المعركة لازالت مستمرة
    

ثامر الحجامي

      وانتهت معركة الموصل؛ آخر قلاع الكيان الداعشي ومركز انطلاقته الأولى، ليتحول هذا الكيان الى عصابات متناثرة، بعد أن أريد له أن يكون له دولة بدعم من قوى عالمية وإقليمية، هيئت له السلاح والعتاد وجندت له شذاذ الآفاق من كل أصقاع العالم، لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإقامة دويلات ضعيفة على أسس طائفية .

     لم يكن الانتصار على داعش هينا في حرب استمرت ثلاث سنوات، فقد استهلك الكثير من الموارد المالية للعراق، وسط ميزانية خاوية استهلكها الفساد المالي والإداري، وتقاعس الدول التي تدعي محاربة الإرهاب عن دعم العراق، وإمداده بالسلاح والعتاد اللازم للمعركة، فضلا عن تدخلات التحالف الدولي في مجريات المعركة مرات عديدة، أثرت على سير المعارك وعطلت موعد الانتصار، الذي تحقق بجهد عراقي خالص أنجزه رجال أشداء، من القوات الأمنية العراقية وفصائل الحشد الشعبي، وشعب وقف خلفهم بكل إمكاناته المادية والمعنوية، من اجل طرد خفافيش الظلام وتحرير آخر شبر من تراب وطنه، وإسقاط مخططات الأعداء التي تكسرت على صخرة الشجاعة والصمود لأبناء العراق .

     قدم العراقيون خلال هذه المعركة، الكثير من التضحيات والدماء الطاهرة التي سالت على سواتر الجهاد، دفاعا عن حياض الوطن وأرضه، وتخليصه من أعتى هجمة بربرية لم يشهد العالم لها مثيلا، والكثير من الضحايا الأبرياء في المناطق التي احتلتها عصابات داعش الإجرامية، الذين كانوا عرضة للقتل والتنكيل وحفلات الإعدام وسبي النساء وتيتيم الأطفال، وتحولت مدن القتال الى خرائب مهجورة وبنايات مهدمة، ولم يبق اثر للمشاريع العمرانية والصناعية في تلك المدن، بعد أن استولت عليها عصابات الإرهاب وحولتها الى سلعة للبيع والمتاجرة للحصول على الأموال، أو معسكرات للتدريب وساحات للقتال، تحتاج للكثير من الأموال والجهود لإعادة إعمارها، فيما بقيت مدن المحررين التي لم تصلها عصابات داعش، تعاني العوز والإهمال وتوقف الإعمار فيها بسبب تحويل أموالها لإدامة الحرب، حتى أصبحت أكوام المزابل بمستوى سطوح الأبنية .

    ولكن المعركة لم تنتهي بعد، على الرغم من إعلان تحرير مدينة الموصل، وتحول دولة داعش الى عصابة، فما زال هناك قضاء الحضر والحويجة، وكذلك الكثير من مناطق الرمادي والصحراء المحيطة بها، إضافة الى مسك الحدود السورية العراقية، لمنع العصابات الإرهابية من معاودة الدخول الى ارض العراق مرة أخرى، وكل هذا يحتاج الى الكثير من التضحيات الجسام التي يجب على العراقيين أن يقدموها، في سبيل تخليص بلدهم من الجرذان التي جلبت جرثومة الموت الى أرضه، فمازالت المعركة مستمرة مادام هناك عدو متربص يتحين الفرص، ومادام هناك بقعة لم تفرض القوات العراقية سطوتها عليها، فعلينا أن نستفيد من درس الماضي وان لا نترك للإرهاب أي متنفس يتنفس من خلاله، وتجفيف منابعه أينما كانت .

لقد حقق العراقيون المهم، واقتلعوا الشجرة الخبيثة من جذورها وها قد يبست أوراقها، ولكن هذا النصر يجب أن لا يلهيهم عن اقتلاع الأشواك المتناثرة هنا وهناك، حتى لا تعود للنمو في خاصرة الوطن، فالأهم لم يتحقق بعد وهو إكمال تحرير كل العراق، وتحقيق الأمن في ربوعه وإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء شعبه الذي فرقته الشعارات الطائفية، والقضاء على الفساد الذي كان شريكا للإرهاب في الويلات التي جرت على هذا الوطن، كل ذلك يجعل من معركة العراقيين مستمرة ولن تتوقف . 

محرر الموقع : 2017 - 07 - 23