لماذا لا أكتب في الموضوعات الخلافية ؟
    

                                    د. علي المؤمن

    تصلني كثير من الرسائل على الخاص يطلب فيها أصحابها أن أكتب في موضوع محدد أو في حدث يشغل الساحة ويشعل وسائل التواصل الإجتماعي؛ بل يستغرب بعضهم أني لا أكتب في أحداث بعينها. ففي الفترة الأخيرة ـ مثلاً ـ طلب كثير من الأصدقاء أن أكتب حول زيارة السيد مقتدى الصدر الى السعودية (وصلتني 46 رسالة على الخاص أو على الوتساب تستفزني لأكتب في هذا الموضوع)، وألح آخرون أن أكتب عن اتفاق حزب الله حول نقل مقاتلي داعش من عرسال الى البو كمال؛ بينما تكثر الرسائل التي يود أصحابها أن أكتب عن الفساد في العراق ومظاهره ورموزه؛ ولاسيما مايرتبط بالمسؤولين الشيعة، أو عن موقف حكومة السيد العبادي من الحشد الشعبي، ومستقبل الحشد بعد التحرير، أو عن الخلافات داخل قيادة حزب الدعوة، وتحديداً بين السيد المالكي والسيد العبادي، وكذا عن الخلافات بين السيد عمار الحكيم والمجلس الأعلى قبل وبعد تأسيس تيار الحكمة، ومستقبل هذا التيار، أو موقف بعض رموز شيعة السعودية والبحرين من حكومتيهما، أو ماتبثه الفضائيات التي يمتلكها التيار الشيرازي وواقع هذا التيار وعلاقاته، أو سبب عدم اللقاء بين المرجع الأعلى السيد السيستاني والمرجع السيد محمود الهاشمي خلال زيارة الأخير الى العراق.    

     أقول للأحبة: إن هذه الموضوعات تدخل في صلب اهتمامي ومتابعتي؛ لأنها تمس صميم واقعنا العراقي والشيعي، ولي فيها رأي وتحليل، وأمتلك أزاءها مواقف محددة مبنية على حجم المعلومة ونوعها من جهة، وعلى طبيعة انتماءاتي من جهة أخرى؛ لأني؛ وإن كنت باحثاُ أتجرد من التزاماتي العاطفية والسياسية خلال التحليل والوصول الى الحقيقة؛ ولكني لست حيادياً أزاء ماتمليه عليّ هويتي الإنسانية والدينية والوطنية والإجتماعية ـ المذهبية.

      ومن منطلق هذا الإنتماء والالتزام؛ أرى أن طرح هذا اللون من المسائل الخلافية داخل البيت الشيعي الواحد، وكشف خصوصياتها والمعلومات عنها، والإعلان عن الموقف حيالها؛ عمل خاطئ؛ بل محرّم غالباً؛ لأنه في أقل التقادير يؤدي الى مزيد من الشحن العاطفي، ويساهم في التصعيد الإعلامي والاحتراب الكلامي، وربما الصدام الميداني داخل الشارع الواحد، وبين الأشقاء والأقرباء والأصدقاء؛ ولاسيما أن وسائل التواصل الإجتماعي باتت ساحة مفتوحة للفتنة والتفرقة والتضليل والكذب والافتراء والبهتان والنميمة والتشهير والبذاءة والشتائم والتهديد ونشر الغسيل وهتك الحرمات وتصفية الحسابات، وكل ألوان النشر الحرام؛ دون أية ضابطة أو وازع من إنسانية ودين وضمير وعرف اجتماعي و حياء، وغالباً مايكون صوت الجهلاء والمنفلتين والكذابين وأصحاب الفتنة هو الأعلى، وهو مايصب في مصلحة الخصوم الحقيقيين لساحتنا الوطنية والشيعية. وأزعم أن ما يصلني من معلومات في الموضوعات والأحداث التي ذكرت بعض نماذجها أعلاه؛ مهم ودقيق؛ ولكن؛ ما كل مايعرف يقال.

     وهذا لايعني أني أقف موقف المتفرج أزاء هذه الأحداث والموضوعات؛ فإن كتبت يوماً فسأكتب ما أعتقد أن فيه مصلحةً لرأب الصدع وخفض منسوب الشحن والتوتر بين جماهير الأطراف المختلفة. فضلاً عن أني أعبر عن الموقف الذي أراه صحيحاً لأصحاب الشأن مباشرة، وأقوله أمامهم؛ بكل الوسائل الخاصة المتاحة؛ دون تردد أو وجل؛ لأني أعتقد أن خلافات أبناء البيت الواحد ينبغي أن تكون أمانات وأسرار، وهو ماتقتضيه المصلحة الشرعية؛ ولاسيما أني لا أعدّ أياً من أبناء هذا البيت خصماً أو عدواً؛ وإن خالفتهم الرأي وعارضتهم؛ لأنهم جميعهاً صحبي وعشيري وأهلي الذين أمارس معهم واجب النصح والردع والرفض في الخفاء. وبالتالي؛ فإن تقريب وجهات النظر ورأب التصدعات وتصحيح المسارات وإصلاح الأمور هي حاجات أساسية ومصيرية، وقد أوصانا أمير المؤمنين (ع) أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان.

     وفي الوقت نفسه؛ أستغرب كثيراً ممن يكتب وينشر دون شعور بالمسؤولية أزاء الأخلاق والدين والمذهب والوطن والمجتمع وحرمات الناس، ويمارس أبشع ألوان التخريب والتفرقة والتمزيق والتسقيط والتضليل والتشويه، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ يعتقد أنه صاحب قناعة، ويرى أن مايكتبه وينشره قائم على الإلتزام الأخلاقي والإنسانية والتدين والوطنية. والحقيقة أنه أنه أعمى البصيرة ومتعجل و موتور وحاقد و ناقم  وضال ومريض نفسياً. وإذا كان العتب واللوم كبيرين على هذا الضال؛ فلأنه لايزال داخل خيمة البيت الواحد. أما من يحمل أجندة تخريبية مدفوعة الأجر؛ فلا عتب عليه؛ لأنه خائن ومأجور. ولكن ربما لايعلم هذا المأجور بأن خيانته لهويته الدينية والوطنية والمذهبية ـ الإجتماعية؛ إنما ستحرق أصابعة أيضاً؛ لأنه يساهم في تهديم البيت الذي يسكن فيه أو تسكن أسرته ومكونه.       

    ولو كان الهدف مما نكتب هو السبق المعلوماتي والتسابق على التشهير، وكسب المتابعين والقرّاء، والحصول على مزيد المصفقين والمعجبين؛ لكنت من الأوائل في هذه اللعبة غير الشريفة. بل لو كان الهدف من هذا اللون من الكتابة هو الإنتقام أو تصفية حساب شخصي؛ لتمكنت من الإنتقام من كثيرين؛ ولاسيما أن من هضم حقي أو تجاوز علي يوماً ؛ يعلم بأن قلمي كالسيف وحبري كالسم فيما لو أردت أن أنتقم. ولكن تحقيق هدفي من السبق المعلوماتي أو التسابق على التشهير أو الإنتقام سيكون على حساب ماذا؟ّ! دون شك؛ سيكون ذلك على حساب حرمات الآخرين ومصلحة ديني ومذهبي ووطني ومجتمعي. وهذه المصلحة هي معياري في كل حرف وقول وسلوك.  

محرر الموقع : 2017 - 09 - 20