القنابل جيداً، لكن عندما خسر في الموصل استفاد من عدد من القنابل لتفخيخ القرى حول الموصل، وتلك القنابل بقيت لمدة طويلة.

لكن صناعة الأسلحة والمتفجرات عند داعش لم تكن بلا مشاكل، كما يظهر في  التقرير، فإحدى تلك المواد التي لم يستخدمها داعش خوفاً على مسلحيه هي "الصوديوم الهايدروكسايد" التي تستخدم في صناعة الأسلحة، وتستطيع الإضرار بالجلد ونظام التنفس.

أغلب العبوات الناسفة والأحزمة الناسفة استخدمها داعش ضد البيشمركة والجيش والشرطة العراقيين، ويقول آسو محمد، الذي يعمل لدى مؤسسة سويسرية لإبطال الألغام، إن 60% من شهداء البيشمركة قضوا بسبب العبوات الناسفة.

محرر الموقع : 2017 - 12 - 25