قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ
    

 

محسن ظافر آل غريب

 

قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ

-------------------

 

قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (سورَةُ عبس 17)، اعتدتُ مقتلَه في طلاوَةِ تلاوَةِ :

 

“.. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ” (سورَةُ المائِدَة 27- 31)

 

، الحَيوانُ البريءُ آسِرٌ بحِكمَةِ رَحمَتِهِ اللَّدُنيَّة الإلهيَّة المُلهِمَة للَّتي يذهلُ عنها الإِنسَانُ في قصَصّ القُرءان الحَكيم!.

 

الإِنسَانُ يتناوَلُ الطَّيِّب على المائِدَة ويتغوَّط الخبيث النَّجس بخِلاف الحيَوان الآسِر غير الكاسِر، الحِمار الصّابر والجَّمَل الجَّميل سَمح المُحَيّا Soft diplomatic face، وخاصَّةً الطَّير غير الجّارح، غير نجس الفضلات، آسِر البراءة.

 

أطوَلُ سُوَر القُرءان البقرَة، واُمُّ العِراق البقرَة البصرَة الطَّيّبة الحَلوب، في زَمَنٍ لَبِسَت فيه بعض الكِلاب بعض الثياب وما زالَ البعضُ يعضّ إذ يعِظ!.

 

«أبو بكر البغداديّ المحوليّ ابنُ المرزبان» المُتوفى سَنة 309هـ، نسبته إلى المحول قرية غربيّ بغداد كان يسكنها، أحد رُواة الحديث النبويّ الشَّريف وصاحب تصانيف ومُترجم عن الفارسيَّة، أشهرُ كُتبه موسومٌ بعُنوانِ “ فضلُ الكِلاب على كثيرٍ مِمن لبسَ الثياب”..،

 

لَهَفي على براءَة الوَليد البَشَريّ (الإنسان- الإنسان) حتى يكبُر، وعلى الكلب البوليسي يسعى لِرزقِهِ الحَلال على باب الله، بتوظيفِه حاسَة شَمّه

النافِذة في المَنافذ الحدوديَّة مِن زاخو إلى الفاو وعلى باب مَجلِس النُّهّاب!..
 
«كاظم الحجّاج» البصريّ أنشَأَ كابوس الشاعر:
 
“ أعِدّي شاينا اللَّيليّ، واختاري
أتختارين َ غصناً يابساً، بل مَيتاً للنار؟.. أنُحرق أيّ شيءٍ، كي نُدفّىء شاينا اللَّيلي؟.. هل نبقى نُدفىء بردنا؟.. هل نبقى نُدفىء بردَنا؟.. نبقى نُعِدّ الشّاي بالقتلى مِن الأشجار؟. أعدّي قِصَّة ً شَتويَّةً للنار؟ ولاتخشي!. فإنّي شَهريارً دونما سَيف ٍ: يُخوّفني خيالي، حينما يهتزُ حولَ النار وأخشى مِن ظلام القهوَة ِ المَنسيّ في الفنجان.. ويالله ! كم عانيت ُ مِن رُؤيا : تراءى لي خروفٌ كانَ مَذعوراً وكُنتُ وراءه الجّزّار.. توَسَّل بي. ولكن كُنتُ جزارا.. أيخجل مِن عُيون خروفِه الجَّزّار؟! ويالله! كم عانيت ُ، بعد الصَّحوّ، مِن كفيّ لأمسح َ وَصمَةَ السِّكّين !
 
*** 
أعدّيّ شاينا اللَّيليّ  واختاري لَهُ ناراً بلا حَطَب ِ 
 
ألا تدرين ، بأنّي شاعِرٌ كالغصن ِ، بل غصن ٌ فكيفَ - لأجل ِ شاي اللَّيل - أُكسِرُ أخوَتي الأغصان ؟!”.
 
وأنشَدَ الشّاعِر يُوصي أولادَه :
 
“ .. ولا تذبحوا الحَيوان. أقولُ لأولادي كُلوا بيضه ُ وزبدتهُ واشربوا حَليبّه، لكي يصير َ أخاكُم في الرّضاع !”.
 

