*ضرورة إبعاد الحرم الآمنة عن القتال*
    
بمناسبة موسم الحج
إعادة نشر موضوع
نشر في سنة 2003
 
 
*ضرورة إبعاد الحرم الآمنة عن القتال*
16 يونيو 2003  
*محمد جواد الدمستاني*
 
يوم أمس الأحد 15 يونيو 2003  جرى اشتباك في مكة المكرمة بين الشرطة و إرهابيين مفترضين (كما سماهم مصدر إعلامي سعودي) أوقع عشرة قتلى بينهم خمسة من عناصر الأمن السعودي و جرح خمسة من قوات الأمن في الاشتباك وعثرت الشرطة (كما قال المصدر) في أحدى الشقق  على كمية من المتفجرات و الأسلحة، و في بداية هذا الشهر حدثت اشتباكات و اعتقالات في المدينة المنورة، و هذا يذكرنا بالأحداث المؤلمة التي وقعت في الحرم الآمن و منها ما هو قريب كمجزرة مكة التي تم فيها قتل ما يقارب 400 حاج إيراني من ضيوف الرحمن في 1987 ميلادي، و قضية جهيمان العتيبي التي بدأت في الأول من محرم 1400 هـ  20 نوفمبر 1979 م  و سفك فيها الدم داخل المسجد الحرام،  ما نتساءله هنا هو إلى أي مدى تلتزم الأمة  كل الأمة  بحكامها و شعوبها بالأحكام الشرعية الإسلامية  و منها حرمة الأماكن المقدسة و أمنها و قدسيتها  و بالتالي مدى صدقها بالالتزام بالدين.
 
إنّ قدسية و أمن حرمة الحرم المكي و منه البيت الحرام و مكة من الأمور التي يتفق عليها المسلمون و نزلت بذلك الآيات القرآنية فقال الله تعالى في كتابه الكريم :
 
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا....) سورة آل عمران 96-97
 
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) سورة إبراهيم 35 .
 
قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة : ( فإن هذا بلد حرم الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ) صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 214
 
 و  جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : 
 
إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب ) مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 4 - ص 31 ، صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 213 ، صحيح مسلم - مسلم النيسابوري - ج 4 - ص 110 ، سنن النسائي - النسائي - ج 5 - ص 205 . 
 
و الحرم ليس هو مدينة مكة و بيوتها بل أوسع من ذلك وهي منطقة محدودة و معلومة مأخوذة يداً بيد  و تسمى أطرافها حدود الحرم حيث يحدّه من الشمال (التنعيم) ومن الشمال الغربي (الحديبية) "الشميسي"، ومن الشمال الشرقي (ثنية جبل المقطع) ومن الشرق (طرف عرفة من بطن نمرة)، ومن الجنوب الشرقي (الجعرانة) ومن الجنوب الغربي (إضاءة لبن).
 
و في هذه المنطقة بأكملها  يحرم صيد البر...، و قلع كل شيء نبت في الحرم أو قطعه من شجر وغيره ...، و أخذ لقطة الحرم على قول... (و به تفصيل) ، كما يحرم إقامة الحد أو القصاص أو التعزير على من جنى في غير الحرم ثم لجأ إليه، فإنها غير جائزة، ولكن لا يطعم الجاني ولا يُسقى ولا يُكَلمّ ولا يُبايَع ولا يؤوى حتى يضطر إلى الخروج منه فيؤخذ ويعاقب على جنايته.مناسك الحج،السيد السيستاني، و تسمى في فقه الحج محرمات الحرم و تتوجب على الموجود في الحرم سواء كان محرما أو غير محرم ، و هي تختلف عن محرمات الإحرام أو تروك الإحرام التي تتوجب على المحرم في حال إحرامه كلبس المخيط أو ما بحكمه للرجل ، و الصيد البرّي، و مجامعة النساء ، و استعمال الطيب ،  الفسوق ،المجادلة ، قتل هوام الجسد ، إزالة الشعر من البدن .... و غيرها .
 
و لقد كان أسلوبا من أساليب أهل البيت عليهم السلام في تعظيم شعائر الله إصرارهم على إبعاد الحرم الآمنة عن الثورات ، فعلى الرغم من كثرة ثورات العلويين و أصحابهم  لم تنطلق أيّ منها من مكة أو المدينة ، و قد خرج سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهم السلام من مكة لئلا يكون الكبش الذي تستحل به حرمتها ، وكان يقول لعبد الله بن الزبير بعد حوار كان بينهما في مكة:
 
(إن أبي حدثني أن لها كبشاً به تستحل حرمتها، فما أحب أن أكون ذلك الكبش. ثم قال له: والله لئن أقتل خارجاً منها (مكة) بشبر أحب إليّ أن أقتل فيها، ولئن أقتل خارجاً منها بشبرين أحب إليّ من أن أقتل خارجاً منها بشبر، وأيم الله لو كنتم في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم). الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 - ص 38
 
هذه الضرورة يوجبها الحكم الشرعي على كل المسلمين بالابتعاد عن الحرم المكي و الأماكن المقدسة في القتال و الاشتباكات ، و يؤمن الالتزام به بقاء هذه العتبات مقدسة في قلوب و نفوس المسلمين و غيرهم ، و تلافي سقوط أعداد كبيرة من المسلمين متعددي الجنسيات بسبب كثافة التواجد فيها حيث تستقبل المسلمين بشكل يومي .
 
إنّ سفك الدم حرام و يشتد حرمة بوقوعه في الحرم الآمنة و العتبات المقدسة و بيوت الله.
محرر الموقع : 2017 - 08 - 17