اللاشيء والشيء والشيء كله
    

علي علي

 

   قبيل بدء الفصل التشريعي الأخير لمجلس نوابنا منذ أيام، صرح مقرر المجلس بما يأتي: "ان رئاسة المجلس قد تعقد اجتماعا لوضع خارطة طريق للفصل التشريعي الجديد".

وبما أنه استخدم الأداة (قد) قبل الفعل المضارع (تعقد) فإن وظيفتها هنا نحويا تكون للتوقع، الا انه -لسوء حظ العراقيين- أوضح ان "رؤساء الكتل لم يقرروا اجتماعهم بعد". وبهذا يحضر مثلنا القائل: (يافرحة الماتمت).

   أذكر مقولة تنسب لرائد الطيران الألماني (أوتو لينينتال)، هي مقولة قد تكون بعيدة عن اي موضوع يومي صميمي يهمني او يهم قارئ سطوري او اي عراقي (أمَرّ من حالي)، فمعلوم ان العراقي اليوم بظل سياسات قادته، ونهجهم في إدارة مفاصل البلد، صار بين مطارق الـ (خبزة) وكيفية الحصول عليها.. وبين سندان الآفات التي تسرقها من بين يديه بل من بين فكيه، كما يقول شطر الدارمي؛ (من الحلگ وتطيحين يالموش اليه). المقولة هي:

“ان اختراع طائرة يُعد لاشيء، وبناء واحدة يُعد شيئا، أما جعلها تطير فهو كل شيء”.

  وبتحقيق الخطوة الأخيرة من المقولة، يكون الإنسان هذا الجرم الصغير، قد أتى بعمل عظم من شأنه وصار كفئا لينطوي عليه العالم الأكبر. وقد شدَّت هذه المقولة انتباهي لما يدور في مجتمعنا، بعد زوال حقبة زمنية مرت علينا، عشنا فيها مرغمين حياة تعسف وظلم وتقييد واضطهاد. حيث كان فيها القرار فرديا -وان كان خاطئا- ومن دون مشورة، لكنه يسري ويطبق شئنا ام أبينا!.

  ولو قارنا بين قرارات الامس وقرارات ساستنا اليوم، مع مقولة "أوتو" التي تتضمن ثلاث مراحل هي: اختراع، بناء، تفعيل، للمسنا ان قرار الامس يُقدَّم ويصدر ويُنفَّذ، في آن واحد وآنية واحدة، وهي ذاتها المراحل الثلاث التي أشار اليها صاحبنا الطيار الالماني. اما قرارات اليوم فهي تتمثل بالمرحلة الأولى وهي: اختراع القرار حيث يـُقدَّم الى الجهة المسؤولة المشرعة -وهي عادة مجلس البرلمان- وهنا سأتفاءل وأحسن الظن في نوابنا وكتلهم ورؤسائها، وأقول أن القرار يأخذ انسيابيته لتهيئته للمرحلة الثانية وهي البناء. إلا أنني حتما سأصطدم بترسانة قاسية، تجبرني على العودة الى التشاؤم واليأس مجبرا ومسيرا، إذ سيدرس كل عضو في المجلس مدى فائدة هذا القرار ونفعه الى كتلته او حزبه او قائمته او ربعه وجماعته. بعدها تتحول المناقشة الى عمليات تحوير وتعديل وتشذيب وسحب ومط لهذا القرار من قبل السادة الأعضاء، فهم يثبتون ولاءهم للعراق بتطبيق المثل العراقي (كلمن يحود النار لگرصته). والكلام يطول عن مرحلة بناء القرار، إذ يتخللها اجتماع غير مكتمل النصاب وآخر مصادفته يوما قائظا، لاسيما ونحن نعيش منتصف درجة الغليان هذه الأيام، وثالث تقاطعه إحدى الكتل لجملة أسباب جاهزة عند الطلب ومتوافرة عند الاحتياج، الى ان ينتهي المطاف الى قرب موسم الحج ثم العمرة، وتأخذ الأعذار مأخذا يذكرني بقول ابن الطثرية:

          وكنت إذا ماجئت جئت بعلـة   

                                  فأفنيت علاتي فكيف أقول

    وبالدعوات والصلوات والشافعات شفعا والدافعات دفعا، تقابلها النذور والبخور والسحور وبـ (ألف ياعلي) يتم بناء القرار الذي ينتظره ملايين العراقيين، وبذا انتهت المرحلة الثانية التي أشار اليها الرفيق مؤسس المقولة المذكورة. وما ان يتحضر السادة النواب للولوج في المرحلة الثالثة والمهمة وهي تنفيذ القرار، إذا بهم يعلنون بدء الاجازة السنوية لمجلس النواب، وإرجاء المرحلة الثالثة الى مابعد اجازتهم. وبذا تكون مقولة (أوتو) قد فُندت وانتهى مفعولها السحري، وصارت خرافة وليست حكمة، بفضل تخطيط نوابنا -بل تخبطهم- في مراحل أداء أعمال برلماننا.

محرر الموقع : 2017 - 07 - 15