خمسة أسباب تفسر بقاء معدل الفائدة الحقيقي دون الـ"صفر" بأميركا‎
    

لا يزال معدل الفائدة الحقيقي على الأموال الفيدرالية الأمريكية دون مستوى الصفر حتى مع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي نمواً يتجاوز 3%، ويعتبر السر وراء هذه المسألة بمثابة لغز اقتصادي يشغل بال الكثيرون.
وإذا أخبرت أيّ خبير اقتصادي في فترة الثمانينات أن معدل الفائدة الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بعد استبعاد أثر التضخم قد يكون سالباً أو صفر لمدة عقد من الزمن دون أن يتسبب في إحداث اختلالات كبيرة بالاقتصاد، فكان سيتهمك بالجنون.
ومع ذلك، وبعد قرابة 10 سنوات منذ قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل الفائدة الاسمية إلى نطاق يتراوح بين صفر إلى 0.25% خلال ذروة الأزمة المالية والكساد العظيم، ولا يزال معدل الفائدة الحقيقي بالقرب من مستوى صفر.
ولكن؛ كيف يمكننا تفسير التعايش بين الاقتصاد القوي في الوقت الراهن والذي ينمو بمعدل أعلى مما كان يُعتقد أنه أمراً محتملاً، وبين التضخم المستقر قرب مستهدف الفيدرالي والبالغ 2% وبين معدل الأموال الحقيقية عند مستوى صفر بالمئة؟.
وبالنظر للمستقبل، هل سيتطلب اقتصاد الولايات المتحدة والذي يبلغ حجمه 20.4 تريليون دولار وهو الأكبر حول العالم، هذه المعدلات المنخفضة كي يعوض النمو المفقود خلال العقد الماضي؟.

عدة تفسيرات قد تتبادر إلى الذهن، لكن موقع "ماركت ووتش" يقدم 5 أسباب قد تشرح السبب وراء بقاء معدلات الفائدة الحقيقية، أيّ المعدلة بعد استبعاد أثر التضخم، منخفضة للغاية.

السبب الأول.. الفترة الانتقالية
معدل الفائدة الحقيقي عند مستوى صفر يتجه إلى الإطار إيجابي، وهذا هو هدف الفيدرالي كما هو موضح في الملخص الفصلي للتوقعات الاقتصادية والصادر في سبتمبر الماضي.
وتعني الرؤية المستقبلية للفيدرالي أن البنك سيعمل عبر استخدام سياسة متشددة على إبطاء وتيرة الزخم الاقتصادي خلال عامي 2020 و2021 ليرفع معدل الفائدة إلى 3.4%، وهو ما يعتبر أعلى من المعدل المحايد المتوقع على المدى الطويل والبالغ 3%.
ويرجع الصعود الأخير في معدلات الفائدة طويلة الآجل إلى العوائد الحقيقية للسندات، وهي إشارة إلى أن المستثمرين يتوقعون نمواً اقتصادياً أقوى، وليس ارتفاع معدل التضخم.
وتشير التقديرات الحالية بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة عن الربع الثالث إلى أنها قريبة من قراءة الربع الثاني والبالغة 4.2%، وهو ما يعني أن معدل الفائدة الحقيقي عند صفر ربما يكون بات مهيئاً للزيادة.

السبب الثاني.. الانتظار
في غالبية الأوضاع، يستغرق الأمر أقل من عام بعد انتهاء الركود الاقتصادي كي يتعافى الناتج المحلي الإجمالي ويتجاوز قمته في فترة ما قبل الركود، وفقاً لقياس الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
ومع ذلك، في أعقاب فترة الانكماش الطويلة والشديدة خلال عامي 2007 و2009، لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الأمريكي قمة عام 2007 حتى الربع الثاني من عام 2011.
وشهد الاقتصاد الأمريكي تباطؤاً للنمو عند 2.1% خلال نهاية عام 2016، وهو أسرع قليلاً مما يعتبره الفيدرالي ومكتب الموازنة في الكونجرس حده الأقصى المحتمل للنمو على المدى الطويل.
وتسارعت وتيرة النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب في يناير 2017، بمتوسط بلغ 2.7% خلال أول 6 فصول في ظل إدارته.
بينما كانت الأجور بطيئة الاستجابة لنقص العمالة، ما يجعل نموذج منحنى "فيليبس" الذي يستخدمه الاحتياطي الفيدرالي جاهز لإدخال التعديلات عليه.
وستزيد التعريفات الجمركية الناتجة عن الحرب التجارية في نهاية المطاف أسعار المستهلكين، وبعبارة أخرى فإنه حينما يبدأ صناع السياسة في الركون إلى أن التضخم هو أثر باقٍ من دورة الأعمال الاقتصادية الماضية، فإنه سرعاً ما سيطل برأسه من جديد.

