ألعراق؛ بلد آلأخيار أم آلأشرار؟
    

لقد علّقتُ على رابط الصّور الذي أرسلهُ الصديق (حسن هادي) عبر شبكة التواصل حول بغداد القديمة .. ضمّت ذكريات مفرحة و محزنة حتى نهاية الملكية تطغى عليها البراءة و البساطة, فله الشكر أولاً, و إليكم التعليق الهادف الذي كتبتهُ من الصّميم ثانياً:

لعلّه من آلصّحيح جداً؛ وجود (الأخيار و الأشرار) في كلّ أمّةٍ و قومٍ و جماعةٍ و حتى عائلة صغيرة؛
و لعلهُ من آلصّحيح أيضا؛ بأنّ العراقيين كانوا يعيشون البساطة و القناعة و المحبّة و الطيبة إلى بعض الحدود في حياتهم السالفة, خصوصاً بعد تشكيل الدولة العراقية عقب إنتهاء الحكم العثمانيّ التعسفي الصّلف لتحكّمهم بآلناس باسم الدّين و تشكيل الحكم الملكي عام 1922م!

لكن مشكلة ألعراق ألمُعقدة و الحقيقة بدأت مع بداية نشأة الأحزاب الأممية و القومية و الوطنية ثمّ الدّينية ألأسلاميّة السياسيّة في أواسط القرن الماضي, أيّ بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية و ستستمرّ حتى ظهرو المصلح الكبر, لذلك تبدّلت الأمور و تغييرت الأوضاع كثيراً؛ و بدأ العدّ التنازلي للعراق و العراقيين و آلخراب و النهب و الفساد ينتشر على كلّ صعيد, و تفاقم ذلك بعد تدخل القوى العظمى كإنكلترا و أمريكا لدفع الحكومات إلى إعلان الحروب الدّموية الداخلية و الخارجية مع الشعب تارة و مع الجيران تارة أخرى و إنتشر الفقر و الأرهاب و الظلم و القتل و الأعدامات و الأمية المدرسيّة .. و الفكريّة بشكل أخصّ بسبب صرف الأموال لشراء الأسلحة!

و أخيراً حلّت نقمة المحاصصة (القانونية) ألبرلمانية لنهب أموال الفقراء و اليتامى لملأ جيوب المتحاصصين على حساب العراق و العراقيين الذين معظمهم عاشوا الفقر و الأملاق و العقد و العوق النفسي و البدني لعقود و قرون!

و المشكلة الرئيسية التي رافقت جميع تلك المحن في العراق:
هي أنّ الأعضاء و القواعد المنتمية للأحزاب ألسياسيّة ألأمميّة و القومية و الوطنية و الدّينية .. إنّما سعوا و جاهدوا و ناضلوا و ما زالوا لجلب الرئاسة و المال إلى رؤسائهم للحالة الصّنميّة التي أصيبوا بها و لفقدانهم إلى الوعي و إيمانهم بغباء مُقدّس و إفراط مستمر و ما زالوا يُؤمنون بذلك النهج الحزبيّ التعسفي الظالم الذي لو إنتقدته أو عارضته أو كتبت مقالاً أو موقفاً مخالفاً؛ فمصيرك هو المقاطعة و السّجن و المتابعة و المعاقبة أو على آلأقل قطع الراتب و الأضطرار إلى اللجوء لبلاد الغربة أو ربما الأغتيال و القتل العمد, لذلك قلتُ:

[إنّما هذه الأحزاب تسعى .. لجلب المال إلى آلرؤوساء],
كما بيّنتُ في قصيدة أخرى جهل الحاكمين و الأمية الفكرية و الفساد البرمج لهم بآلقول:
إنّي من البـــــلد الذي .. مأســــاتهُ فوق إحتمـالي
بلدٌ رؤى الأنسان فيه .. أرخص من شسع النّعال
ما للشـريف بأرضــه .. غير المذلّــــة و الحبال.

بصراحة أكثر؛ بتُّ بعد سفك كل تلك الدّماء و الحروب و المظالم و القتل و الأعدامات الحكومية و الحزبية و التحاصصية هدر كرامة الأنسان؛ لا أؤمن بعراقٍ يحكمهُ المتحاصصون للمال العام الحرام بإسم الوطن و الدّين و الأنسانية .. و كما كان البعث الصداميّ الذي حاصص أموال العراق لعشيرته و مقربيّه و للعربان يتبجح بذلك, و هم في الحقيقة نهبوا و ينهبون المال العام و يعممون الجّهل و الفساد و بآلتالي تشريد الأخيار المفكريين كـ(عزيز) و من مثله إن وجد في هذا العالم الغريب المضطرب القاسي الظالم الأنانيّ .. و آلذي سبّب .. حتى قتل المخلصين المثقفين كـ (هادي المهدي) و أمثاله من العصاميين!
علماً أن أنظمة العراق التأريخية سبقت ما أشرنا له من مظالم عبر قتل العلماء العظام و الأئمة الأطهار كعلي بن أبي طالب صوت و سيد العدالة الأنسانية كما يقول (جورج جورداق) و إبناه الأمام الحسن و الحسين(عليهم السلام) و أبنائهم و أحفادهم و عائلته و أصحابه بلا رحمة و شفقة أو ضمير .. كلّ ذلك لأجل الحكم بالمحاصصة المستمرة حتى هذه اللحظة لا غير لتقسيم الثروة, و كأن فلسفة الحكم هي الفوز بآلسلطة لاجل المال المحاصصيّ!؟

