كرنفال الانتحار في ذي قار!
    

امجد العسكري

 

استل سلاحه واطلق رصاصة الموت في رأسه، بدل من نثر الحناء على جسدها نثرثسائل البنزين و اشعلت عود الكبريت، فنبعثت روحها كأنبعاث دخان عيدان البخور، اسرتلحبيبها سراً فتآمروا على قتل زوجها الذي لم يفز بقلبها، هناك بين نباتات الصحراء وضعحبلاً حول رقبته فتسلقت انفاسه الى السماء. 

 

الرحمة!  ماذا اصاب مدينة ابراهيم الخليل، ماذا اصاب شعب سومر والزقورة، ماذااصاب بنات عشتار والقيثارة، ماذا اصاب مشحوف الهور، كأن طوفان اليأس قد دب فيسفينة نوح، فأغرق مخلوقات الامل والتشبث بالحياة، وطائر الفلامنكو هجر مستنقعاتالاهوار فلم ترقْ له مجازر النفس تجاه النفس، تلطخ خدي شبعاد برماد اليأس والحرمان،وتمحورت عيناها تجاه الانتحار.

 

تلعثمت التكهنات بداخل عقلي، وتبعثرت مصفوفة افكاري، وانا افكر في اسباب الانتحار،وحالة القتل الشنيعة التي مورست في مدينتي ذي قار، حيث نقلت صحف الناصرية قبلايام قليلة مضت ان القوات الامنية عثرت على رأس فتاة في ريعان شبابها والبحث مازالجاري عن  جثمانها، وفي حادث منفصل رصدت شرطة الجنايات، ان فتاة  في الثلاثين فيعمرها، قد قتلت زوجها بأتفاق مسبق مع حبيها وهو اخ القتيل.

 

كان مبدأ مداورة الافكار منشغل في ذهني، حتى استوقفتني البراءة متمثلة بطفلة بالكادتنطق بكلمة "عمو نطيني ربع" عندها وَضعت النقاط على الحروف وقلت في نفسي لعلالحرمان في الصغر ممكن ان يخلق وحشاً في الكبر، وقفت هنيهة لاتفحص تجمع مجموعةشباب في عمر الصبا قد اصطفوا بالطابور  على مقاهي الانترنت التحاقا بقطار الموت فيسلك الشرطة، لسد النقص الحاصل في صفوف القوات العراقية بأراضي الموصل وتلعفر،فأعداد الشهداء في تزايد لا نحسد عليه.

 

ليت شعري، ما ارخص تلك الارواح بداخل تلك الاجساد التي ارهقها النوم في ساعاتمتأخرة من اليل، والاستيقاظ في منتصف النهار، فبضاعة الجلوس في المقاهي واحتساء"النركيلة" بكل مضارها، اصبح من هوايات الشباب في مدينتي، اكملت طريقي على مهل،وقدماي تدحرج صغير الحصى، فأستقرت احدها بجوار رجل هرم، افترش الرصيف دونالديار، وقد علمت من الناس بجواره ان ابنائه قد طردوه، فأصبح بلا مأوى.

 

مازلت اجهل تلك الاسباب التي تجعل رجل في اخر العمر يحرق نفسه في اول تراتيلالصباح وامام أعين الناس وصاحب هذه السطور، فَّسر المتخصصون بعلم النَّفْس واطباءالتوتر والاضطراب، ان مايدفع الناس للانتحار في هذه المدينة -المشهورة بكرم اهلناوترحيب بالضيف حتى صارت تكنى "ولاية الغريب"- هو اسباب مادية اكثر من كونهامعنوية، والعرف العشائري الطاغي على اغلب مبتغيات الارتباط الاسري باختيار النصفالاخر.

 

ان مايعتقده كاتب هذا المقال ان التغيرات داخل الروح المكنونة بأجساد شعب المدينة، التياتعبها روتين الحياة، واختنقت بمتطلبات المعيشة، فأصابتها التشنجات، وغاب عنهابصيص الامل، وزين لها الشيطان قبح افعالها، فأقدمت على اسوء الاختيارات وهوالانتحار، ان غياب التعبئة في التنمية البشرية كان له الاثر الواضح في عدم السيطرة علىالنفس بساعات الغضب والتوتر.

 

مهما تعددت الاسباب والدوافع، لا اجد مبررا بأزهاق تلك الروح التي اودعها الله سبحانهامانه في اعناقنا، فكل شيء راجع اليه طوعا او كرها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فهورحيم بالعباد، وشديد العقاب، فتقديم الرحمة على العقاب في محكم كتابه، ماهي إلا دلالةوعلامة على رحمته جل وعلا، ترتعد مفاصل اليأس بقول الشاعر؛ 

 

ضاقت ولما استحكمت حلقاتها

فرحت وكان يضنها لا تفرج

 

فمصائب وتداعيات الحياة تنقضي كما تتقضي سنين العمر، وليس لها سوى بعض منالصبر، والايمان بما كتب الله علينا، وما كتب على نفسه من الرحمة.

محرر الموقع : 2017 - 09 - 12