المُستشرقُ الأشهَر البريطانيّ
    
محسن ظافر آل غريب
 
 
المُستشرقُ الأشهَر البريطانيّ 
---------------------------
 
 
المُستشرقُ الأشهَر البريطانيّ William Montgomery Watt (14 آذار 1909- 24 تشرين الأوَّل 2006م) أُستاذ اللُّغة العربيَّة والدّراسات الإسلاميَّة والتاريخ الإسلامي في جامعة University of Edinburgh، أدنبرة، اسكتلندا. أشهر كُتبه كتاب «مُحَمَّد في مكّة Muhammad at Mecca» 1953 وكتاب «محمد في المدينة Muhammad at Medina 1956». في جامعة إدنبرة زميله في الدّراسة المُؤرخ المغربي “محمد بن عبود”. واعتمد دراسة . Poulain A عن الصَّلاة الدّاخليَّة، النجوى الباطنيَّة، تناول فيها بعض التجارب الدّينيَّة للقديسين والصُّوفيين، مِثل الوَحي والرُّؤى والتخيّلات، مِن مصدر خارجي أو وحي كلامي داخلي، رؤى ومشاهدة أم كلام مسموع.. إلخ. نحن نختلف مع افتراض Watt بأن تلقّي الوحي القرآني مِن النوع التخيّلي الكلامي، لأن ذلك مرفوض إسلاميّاً. إلّا أن Watt يرفض استنتاجات بعض الكُتاب الغربيين بأن رؤى محمد والوحي الكلامي الذي كان يتلقاه «مجرّد هلوسة»، وفق Watt لأنَّ «مِثل هذه الأقوال تجعل الأحكام الدّينيَّة مُفرَّغة تماماً مِن الوَعي، أقوال تتسم بالجهل المُخجل الذي يدعو للشَّفقة، جهل بالعِلم وسلامة العقل، وهو حكمنا على Poulain، وعلى اللّاهوت الصُّوفي الغامض الذي يمثله، فسواء كانت الرُّؤى والكلام المسموع من مصدر خارجي أو تخيّلي أو عقلي، فلا معيار لصدقه وسلامته، إلّا أن الوَحي المُتلقى مِن مصدر خارجي أكثر تأثيراً في المُتلقي، وإن كانَ الوَحي العقلي بمعنى الأعلى الأرقى». هجرة النبيّ محمد (ص) عام 622م تغيير شامل. المُستشرق Watt يقول في تمهيده «حاولت الحياد في اللّاهوت بين المسيحيَّة والإسلام، فمثلاً، لتجنب الجَّزم بما إذا كان القرآن كلام الله أم لا، فقد تحاشيت استخدام تعبير “يقول الله أو يقول محمد واستخدمت تعبير يقول القرآن”، ومع ذلك، فإنني لا أتبنى المنظور المادي بحُجَّة التزامي بالنزاهة التاريخيَّة، فأنا أكتب كمؤمن بالتوحيد».
 