و حين يموت ضمير الأمّة بسبب سياسات الحاكمين و رؤوساء الأحزاب؛ فلا تتوقع غير الشّر و الفساد و الأرهاب و آلمحن و تسلّط الأجانب و العملاء في نهاية المطاف لأخضاع و رهن البلاد و العباد للدّيون الملياريّة حتى ظهور الأمام المهدي(ع) الذي سوف يظهر لكنه لا يرى غير شعوب عاجزة مستكينة مع بضع مئات من الحكام و الرؤوساء الظالمين الذين يقتصّ منهم و كذلك علماء فاسدين تسلطوا على الناس بآلخداع من دون محاربة أؤلئك الرؤوساء المستكبرين.

و مشكلتي الخاصّة التي تؤذيني و تحزّ في نفسي؛ هي أنّني و رغم تعرضي للأغتيال و القتل عدّة مرات؛ لا أستطيع خرق أوساط الجّهالة - حتى بين المتعلمين أكاديمياً .. لفقدانهم للفكر الأصيل و المنطق الرّصين و النزاهة في العلم و الفلسفة و الفكر!

و هل هناك شيئ أصعب و موقف مؤلم على مُفكّرٍ كونيّ يعيشُ وسط آلجّهلاء و المنافقين و الكاذبين و الظالمين ألّذين يجهلون قدره و علمه و كلماته و كتاباته و مؤلفاته الكونية!؟

كما لستُ في الجانب الآخر .. مرتاحاً أيضاً في بلاد الهجرة و الغربة هنا لأبتلاء أممها بآلأميّة الفكريّة و الحقوقيّة أيضاً مع فارق واحد, هو تطورهم العلمي من دون الروحي و الأخلاقي؛ و بآلمقابل إفتقادنا للعلم و آلأخلاق في بلادنا, لذلك رأينا عندهم نظام عادل نسبيّ شكليّ مُؤطر بقانونٍ وضعيّ يتّبعه الجميع بلا إستثناء .. و هو أهون و أفضل نسبياً بآلقياس مع الفوضى و الظلم الذي عمّ في بلادنا .. رغم وجود الأسلام و المدّعين للأسلام و الدين و المرجعيات المتعددة الكثيرة!

لذلك لم أَأْ لفُ هذه الغربة الكونيّة القاتلة كما لم أَأْ لف غربتي داخل وطني (العراق) رغم إنّي عشتها من الولادة و الطفولة كقدرٍ مرسوم لإنقطاعي عن أصل الوجود بلا إختيار على أكثر الظّ،, فلو كنتُ مُخيّراً في عالم الذّر من الأزل و كما يشير القرآن؛ لرفضتُ جملةً و تفصيلا هذه الحياة البائسة التي تحتضن الحسد و الكراهية و الظلم و العذاب و القتل و الحروب, و إنّ الذي جعلني ربّما راضياً بقبول النزول لهذه الحياة, هو: وعد (المحبّة و آلتّوحيد) الذي أشار لهما بارئ الخلائق و الذي كان من المُقرّر أن أعيشهما مع بقية الناس في هذه الحياة التي لا تخلوا اليوم إلا من تلكما الهدفين!

و لهذا كنت و لا أزال وحيدأً .. غريباً بين الناس!

لتلك المحنة و لكفاحي الفريد و المرير لنشر (المحبّة و آلعشق ضدّ الكراهية و لتوحيد الله في كل صغيرة و كبيرة بعيداً عن \"التقيّة\" التي شاعت و التي فقد معها المدعيين و العلماء حيائهم و حياتهم معاً؛ حتى لم يعد جسميّ النّحيل يتحمّل ثقل تلك الرّوح الكبيرة بين جنبيه, لأنّها ضمّت كلّ المدى في السموات العلا و الأرضين السفلى, فأصابهُ التعب و الجّراح و العطل و الخراب و المرض حتى عجز الأطباء من العلاج!

و أخيراً ليس في العراق فقط .. بل في كلّ بلاد الأرض تقريباً لا يوجد خيراً مطلقاً و لا شرّاً مطلقاً(لا أخيار و لا أشرار), بل قطعان من البشر التي إمتلأت وجودها بالتناقض و الأشكالات و الفجور و النّفاق لوجود (33) صفة سلبيّة خطيرة كغرائز ذاتيّة طبيعيّة في الأنسان ذكرها القرآن الكريم تفصيلاً(1), واحدة منها تكفي صاحبها لينكبّ على وجه في آلنار .. إن لم يسعى المبتلى بها علاجها و إستبدالها بآلتقوى و الورع!

و لكن أين الورع و التقوى في \"المُدّعيين\" خصوصاً الحاكمين و رؤوساء ألأحزاب التي غرقت في الذنوب و الفساد بسبب الفتاوى التي تصدرها كل يوم بلا فكر بعد ما إمتلأت بطونها بالمال الحرام؟
و آلمشتكى لله أولاً و أخيراً, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العليّ العظيم.
عزي الخزرجي
مفكر كونيّ

محرر الموقع : 2017 - 11 - 11