طائفيه سياسيه قادت الى طائفيه مذهبيه
    

لاشك ولا ريب أن وراء كل ظاهره , هناك أسباب وبواعث تكون وراء نشؤها وأدامة بقاءها .من هذه الظواهر والتي هي موضوع مقالتنا هذه ,هي ظاهرة الطائفيه المذهبيه . الظاهره , القديمه الحديثه , والتي أصبحت ظاهره مزمنه في مجتمعنا العربي والأسلامي وخاصه العراقي. هذه الظاهره يمكننا الرجوع الى بداياتها منذ نشوء ما يمكن أن أسميه بالأزمه الدستوريه التي ظهرت منذ وفاة الرسول محمد (ًص) بل وهو مازال مسجى على سرير موته , حيث أنقسم المجتمع الى مجموعتين , واحده تأخذ بالبيعه , وهو أقرب للأنتخاب , وأخرى أخذت بالوصيه , ولكن أريحية, وعقلية بعض الصحابه , بل وحميتهم على الدين الجديد من التشتت  والضياع, وحرصهم على المجتمع من التصدع ,هو ما جمد الخلاف , وحافظ على نسقه المرسوم, ولكن الزمن المفصلي في تضخم هذه الظاهره , والذي ساعد على بروزها بشكل كبير , هو حين تولى الخلافه الأمام علي (ع) وحينها تمرد عليها معاويه بن أبي سفيان معلنآ تأسيس دولته المستقله في دمشق , وهي الدوله الأمويه , وهي دوله ذات طابع ملكي وراثي . أنه تمرد على الشرعيه السياسيه . هذا التمرد هو من شرع وبشكل صارخ على شق الجمهور في الدوله الأسلاميه وهو من أسس للعنف السياسي والذي يكون في أشد مظاهره قسوه , هو الحرب بين طرفين, متمظهره في أجلى صورها في معركة صفين , فكان في أحد الطرفين من يمثل الشرعيه السياسيه وهو الأمام علي بن أبي طالب (ع) ومن معه وعلى رأسهم عمار بن ياسر , والطرف الأخر الخارج على الشرعيه السياسيه والمتمرد على الدوله الأسلاميه هو معاويه بن أبي سفيان ومن معه , وعلى رأسهم عمر بن العاص , وكان يمثل المدرسه الحديثيه للطرف الأول هو أبن عباس , أما الطرف الأخر فيمثل المدرسه الحديثيه فيه أبي هريره. بدأ هذا التمرد يشرعن لتمرده بأحاديث ملفقه يقودها (ابي هريره) مدعومه بشعراء دبجوا القصائد الطويله والحماسيه لأظهار أحقيته بالخلافه ومحاولة لا أحقية منافسه في الحكم , وكان على رأس شعراء بني أميه ومن المروجين لهم أعلاميآ هو الشاعر جريرالكلبي , وكان شاعر الطرف الأخر هو الكميت بن زيد الأسدي. فقد اصبح كل طرف عباره عن مدرسه بكل أدواتها المعرفيه وعناصرها الشخصيه , فالسجال لم يتوقف ليومنا هذا بين هاتين المدرستين , فلكل مدرسه مريديها , ومنافسيها. أن المنافسه الشديده بين المدرستين قاد الى المبالغه في الأحتجاج على الشرعيه , كما في الحب والكراهيه , حتى أن المنافسه الحاده وصلت الى حد التصفيه الجسديه , وخاصه المدرسه السفيانيه التي لم تتورع بقتل كل من يظهر حبه وتأيده للخليفه علي بن أبي طالب (ع) وكمثال على هذا اللون من معاملة الخصم , قتل حجر بن عدي مع أبنه جزاء حبهما لعلي بن أبي طالب (ع) وكانت طريقه في منتهى الوحشيه .

