هكذا ارادني الحسين
    

من تضحية الإمام الحسين عليه السلام وعزة نفسه، إلى صبر السيدة زينب عليها السلام وعفّتها ورباطة جأشها، وصولاً إلى إيثار العباس عليه السلام ووفائه، كلّها دروس تعلمناها من عاشوراء، تربينا عليها وغيرت الكثير من سلوكياتنا الحياتية. فمدرسة عاشوراء التي نحيي مجالسها كل عام هي التي تربى عليها المجاهدون، وتخرج منها الشهداء، واقتدى بها آباؤهم وأمهاتهم, يوم واحد كان كفيلا بإعطاء العالم أجمع، وليس محبي أهل البيت فحسب، بل أعدائهم أيضاً أو من كان يجهلهم، منظومةً متكاملةً من القيم والدروس والعبر يحكيها أبناء كل جيل لأبناء الجيل التالي.

أما عن القيم التي أوصلتها إلينا مدرسة عاشوراء فهي منظومة إنسانية متكاملة, بما تنطوي عليه من دلائل ومؤشرات، على رأسها رفض الظلم ومقارعة الطغيان بما جسده الإمام الحسين عليه السلام في ثورته العظيمة، إلى جانب حرية الرأي والفكر التي يجب على الإنسان أن يدافع عنها كي لا يتحول إلى آلة لا رأي لها. هذه الحرية ومقارعة الطغيان لم يكونا يوماً محصورَين بأتباع الإمام الحسين عليه السلام، فهذا غاندي يقول قوله المشهور: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر". كذلك، فإن الصبر والتمسك بطريق الحق ونبذ الخوف والتردد، والمضي قدماً في مواجهة الظلم والطغيان هي أعظم دروس نتعلّمها من عاشوراء القيم والعبر، حيث تمتد إلى الأفراد أنفسهم، فيتعلّمون كيف يعيشون الحق في وجودهم، وكيف يحاربون الظلم في نفوسهم وكيانهم كي لا يصبحوا هم أنفسهم ظالمين ومفسدين، بل أن يكونوا متعاطفين متوادين متحابين فيما بينهم كالإخوة وكالجسد الواحد، كما كان الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء.

جسدت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضتها قيم ومبادئ حقوق الأمة ومنها الإصلاح، حيث أكد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمة, السياسية والاقتصادية, والاجتماعية والدينية, من خلال توعية الأمة بمواصفات الحاكم العادل القائم بالعدل الذي يسوس الناس بالقرآن والسنة ويحترم آرائهم ومعتقداتهم ويؤمن بالشورى في الحكم وتولي الحكم من هو أهلا لها، وعدم المساومة على الحق، والالتزام بالاتفاقيات والعهود، ودعم سيادة القانون، وجعلها مقياسا لقيمة الحاكم ومشروعية حكمه وهذا ما أراده (عليه السلام) بقوله (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله), وصرح الامام الشهيد الى أهمية طريق الحرية, وعدم الانسياق وراء الحاكم الظالم, مهما كانت الاسباب، وعدم العيش كالعبيد، بل دعا (عليه السلام) الى ان يكون الناس احراراً في دنياهم، وقد انطلق بأهدافه هذه معلنا الحرب على الظلمة بقوله (ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، مذكراً بان دعواته الإصلاحية هي ليس للتنافس على الخلافة وإنما لإيجاد أرضية لعمل الحق مقابل الباطل جاهراً قوله "اللهم إنك تعلم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك"، من هنا ثورته (عليه السلام) جاءت من اجل حرية الناس وصيانة كرامتهم الإنسانية، ورفض الذلة التي اتبعها الطغاة من الأمويين وأتباعهم في تعاملهم مع الناس.

 محمد الكردي

محرر الموقع : 2017 - 09 - 24