داعش ليس أول الأعداء ولا آخرهم
    

علي علي

 

   منذ أيام والعراق عامة وبغداد على وجه الخصوص تعيش فرحة إعلان النصر على عدو مبين، إذ بدت شوارعها وضاءة بابتسامات أهلها الذين تنفسوا الصعداء بعض الشيء، وأضحى هواؤها مميزا عن أيام طويلة مضت عليهم وهم مزكومون بما تجلبه لهم رياحها، من مكدرات النفس والخاطر والعقل والقلب.. فقد أزيحت اليوم عن سمائك يابغداد غيمة سوداء أطبقت عليك منذ حين، فأسفر ليلك عن زهوه ورونقه المعهود فيك منذ قرون، يوم قال عنك الغادي والرائح من السائحين والزائرين، ما لم يقله أحد في بلدة غيرك ومدينة سواك.

   فبجمالك يابغداد أبهرت القدماء والمحدثين، ففتحت قريحتهم في الشعر والنثر والرواية والأحاديث والحكايات، فكانت ألف ليلة وليلة، بشهرزادها وشهريارها يتحدثون عنك للتاريخ، وكذلك السندباد الذي حط رحاله حيث أرضك الطيبة، بعد أن جاب فيافي الأرض فلم ترق له مثلما رقتِ له ولغيره من الرحالة والمستكشفين على مر العصور.

   لقد أتعبوك يابغداد وأقضوا ليل مضجعك، بعد أن خلنا أنك ستبتشرين مرحا وفرحا، بزوال شبح الطاغية الذي جثم على صدرك ثلاثة عقود. كم كان ليلك جميلا يابغداد قبلها، كنت يقظة حتى الصباح.. وكنا ننعم بالأمان والاطمئنان تحت أفياء نهارك وجنح ليلك، كان الهدوء يرافق نسمات ليلك من دون حرس ولا عسس، كانت صافرة الـ "چرخچي" وحدها كفيلة بحراستك وحمايتك من أيدي الظلمة والـ (حرامية)، على العكس من سراق اليوم، فهم دولة لوحدهم.. وكيان قائم بذاته.. ومؤسسة فيها من يحميها ويسندها ويشرع سرقاتها آناء الليل وأطراف النهار.

 ذكرياتنا معك ياليل بغداد جميلة وطويلة، كنت منيرا رغم الظلام.. ومشرقا رغم العتمة.. يومها لم يكن للإرهاب قدم تطأ شوارع بغداد، لكن، كان هناك أمر يدبر بليل.. فقد كانوا يحوكون نسيجا يغطون به بهجة الناس وفرحتهم وأمنهم، فقد ساءهم أنك دار للسلام يادار السلام.

لطالما كنت يابغداد ملهمة الـ (قصخون) في قصصه، ولطالما قالوا وزادوا في القول عنك كثيرا، وغيض من فيض ماذكرته بطون الكتب؛

قال محمد ابن ادريس ليونس بن عبد الأعلى:

يايونس أدخلت بغداد؟

قال: لا.

قال: يايونس مارأيتَ الدنيا، ولارأيتَ الناس.

وقيل لرجل رحالة جاب البلدان والدول:

كيف رأيت بغداد؟

قال: الأرض كلها بادية.. وبغداد حاضرتها.

وسُمع الشافعي يقول: مادخلت بلدا قط إلا عددته سفرا، إلا بغداد فإني حين دخلتها عددتها وطنا.

وذكر أبو عثمان الجاحظ في آخر عمره بغداد في كثير من أقواله منها قوله: الأمصار عشرة: فالصناعة بالبصرة والفصاحة بالكوفة والغدر بالري والحسد بهراة والجفاء بنيسابور والبخل بمرو والطرمذة بسمرقند والمروءة ببلخ والتجارة بمصر والخير كل الخير.. ببغداد.

وقال أبو القاسم بن الحسن الديلمي، وهو شيخ في بغداد تعلق بعلوم فصيح العربية:

سافرت الآفاق، ودخلت البلدان من حد سمرقند الى القيروان، ومن سرنديب الى بلد الروم، فما وجدت بلدا أفضل ولاأطيب من بغداد.

  هنيئا لك بغداد فكاك حزنك، فلقد أتعبك السواد منظرا وجوهرا ولباسا على مر السنين، أمنياتنا يابغداد لاتقتصر على مقاسك وحدك فقط، فللعراقيين أمنيات جلل بعودة مدن العراق جميعها الى سابق عهدها في الأمن والأمان، وانقشاع الأشباح من أجواء ليلها ونهارها.

  وكما نحن فرحون بإعلان النصر على العدو المبين، فإن الأمنية التي لاتكتمل الفرحة إلا بها، هي النصر على العدو الأكثر بشاعة وضررا، ذاك هو العدو الكامن بين ظهرانينا، وفي حقيقة الأمر هم أعداء وليس عدوا واحدا، ولو أردنا تبيانهم، فالفساد ليس أولهم، وليس آخرهم.

محرر الموقع : 2017 - 12 - 16