 

www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=589144

 ---------------------------------------------------------------------------------------

حاضِرَةُ البصرَة الضَّرع الطَّيّبة اُمّ العِراق الخربة

----------------------------------------------

 

 

البصرَةُ الأرضُ الغليظة، والطّميّ العلك فيه حصى، وحجارة رخوة فيها بياض، والجَّمع بصار، وروى الأخفش: حجارة رخوة إلى البياض، أوَّلُ حاضِرة في الإسلام بَدءً مِن 14هـ 635م بينَ مَدائن العراقيَن وحيرة اللَّخميين، اُمُّ العِراق، وخزانة العرب، وعين العرب والدُّنيا، ذات الوشامين، ومُلتقى النَّهرين الخالدين، وتوأمُها كوفة الجُّند، وواسط العِقد، وبغدادالرُشد، كوفة المصريَن والبصرتين.

 

البصرَة أصل تسميتها، مِن (باب سالميتي) الأكديّ (أي باب البحر الأسفل) ويرى يعقوب سركيس في (مباحث عِراقيَّة) أنها مِن كلمة كلدانيَّة، تعني (الأقنية)، أو باصرا (مَحِل الأكواخ)، تركيب باب و(صيري) الأكديَّة، أي الصَّحراء (باب الصَّحراء) إلى شِبه جزيرَة العرب، إلى «سنحاريب» ملك آشور (695 ق.م) انطلقَ مِن مينائِها طريدون، تعرَّبَ إلى (تدمر)، إلى الأصل الأكديّ لقبائل (أوبولم) انتصر عليها «سرجون الثاني»، وأورَدَ الزُّبيدي في (تاج العروس)، وزيد بن علي في (المسند)، ود. جواد علي الطّاهِر في (المُفصَّل) اسم (الأُبلة) مينائها إذ قُسِّمَت البصرَةَ إلى ثلاث مناطق، أولها (الأبلة) على دجلة العوراء (شَط العرب) في الزاوية المُطلة على الخليج الدّاخل إليها، ويتفرَّعُ مِنها نهر الأُبلة، لأهميتها التجارية حظيَت بإهتمام الخلفاء، فشكلوا اسطولا لحمايتها من القراصنة، وجَعلوا عامِلاً عليها يرتبط بالخليفة لا بوالي البصرَة، وثانيها سوق (المِربَد) غربي المدينة واتصالها بالبادية تجمَع العرب لبيع الإبل وإنشاد الشِّعر، وتناقل الأخبار، وثالث المناطق (الخريبة) غربيّ الأُبلة على بعد أربعة فراسخ من شط العرب، سُمّيَت بذلك لقصر عظيم ابتناه المرزبان فيها وخرب، وبقت الخريبة للفقراء يلوذ بها الخارجون، حاول الخلفاء والولاة إرضاء سكانها، فبنى واليها عيسى بن جعفر قصراً مُنيفاً فيها، ولما عاد الخليفة هارون الرَّشيد مِن الحج (عام 180هـ)، مرَّ بالبصرَة، نزلَ فيه، وذكر الإمام علي في خطبته التي نقلها الحموي في (معجم البُلدان) اسمَها (الخريبة والسّبخة والبصرَة والبصرَة العظمى والبُصيرَة، وأرض الهند)، والحموي في (معجم البُلدان) يروي: الجُّصّ جبس أبيض، وروى عن الرَّشيد قوله :” نظرنا فإذا كُلّ ذهب وفِضَّة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرَة “، لا كما ذهَبَ حمزة الأصفهاني بقوله، إن البصرَةَ كلمة أصلها فارسي من (بس رآه) أو باصوراه، أي الطُّرق المُتشعبة، ويروي الطّبري “البصرَة أرض الهند، فيها حجارة بيض خشنثم وكُلّ أرض حجارتها جصّ، والطّبري في (التاريخ) سردَ وقائِعَ العام الأساس 14هـ:

 

