"السید السيستاني لم يزعل مع نفسه ولم ينقض نهجه"
    

 يقولون : ماذا يعني القول الفصل في تدوين الدستور ، الانتخابات ، مضامين النطق الرسميّ بإسم المرجعيّة العليا في الشطر الثاني من خطب صلاة جمعة كربلاء ، التصدّي للإرهاب ، استقبال الوفود والشخصيّات الحكوميّة والسياسيّة ، إصدار بيانات النصح والتحذير والتأييد والرفض في القضايا والمسائل المختلفة ، تحريراً ومشافهةً ، قلب المعادلات وتغيير موازين القوى على أرفع المستويات ….؟؟

5D20D262-B9F3-4911-8B86-C6CD47517073_cx47_cy4_cw53_mw1024_mh1024_s

إذن للمرجعيّة العليا أجندةٌ سياسيّة ، لم يبق سوى أن تستلم مقاليد الاُمور بشكلٍ رسميٍّ علني وتدير الحكم اُسوةً بجمهوريّة إيران الإسلاميّة ؛ فولاية الفقيه هذه هي ذاتها التي هناك ..

استنتاجٌ ورؤيةٌ وإشكاليّةٌ وحيرةٌ تدور في ذهن الكثيرين ، من النخب وغيرهم ؛ على ضوء أنّ مبنى ولاية الفقيه الخاصّة أو المقيّدة أو الجزئيّة هي فقط في القضايا الحسبيّة ولاتتعدّى إلى ماسواها ، وماتضطلع به المرجعيّة  العليا من دور ومهامّ يتناغم وينسجم ويتطابق مع مبنى ولاية الفقيه العامّة المطلقة .

قد يذهب البعض الآخر إلى القول بأنّ المرجعيّة العليا قد نسفت الإجماع المركّب في المسألة وعملت على تأسيس مبنىً ثالثٍ قائلٍ بالتفصيل .

نقول : إنّ فهمنا لولاية الفقيه الخاصّة والعامّة ينطوي على كون الفقيه الجامع للشرائط : مُدرِكاً ، مستوعباً ، واقفاً وقوفاً معرفيّاً علميّاً منهجيّاًعلى كلّ الأحكام والأدلّة الشرعيّة الأوّليّة منها والثانويّة، عارفاً خبيراً بالضرورات والمصالح والمفاسد والمحظورات ، قارئاً للنصّ محلّلاً مفسّراً مستنبطاً طبق الضوابط والملاكات المعهودة والأدوات المعروفة .. فثبتت  الثانية لعدّةٍ كالنراقي صاحب المستند وصاحب الجواهر والنائيني ومحمّد حسين كاشف الغطاء والخميني رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ولم تثبت لأكثر الفقهاء رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين ، منهم – مورد بحثنا – السيستاني مدّظلّه ، فظلّوا متمسّكين بالاُولى .

نعم ، إنّ السيّد السيستاني استطاع -بنظري القاصر- أن يقرأ ويحلّل ويقارن ويستقرئ ويستحلب النصّ والدليل بأوسع الممكن ، فاستنتج بغاية المطّاطيّة وبنهاية مايسمح له الاستنباط دون المساس أو التعدّي على القول الأساس ، فذهب عالياً إلى حيث بلغ به المقام تخوم المبنى وحدود البرهان دون الانتفاض أو تغيير البنيان .

ولاننسى أنّ الظرف الراهن وإتاحاته الملحوظة قد جعلت يده المباركة مبسوطةً على العمل واستثمار الفرصة في إرساء المبادئ الحقّة والقيم النبيلة على أفضل مايكون .. الظرف الذي لم يسنح – نوعاً – لغيره ممّن تقدّم عليه من فقهاء ذات المبنى ، قدّس الله أسرارهم الزكيّة جميعاً .

ثم أليس الفقيه الجامع للشرائط – بغضّ النظر عن الولاية المقيّدة أو المطلقة – له الولاية على المجتمع والدولة ، وهو الذي يدير شؤون البلاد والعباد، العارف الخبير بالضرورات والمصالح وموارد الفساد ، ناهيك عن كونه الوليّ الشرعي ، النائب العامّ في ظلّ غياب المولى الإمام  ؟!

إنّ ولاية الفقيه – بقسميها – أصلٌ ثابتٌ  و امتدادٌ قطعيٌّ  لوجودنا الدينيّ الإسلاميّ منذ البدء ، لا كما يرى البعض نشوءها إبّان الحقبة الصفويّة على يد المحقّق الكركي ، أو استيرادها من الفقه السنّي ومن الماوردي وأحكامه السلطانيّة ؛ فإنّها أجلّ شأناً وأرفع منزلةً من أن تكون على هذا الحال ، ولاسيّما مع ورود النصّ المتّفق عليه وحكم العقل بها في مقام الاستدلال .

وإن كانت المرجعية العليا ” تنصح وتذكّر وتعترض وتؤيّد وتستقبل أولاتستقبل وتنطق أو تصمت وتعلّق أوتستأنف … ” فليس إلّا انبعاثاً والتزاماً واستنباطاً من المبنى الفقهيّ المختار ..

وحينما لانمتلك الوعي الكافي والإحاطة المناسبة والشمّ التخصّصي المطلوب تذهب بنا الاستحسانات وطبخات الأفكار العجولة إلى عنونة ماتقرّر مؤخّراً في صلاة جمعة كربلاء بأنّه ” مصالحة السيد السيستاني  مع نفسه وإزاحةٌ للتناقض مع نهجه ” .  

إذن بات من الواضح أنّ المرجعيّة العليا لم تؤسّس لمذهبٍ فقهيٍّ ثالث في مسألة ولاية الفقيه وإنّما عملت بغاية مايسمح به مبنى الولاية الخاصّة دون الأخذ بالولاية العامّة ؛ في فضاءٍ معرفيٍّ  واستنباطٍ استدلاليٍّ ميدانيٍّ  قلّ له النظير ، مع الأخذ بعين الاعتبار احترام سائر الآراء والأنظار ، سيراً على مبنى الحبّ والوئام والوحدة والسلام وتفويت الفرصة على المغرضين اللئام .

بقلم: کریم الأنصاری

محرر الموقع : 2016 - 02 - 10