السبب الثالث.. أول الهابطين سيكون أخر الصاعدين
كان قطاع الإسكان أحد المحركات الفعالة للتعافي الاقتصادي بسبب حساسيته لمعدلات الفائدة.
لكن الأمر لم يكن كذلك هذه المرة، حيث أن انهيار العقارات والتمويل الذي دعم تلك الطفرة كانا هما الدافعان الرئيسيان لحدوث الأزمة المالية في 2007.
"كان هناك تغييراً هيكلياً".. هكذا يقول كبير الاقتصاديين في بنك تشيس التجاري "جيم جلاسمان"، موضحاً أن القطاع العقاري كان الأبطأ في التعافي على الرغم من معدلات الفائدة المنخفضة للغاية.
وبدأت عملية تكوين الأسر تتباطأ، مع خروج الشباب من سوق العمل والعودة للسكن مع والديهم بل والرجوع مجدداً إلى الدراسة.
وتراجع معدل ملكية المنازل في الولايات المتحدة من 68.2% إلى مستوى منخفض عند 62.9% في عام 2016، وبلغ هذا المعدل 64.3% خلال الربع الثاني من العام الحالي.
ولاتزال عمليات بدء بناء منازل الأسرة الواحدة ومبيعات المنازل الجديدة أقل من نصف وتيرتها في ذروة عام 2005 في وقت كان سوق العقارات السكنية يظهر إشارات على التباطؤ.
وفي ظل غياب المحرك الرئيسي التقليدي للتعافي الاقتصادي وقائد التوسع الاقتصادي، احتاج الاقتصاد إلى مزيد من المساعدة من جانب الفيدرالي.
وبعبارة أخرى، كان يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول من أجل الحصول على نتيجة مماثلة لتلك التي حققها في دورات الأعمال الاقتصادية السابقة.

السبب الرابع.. حدث من قبل
ما قد يبدو "أسعار فائدة منخفضة بشكل غير طبيعي لفترة ممتدة" لا يعتبر في الواقع أمراً غير طبيعي، وفقاً لما يقوله "ديفيد بيكورث" زميل الأبحاث في مركز "ميركاتوس" بجامعة "جورج ميسون".
ويضيف: "من فترة الكساد العظيم إلى أواخر الأربعينيات كان لدى الولايات المتحدة معدلات فائدة منخفضة للغاية على المدى القصير".
وبينما كانت عوائد سندات الخزانة قصيرة الآجل تحوم بالقرب من الصفر منذ أوائل الثلاثينيات وحتى عام 1948، فإن انخفاض أسعار المستهلكين في عام 1930 و1931 و1932 تم ترجمته إلى معدلات حقيقية أعلى للفائدة الحقيقية.
وتشير الفترة الممتدة الحالية من معدلات الفائدة المنخفضة إلى أن معدل الفائدة للفيدرالي كان فعلياً أعلى من المعدل الحيادي بشكل ملحوظ لفترة طويلة حتى عندما كان هذا المعدل بالقرب من الصفر.
ومعدل الفادة الحيادي أو المحايد هو المعدل الذي لا يمكن اعتباره "تيسيري أو تحفيزي" كما لا يعتبر "انكماشي"، أي أنه لن يساهم في تحفيز أو كبح جماح النشط الاقتصادي.
وإذا كان معدل الأموال أعلى المعدل الطبيعي فإنه كان أعلى بكثير مما يجب أن يكون لتوفير التحفيز خلال فترة الانكماش الاقتصادي الحاد، وهو السبب وراء قيام الفيدرالي بشراء الأصول طويلة الآجل.
وبينما كانت الاستجابة للركود الاقتصادي العظيم متمثلة في ابتعاد الأسر والشركات عن الاستثمارات الخطيرة مدعومة بالقواعد التنظيمية الجديدة والمتطلبات الرأسمالية، فإنه ليس من الصعب فهم سبب استمرار انخفاض معدلات الفائدة  لفترة أطول أكثر مما يتصور أيّ شخص، كما يوضح "بيكورث".

السبب الخامس.. الطبيعة الجديدة
إذا كان هناك وجبة غداء مجانية في هذا العالم فإنها ستكون "نمو الإنتاجية".
وتؤدي القدرة على إنتاج المزيد (المخرجات) باستخدام مدخلات عمل أقل إلى زيادة الاستثمارات وخفض التكاليف وزيادة الأجور الحقيقية.
وتحدد الإنتاجية ونمو القوى العاملة مدى السرعة التي يمكن لاقتصاد ما التوسع بها دون إثارة ضغوط تضخمية.
وفي الوقت الراهن، تكمن المشكلة في أن نمو إنتاجية الأعمال غير الزراعية ظل ثابتاً تقريباً منذ عام 2004.
كما أن إنتاجية الصناعات التحويلية كان أداؤها ضعيفاً مقارنة بدورات الأعمال الاقتصادية السابقة.
وبينما يعتبر التسارع الأخير لوتيرة الاستثمارات الثابتة أمراً مشجعاً فإنه من السابق لأوانه اعتباره تغييراً بالاتجاه حتى لو كانت الإنتاجية واضحة في كل مكان ماعدا البيانات.
وما لم يشهد معدل الإنتاجية تسارعاً في النمو أو تعترف الولايات المتحدة بالكثير من المهاجرين المدربين لتعويض تقاعد "جيل طفرة المواليد"، وهو الأمر الذي يبدو غير محتملاً، فإن معدلات الفائدة المنخفضة على الأقل نسبة للخبرة السابقة، ربما تتحول كي تصبح الأمر الطبيعي الجديد.

محرر الموقع : 2018 - 10 - 28