آنَ بلَغَ عتبة بن غزوان المازني الخريبة، وشاهد القصَبَ، وسمع نقيق الضَّفادع، تمَهَّل وقال: إنَّ أمير المُؤمنين (الخليفة الثاني عُمر) أمرني أن أنزل أقصى البَّر مِن أرض العرب، وأدنى أرض الرّيف مِن أرض العَجَم وأمر الخليفة بإقامة ركائزها، ولَملَمة المُحاربين بذراريهم ونسائهم، بمُعاونة المُغيرة بن شُعبة، وأوَّل ما اُختطَّ المسجد الكبير ثم دار الإمارة، والسَّجن وحمّام الأُمراء، وأوَّل دارَةٍ بُنيت لنافع بن الحارث، ثم دار الصَّحابي مَعقِل بن يسار المزني، وشُقت الطُّرق، وحُفِرَت الأنهار، واتسعَت البساتين، وفي خِلافةِ عُثمان بن عفان (23هـ -644 م)، اُهتم بتعمير المصرين الكوفة والبصرة، وسُمِح بالتطاول في البنيان، ولما عابوا ذلك، لم يُلتفت فاُستبدل اللّبن بالآجر والجّصّ والسّاج، وشيدَت القصور بالحجارة والرُّخام، وكثُرَ النخيل، أصبحَ سِمَة البصرَة عُثمانيَّة الهَوى، مساحتها 225كلم2، (فرسخان طولاً، وفرسخان عَرضاً، الفرسخ 7، 5 كلم)، وعدد سكانها ناهز المليونين، تعجّ بسَواقٍ وأسواقٍ، أهمها

 

، سوق المِربَد الإسلاميّ بديل عُكاظ شِبه الجَّزيرَة جَنوبَاً الجّاهِليّ المُهمَل بينَ الرَّمل، وسوق باب الجامع، والسُّوق الكبيرة، وسوق الكلاء، مُلئت بالساج والعاج، والديباج والحلل، وتوفرت فيها أطعمة كل أطراف الدنيا، مما عزّحتى على بغداد قبلة الدنيا، بل وقصر خلافتها الباذخ، وازدهرت فيها صناعات، خُصت بها كمنسوجات الكتان وبزها وخزها، والعطور والدّبس والحلوى..

 

وسبع دساكر (مُفرَد دسكرة) الخيام، قُرىً كبيرة في الخريبة قضاء الزُّبير الحالي، ثم اُستبدلت الخيام بأكواخ القصَب حتى الحريق الكبير، فبنيت الأكواخ مِن اللّبن بقوالب (آجر غير مطبوخ)، بعد أن أذِنَ الخليفة “لا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا البُنيان، وألزموا السّنة تلزمكم الدّولة “، وفي الأُبلة خمسمائة من الأساورة يحمون مرفأ سُفنِها مِن الصّين وما دونها، فسار عُتبة دون الإجانة، ثم فتح الأُبلة بثلثمائة مُقاتِل، وقسَّمَ الغنائِم عليهم، فنال كُلاً مِنهم دِرهَمين.

 

وأنجَبَت البصرَةُ الاُمُّ الطَّيّبةُ الوَدودُ الوَلودُ وألهَمَت أُخوان الصَّفا خِلّان الوَفا وبغداديّ المولِد عام 221هـ 835م ابن الرومي، فرثى خرابها في ثورَة الزّنج أتمَّه خراب العِلج العُتل صدّام، والكِندي بفلسفته، وعاش الفرزدق بوصفه وفخره مِربدَها، وجرير بهجائه لَه، وأبو الأسود الدؤلي بنحوه، وسيبويه والجاحظ بأدبه، والحَسَن البصريّ بفقهه، وواصل بن عطاء بإعتزاله، والأشعريُّ والفراهيديُّ بعَروضه، وبشار  بن برد وأبو نؤاس بخمريّاته وابن المقفع بكليلته ودمنته، والأصمعي بحافظتِه وأبو الشّمقمق، وبدرَها السَّيّاب أسَفي عليه ليسَ لَهُ مِن اسمِهِ نصيب وشَبيهه شَكلَاً سعدي يُوسُف، وليسَ لَهُ مِنْ حُسنِ يُوسُفَ نصيب، ويُسَمّي شَماليّ العِراق "قِردستان!".

 

 

https://www.youtube.com/watch?v=e6Nq_jm-aR4

 

 

 

 

 

 

 

محرر الموقع : 2018 - 02 - 13