في كتابه “الاسلام واندماج المُجتمع” المُجتمع في عصر النبي محمد (ص). لقد كانت القبيلة هي الكيان السياسي الوحيد المعروف لغالبية العرب قبل الإسلام، وكان القليل من هؤلاء العرب مُطلعاً شخصيّاً على امبراطوريّ الرُّم وفارس ومملكة الحبشة الأصغر، لكن القصّ الشّائع عنهما تبيّن أنّ العقليَّة الشَّعبية تصوّرتهما كقبائل كبيرة جدّاً، أو إتحاد قبائل الأُنموذج الوحيد المُلائم للكيان السّياسي الذي أقامه المُسلمون في المدينة. القبيلة في عصر محمد (ص) وما تزال قرابة جماعة مِن الناس تنتسب إلى جدّ أعلى مُشترك، وكان هذا النسب في العصر الإسلامي أبويّاً دائماً، لكنه كأن في السّابق نسباً أُموميّاً في بعض الحالات، والنسب المُشترك أساس القبيلة في كل الأحوال. ومن ناحية أُخرى، كان يمكن لأيّ شخص لا يرتبط بالقبيلة بعلاقة نسب (صلة دم) أن يرتبط بها بوصفه حليفاً أو جاراً أو مولى، لكن التفاصيل ليست لها أيّ أهمية. وتوحي المصادر بأن عصر محمد (ص) شهد إرتباط عدد كبير مِن الأشخاص بالقبيلة دون الإنتساب إلى جدّها المُشترك، وبعضهم أقام مع القبيلة لبعض الوقت وأقام الآخرون معها بشَكل دائم، وكلا المجموعتين، لكن بشَكل أكثر تحديداً المجموعة التي عاشت مع القبيلة على الدّوام، مالت إلى التزواج الدّاخلي مع القبيلة (الزَّواج اللَّحمي)، أصبحوا أقرباء لكُل أفراد القبيلة سواء الرجال أو النسوَة. ويُتيح التباس النسب نتيجة لهذه العلاقة لمجموعات الأشخاص المحميين (الجّار/ المُستجير/ الدّخيل) الادعاء لاحقاً بأنّهم أعضاء في القبيلة بالدَّم، وثمَّت أُسس خياليَّة لعدّ بعض الأنساب القبليَّة لما قبل الإسلام بُنى تفسر أو تسيغ العلاقات الإجتماعية اللّاحقة، وكان لشخص آخر ليس أبوه الحقيقي ويَعرِفُ الناس ذلك عنه، والتسمية العربيَّة لهذا الإبن (دعَيّ) تتضمن أيّ شيء يماثل التبني القانوني الحديث. هكذا كانت القبيلة العربيَّة في عصر محمد (ص) مجموعة قرابة بسيطة لكنها ذات بُنية مُعقدة، ولأنّ هذه البُنية تُفهم بلُغة القرابة فحينَ لا تكون هناك قرابة فعليَّة يتمّ التوكيد أحياناً على القرابة الخياليَّة، وكانت القبيلة الكبيرة والقوية كياناً سياسيّاً ذات سيادة لا دين بالطّاعة للغير، تحمي نفسها وتضمن الأمن لأفرادها بقدرتها العسكريَّة الذاتيَّة، وتنقسم إلى أجزاء تنقسم بدورها إلى أجزاء وهكذا، والأجزاء الصَّغيرة التي تقوم على القُربى، كالقبيلة الرَّئيسة تماماً، ربّما تصبح يوماً ما قبائل فرعيَّة، وأُسر. وإذا أُصيبت القبيلة بسوء وتناقص عدد أفرادها بحيث تعجز عن الدّفاع عن نفسها على نحو كافٍ، فإنّها قد تطلب الحماية مِن قبيلة قويَّة لتصبح عندها في وضع مُتدن وربّما تحتويها القبيلة القويَّة في النهاية، وربّما ترتبط بعض القبائل أيضاً بتحالف أو إتحاد مُؤقت أو دائم، وكان النظام القبلي أساس مثل هذا الأمن مثل أساس الحياة والمِلكية الإقتصادية طالما أنّ القبيلة تحاول تفادي العُنف بين أفرادها ولا تحضّ على العُنف مع أفراد القبائل الأُخرى، وعندما هاجر محمد إلى المدينة مع نحو 70 مُسلم مكّي، واجه مُشكل ضمان أمنه وأمن هؤلاء المُهاجرين الذين فصلتهم هجرتهم عن حماية عشائرهم في مكّة ما جعلهم بحاجة إلى بديل عنها، وربّما تسوية المسألة قبل أن يقرر محمد (ص) الذهاب إلى المدينة، ويُفترضُ أن تتوافق التسوية تماماً مع الوثيقة المعروفة بدستور المدينة/ الصَّحيفة حتى إذا كان الشَّكل الباقي من هذه الوثيقة يعود بتاريخه إلى نحو عام 628م. تتعلق وظيفة المُهاجرين كجماعة قرابة ووفقاً لدستور المدينة بالأمن (عبر المسؤوليَّة التضامنيَّة عن دَفع الديَّة مثلا)، وكان المُهاجرون من ذوي القرابة لأنّهم جميعاً ينتمون إلى قبيلة قريش رُغم إختلاف عشائرهم، وكانوا، فضلاً عن ذلك بصفتِهم قبيلة واحدة، مُتحالفين مع 8 عشائر مدينيَّة، تشترك هذه المجموعات الـ9 في حماية بعضها من العُنف خاصَّةً