لقد قتلت هند ابا ابراهيم.‎
    

علي الحسيني.
ابو ابراهيم رجل بلغ الخمسين من عمره، اسمه محمد، وهو منتسب في القوات الامنية، يأتي الى عمله كل يوم، وهو في قمة النشاط مخلصا متفانيا، يحمل هموم الناس، لا يتهاون في اي عمل يكلف به، كان صادقا مع الجميع، طيب القلب، يحب وطنه، ويحمل روح الانسانية بحق.

يخبر اصدقائه عن والدته، وكان لا يقول امي، بل كان يطلق عليها ( العزيزة الغالية ) وهي امرأة عجوز، قد أكل عليها الزمان وشرب، يخبرهم كيف تتعامل معه وكأنه ذلك الطفل الصغير، حيث انها تطلب من زوجته ان تتصل به، عندما يكون في العمل، وتقول لها اريد ان اسمع صوت ( وليدي ) صغيري حمودي، فهو ولدها الوحيد، وقد مات ابوه وهو صغير، وتحملت امه هموم تربيته، وهموم المعيشة الصعبة، في هذه الدنيا، الى ان بلغ مبلغ الرجال، وبدأ هو بحمل هذه الهموم عن امه، مصارعا صعوبة الحياة، بين دراسته، وبين خروجه للعمل كل يوم، فقد كان يعمل حمالا، في بغداد.

اصبح جنديا في الجيش العراقي، وترك والدته الوحيدة، بين نزوله و ( التحاقه ) الى جبهات القتال، هذه الكلمة التي يرتجف قلب والدته عند سماعها حسب قوله، فقد كان يقول، ان تلك العزيزة الغالية كانت تسألني متى تلتحق يا نور عيني، فأقول لها غدا، فتبدأ بالبكاء ولاتنام الى الصباح، هكذا ولمدة ستة سنوات، في الحرب العراقية الايرانية، مدة خدمتي في هذه الحرب.

بعد سقوط الطاغية، عمل في القوات الامنية، وتحسنت ظروفهم المعيشية قليلا، عمل في بعض المناطق الخطرة، في بغداد واطرافها، وفي كل صباح يذهب الى عمله تودعه والدته، بنفس شعورها القديم، وهو الخوف والحرقة والألم، لكن رغما عنها، بعد ذلك تزوج، وبالرغم من انه تزوج متأخرا، فقد بلغ منتصف الثلاثين من عمره او اكثر من ذلك، لعدم قدرته على الزواج في زمن النظام البعثي اللعين بسبب الفقر، فقد رزقه الله بولدين وبنت واحدة، وهم نور عيون والدته الكبيرة، كان شعاره الدائم، نحن اخوة في هذا الوطن.

في احد ايام الشتاء، وبعد خروجه الى عمله مبكرا، شاهد بعض الملثمين، يستقلون سياراتهم متجهين صوب احدى المناطق السنية، وكان واقف على الرصيف ينتظر سيارة تقله الى عمله، واذا بهم يتوقفون قربه، وينزل احد الاشخاص من داخل السيارة، ويلقي عليه التحية مناديا عليه، شلونك ابو ابراهيم، وعندها عرفه فهو من ابناء منطقته، ومن مكتب احدى المليشيات، فقال له يا ابا ابراهيم سنذهب نخطف بعض السنة هل تأتي معنا، فقال له ابا ابراهيم لايجوز ذلك يا اخي، ما ذنب من تخطفه، فهو ربما يكون بريئا، فقال له ذلك الرجل نحن بصراحة لم نكن نريد ذلك، لكن شجعنا قول احد السياسيين، الذي خرج غاضبا في احدى الفضائيات، وهو يقول يقتلوا منا سبعة نقتل منهم سبعة.

تركهم وجاء الى عمله، وبعد ان اخبر اصدقائه بما جرى معه في الطريق، وفي اليوم الثاني قال لأصدقائه، لقد سمعت بأنهم خطفوا تسعة اشخاص، وتم اعدامهم ليلا، تأسف البعض لما حدث والبعض الاخر ايد فعلهم، وقال البعض منهم نعم، هذا هو الصحيح، ودليل قولي هذا هو ان سياسيا اخر قد قال، الدم بالدم، فالقتل لهم هو الحل، وهكذا انتهى الموضوع، وبعد اربعة ايام عصر يوم الخميس تحديدا، وقع انفجار كبير مستهدفا تجمعا كبيرا في احد الاسواق القريبة من مكتب هؤلاء المليشيات التي قامت بأختطاف الشباب السنة، وقد صادف ان ابا ابراهيم كان في السوق، حيث انه تعود منذ بلوغه، ان يذهب ليتسوق لوالدته الغالية، وقد سقط شهيدا وتقطعت اوصاله، وقد وجدوا محفظته وفيها صورة والدته، والطامة الكبرى ان تنظيم القاعدة اعلن عن تبنيه هذا الانفجار، ردا على خطف الشباب السنة.

رحل ابا ابراهيم وترك والدته شبه المجنونة، وزوجة قد فقدت الامل بالحياة، واطفال ربما ستكون حياتهم معدومة مثل حياة والدهم المظلوم، وهنا جوهر ما سبق، فقد حدث هذا كله بسبب طيش من سياسي طائفي متنعم، مترف في حياته، يصرخ وينفث سمومه ويشعل الفتنة، ويقف متفرجا كأنه لم يفعل شيئا، لا نصنع وطنا موحدا اذا كان من يقودنا هذا تفكيره، من لا يحقن دماء شعبه، لا يستحق ان يقودهم، من يمزق بلده، كيف يحكمه، لم يقتل هذا السياسي الطائفي، اي شخص من القاعدة، بل قتل ابا ابراهيم، لنغير هؤلاء وننتخب من يمثل وطننا العراق، لننتخب من يبحث عن وحدة وطن لا فساد فيه، ان كان فسادا سياسيا او اقتصاديا او فسادا طائفيا.

محرر الموقع : 2018 - 02 - 13