كما يمكننا الأستطراد في سياق هذا البحث أنتقالآ لمرحلة الدوله العباسيه , وما أسست عليه من أفكار غرضها أضفاء الشرعيه السياسيه على خلفاءهم بدعوى أنهم بني عمومة الرسول محمد(ص) , وهذه المدرسه السياسيه الثانيه , التي أسست لمدرسه فقهيه أخرى مقابله للمدرسه العلويه الأولى . هذه المدرسه العباسيه قد أجمعت أدواتها من القضاة والفقهاء والشعراء التي تدعم أو تروج لرؤيتها بالحكم , ويمكننا أن نستشهد بأحد خلفاءهم , وهو الخليفه العباسي المستظهر (1094-1118 م) والذي أنتدب وزيره (حسين الطوسي) والمعروف بنظام الملك(1018-1092م) والذي أسس هذا الوزير ذو الأصل الفارسي جامعات ومدارس غايتها ترسيخ المذهب السني بأعتباره مذهب مقابل للمذهب الشيعي الذي يدعم نظرية اهل البيت بالحكم , فبنى هذا الوزير المدرسه النظاميه , مقابل ما أسس له الفاطميون فيما سمي بالأزهر , والذي أستمر قائمآ اليوم وهو الأزهر الشريف, كذلك هيأ من الرجالات ما يناظر به رجالات المدرسه المقابله الا وهو الفيلسوف (ابو حامد الغزالي) وهو أحد خريجي المدرسه النظاميه , وهو أحد رواد التنافس الطائفي عبر كتابه (سير الملوك) والذي حذر السلاجقه فيه من مخاطر الدوله الفاطميه ذات التوجه الشيعي, هذه المماحكه السياسيه هو ما أسس لما يسمى بالأحياء السني , والذي أنتج وساعد على ظهور قاده عسكريون ينتمون لهذه المدرسه وطائعين لتوجهاتها من أمثال صلاح الدين الأيوبي والذي قاد حربآ ضروس ضد المذهب الشيعي راح ضحيتها الكثير وخاصه في معركة كسروان , وتدميره لمكتبة الأزهرفي القاهره أثر أسقاطه للدوله الفاطميه, التي تحتوي أنفس المخطوطات والكتب والتي تمثل تراثآ فقهيآ وعلميآ وادبيآ ضخمآ .

أن حالة التزحام والتدافع على الشرعيه السياسيه وتميز أحد أطرافها بالأنانيه السياسيه في محاوله للهيمنه على الحكم بتبريرات وحجج تتبناها مدرستهم الفكريه , هو ما دفع الخليفه العباسي الى تبني المذهب الحنبلي ذو الميول العدائيه للمذهب الشيعي , حيث أستدعى القائد الخزنوي مسعود بن محمود الخزنوي لتطهير بغداد من الشيعه بعد ما تحسب الخليفه العباسي القادر من أمكانية التحالف البويهي والفاطمي الذي قد يهدد مركز الخليفه في بغداد , ولكن موت اب القائد والخليفه لاحقآ أوقف هذا المشروع التصفوي.

نلاحظ من هذا التاريخ الطويل والدموي بين المدرستين أو بالأحرى ما عانته المدرسه الشيعيه من المدرسه التي يتبناها الخليفه الأموي والعباسي أمتدادآ لفترة الحكم العثماني الذي تبنى المدرسه الحنفيه لتكون مرتكزآ شرعيآ لحكم سلاطين بني عثمان , وقد لعب هؤلاء دورآ أقصائيآ للشيعه على طول حكمهم , وهذا ما أكده الكاتب البريطاني لونكريك في كتابه (اربع قرون من تاريخ  العراق الحديث) , وما تعرض له شيعة جبل عامل من أضطهاد وسوء معامله على أيدهم , هو ما أشحن ذاكرتي الطائفتين على طول التاريخ بنفس تعصبي عدائي . وهو ما جعل تاريخ المنطقه تاريخآ مضطربآ , محتبس الأنفاس , راسمآ لخطوط الأنفصال بينهم , وسببآ لتقطع أوصال علاقاتهم , وتمكن العدو الخارجي منهم , وخير مثال الأجتياح الصليبي لمنطقتهم الذي توج بسقوط بيت المقدس بأيدي الصليبين.