عُنف المُشركين المكيين. يمكن عدّ الكيان السّياسي الجَّديد الذي نشأ غُبَّ ذهبَ محمد إلى المدينة كياناً مُنسجماً والتقاليد العربيَّة من حيث تحالف قبائل للدّفاع والإسناد المُتبادل، وفي الواقع أن بعض العادات اعتمدت آصرَة القُربى، فدعا محمد (ص) أتباعه مِن أهل المدينة لمؤاخاة المُهاجرين وسرَت المُؤاخاة ظاهراتيّاً حتى لأغراض الإرث. وكانَ هنالك مِن جَنبةٍ أُخرى شعوراً بأنّ الكيان السّياسي الجَّديد يمثل اُمَّة أو جماعة تقوم على الدِّين لا القرابة، إذ كانت عضوية التحالف الذي كوَّنَ المُجتمع مُتاح فقط لمَن آمنَ بأنَّ محمداً رسول لله حسب دستور المدينة. والقبائل المُختلفة المُنتمية إلى الحِلف مُتحالفة بدورها بشَكل غير رسمي مع جماعات ليست في الحِلف، إذ كان لقبائل المدينة علاقات وثيقة مع الجَّماعات اليهوديَّة المُختلفة وبعض القبائل البدويَّة في الجّوار، وبعض المُعاهدات المُبكّرة بين محمد (ص) والقبائل البدويَّة المُحيطة بالمدينة لم يفرض عليها إعتناق الإسلام. إلّا أنّ هذه العلاقات، رُغم اعتراف مُجتمع المدينة بها واحترامها، لم تمنح القبائل والعشائر المقصودة عضوية كاملة في المُجتمع، كان حِلف مُجتمع المدينة رُغم تسالمه على العرف العربي حِلف خاص أساسه إعتراف كل فرد فيه بأنَّ محمداً رسول الله، استمر بالأشكال القديمة للأحلاف، لكن المُجتمع الجَّديد قام على الإعتراف العام، أساسه الدِّين وليس النسب ولا الحِلف. أحدث المُجتمع الإسلامي في المدينة تعديلاً شاملاً في المُؤسَّسة السّياسيَّة وكان يمكن لمحمد (ص) آنَ بدأ دعوته في مكّة أن يكتفي بتحول الناس إلى عبادة الله مع بقاء البُنى السّياسيَّة على ما عليه، لكن المُشركين المُعاندين الذين ربّما أدركوا المضامين السّياسيَّة لدعوته بوضوح أكبر، لم يقبلوا برسالتِه بأيّ شَكل يمكن أن يُصافق عليه، ويبدو أنّ هذا ما أجبره على خيار تكريس السّياسة بدلاً مِن التخلي عن دعوته. بدأ بالإعتقاد بأنّ النبيّ رَسول الله إلى قوم النبي أو قبيلته، إلّا أن صعوبة الإستمرار في هذا الإعتقاد عندما تكون أغلبيَّة قبيلة النبي مُعارضة له، جعلت القرآن يتوقف عن الحديث عن قبيلة النبي (القوم) ليتكلم بدلاً عن الأُمّة التي تكوّن كياناً دينيّاً، وكان اليهود والمسيحيون كيانات دينيَّة (أُمم) يماثلهم المؤمنون مكّيين ومدينيين اتبعوا محمداً (ص) وكونوا (أُمّة) أخرى. وهكذا تم تدريجياً تعديل فكرة العرب القديمة عن القبيلة أو جماعة القرابة لتحل محلها فكرة الجَّماعة (الأُمّة)، وربّما استطاع الكيان السّياسي الجَّديد في المدينة يقوم كحِلف وفق المفهوم التقليدي، لكن التطوّر اللّاحق للحِلف لم يكن مُمكناً دون الفهم الجَّديد خاصَّةً بعد أن حظي (ص) بموقع القيادة. ولئن ازدهر مُجتمع المُسلمين الصَّغير في المدينة إقتصادياً وانتصر عسكريّاً، وكان نجاحه في غزواته أكثر مِن فشله، بدأ الأفراد والجَّماعات يلتحقون به في تدفق دائم على المدينة لمُمثلين مُفوضين من قبائل وأفخاذ قبائل ينشدون التحالف مع محمد بعد فتح مكّة والإنتصار في معركة حُنين عام 630م. الجَّواب لهؤلاء المُمثلين أن قبولهم كحلفاء يُلزمهم الوعد بطاعة الله ورسوله ودفع الزَّكاة أو الصَّدقة الشَّرعيَّة، فاكتسب وضع رسول لله أهميَّة سياسية بالغة، منحه في الأشهر الأُولى في المدينة المَهابة، سلطته مُطلقة في السَّنوات الأخيرة من حياته. حِفظُ مُعاهدات ووثائق قانونيَّة يبدو أغلبها أصيل، لم تتحدث عن أُمّة استخدمت اصطلاحات أُخرى مِثل اتحاد قبائل تصوّر الدَّولة الإسلاميَّة لم يتضح فيما إذا كان بالإمكان عدّ الحِلف الواسع للأعوام الأخيرة مُماثلاً لحِلف دستور المدينة. واستمرَّت الأُمّة كيان وثيق الإرتباط داخل الحِلف الواسع، وأيّ كان الخيار الأقرب إلى الحقيقة، بقيت الدَّولة الإسلاميَّة اتحاد قبائل رُغم أُسّسها الدِّينيَّة.
 
 
محرر الموقع : 2018 - 05 - 06