هذه الذاكره المشحونه بالعداء شكلت بما يسمى بالعقليه التخاصميه والتي أمتدت أثارها الى اليوم , وهي سبب الكثير من عدم التوافق في كثير من الأمور , ومنها الحاله القلقه التي يعيشها العراق بسبب هذه الذاكره المتحفزه للعداء والتناحر ومصدر الشكوك, مما جعل منه بلدآ قلقآ على مدى التاريخ وليومنا هذا, ولكن من ناحيه أخرى لو نظرنا الى العالم الغربي لنراه قد وضع حدآ لهذه الأشكاليه, فقد فكك الذاكره الأوربيه , وحاكم التاريخ الأوربي بكل منعطفاته وأحداثه ولكن بمنهج علمي بعيد عن التعصب والأنحيازيه ,والبعيد عن التأويلات الطائفيه والعاطفيه فخرجوا بتاريخ شبه متفق عليه حاكموا فيه أحداثه وشخوصه بمعيار علمي رصين فأنجزوا تاريخآ أوربيآ أعانهم على بناء حياة جديده متطوره معتبرين من ماضي دموي وصل الى حد التوحش. أنه المهج البحثي والعزم على التخلص من ماضي مؤلم , والأراده على بناء نظام حياتي جديد بعيد عن الحروب , نظامآ يعمل للحياة وبناء الأنسان , وهذا هو بالضبط ما عبرت عنه أستاذة التاريخ بجامعة تكساس , الدكتوره (غريتشن آدمز)أستاذة المنهج التاريخي حيث قالت (من أجل بناء مستقبل جديد, نحتاج الى بناء ماضي جديد).

أن المشكله الحقيقيه في كتابة تاريخنا هو بالأصل أشكال معياري , وسياسي , وطائفي , مما رجح نسق التأويل في تفسير الكثير من أحداثه , وتبني الكثير من مواقفه , وهذا مما سبب الكثير من الأرباك في الرؤيه والتبني لمواقف شكلت خطآ مسيريآ لكثير من الأطراف , وهذا ما ينبغي حل أشكالاته بكثير من الصرامه العلميه والشجاعه الأدبيه بعيدآ عن الأسلوب الألتقاطي في تفسير الأحداث. علينا أن نعترف بأن تاريخنا فيه الكثير من الهنات ,والتزيف , والتأويل القسري ,مما أضاع الكثير من الحقائق على الناس و شوه الرؤيه أمام تحقيقات الكثير من الباحثين وطالبي الحقيقه.

أن مشكلتنا اليوم , أن هناك الكثير من القيادات الطائفيه والقوميه ممن تحن الى المناطق الرخوه في التاريخ , وهي مناظق مشوشه , وحساسه , بل ومثيره للغرائز والعواطف الغير منضبطه . هذا اللجوء للماضي من قبل بعض السياسيين سببه فشلهم المريع في ترميم الحاضر , وعجزهم عن بناء حياة حره كريمه لأبناء البلد الواحد , بالأضافه الى فراغهم الفكري والعلمي , فيهربون الى ماضي يحفر الذاكره التاريخيه للناس أملا بالحصول على أتباع يجندهم لمشروعه السياسي الذي لايهمه فيه الا ذاته. أنطلاقآ من هذه الرؤيه المتسمه بالغلو الأناني الذي ذهب الكثير من الطائفين الى تحويل الكثير من أحداث التاريخ الى ذخيره حيه للتقاتل بين الفرقاء , محاولين هؤلاء الأستغراق بالتاريخ , وتمثيل أحداثه على أرض الواقع , لابسين رداءه , ومتقمصين لشخصياته.

السؤال المهم من كل هذا السرد لبعض الأحداث ,هو البحث أو الوصول الى جواب عمن هو المستفيد من هذه التقاطعات التاريخيه , والمسببه لتقاطعاتنا الأجتماعيه والسياسيه. لا شك أنها الأنانيه السياسيه داخليآ , والأجنده لقوى خارجيه , يتبناها من اتفقت مصالحه معها . فقد هيأ هؤلاء كل القنابل الموقوته في التاريخ , وهيأوا له جوآ أعلاميآ مشحونآ بالعاطفه الطائفيه , ورجالآ فقدوا ضمائرهم وباعوا نفوسهم للأخر مقابل حفنه من الدولارات , وشئ من السلطه والجاه , غير آبهين بمصير أمه , ولا حياة شعب . هؤلاء هم المعنيون بدراستنا , وهم ما ينبغي كشف حقيقتهم , وأبعادهم عن مصادر القرار , وتعديل ما أنحرف من المسار لكي تعيش شعوب المنطقه في بحبوحة السلام.

أياد الزهيري

محرر الموقع : 2018 - 05 - 06