إنَّها المحاصصة يا سادة
    
مسلم القزويني
 
تمثل الانتخابات في كل دول العالم الديمقراطية حلاً أو مفتاحاً للحل من شأنه أن يصلح المسار السياسي للدولة، سواء في تعاطي الأخيرة مع المشاكل والأزمات أو في كيفية إدارة الدولة إلّا في العراق، فقد أضحت الانتخابات فيه تمثل عقدة تزيد من تعقيد المشهد السياسي، وهو ما شهدناه في الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2018، التي انقسم الجمهور قُبيْل اجرائها بين متكهن بعدم امكانية اجرائها في موعدها؛ وآخر معتقد بعدم جدواها، وما بين هذا وذاك جاءت الانتخابات هزيلة ضعيفة أفصحت عن غضب ديمقراطيٍّ تجسد بعزوف المواطنين عن المشاركة بالانتخابات، مثلما تجسدت بازاحة اسماء جثمت على صدور العراقيين لسنوات.
 
رسالة عبَّر فيها العراقيون عن سخطهم على العملية السياسية وروادها، بعد أن خيَّم اليأس على قلوبهم نتيجة غياب الخدمات، وانتشار الفساد، وشيوع المحاصصة، رسالة بلغت أسماع جميع الساسة ولكنها لم تلامس وجدانهم، ولم توقظ ضمائرهم الميتة.
 
الخاسرون في البرلمان لم يستسيغوا شرب كأس الخسارة؛ فراحوا يشككون ويهددون ويشرعون ثم يحرقون علّهم يحظون بترياق يبقيهم على قيد البرلمان، غير آبهين لمآلات الأمور!.
وما دامت النتائج لم تُفَصَّل على وفق مقاساتهم، فلمَ لا يعظِّمون التزوير، ويهوِّلون الحدث، ويعقِّدون الحلول!  
 
أمّا الفائزون في البرلمان فقد خانوا ثقة جماهيرهم حين عادوا لتشكيل إئتلافاتهم على أساس مذهبي وقومي محاصصاتي، على الرغم من علمهم أنّ مثل هذه الاصطفافات والإئتلافات القائمة على المحاصصة والمنفعة الصرفة، سترجع العراق إلى المربع الأول، وبالتالي ستفقد ثقة الجماهير بالسياسيين بعد أن سئموا من الوعود وضاقت بهم السبل، وهو ما يهدد العملية السياسية برمتها.
 
الوطنية التي كانت شعاراً ومناراً لدى كثير  من الكتل السياسية أمست اليوم محض مفردة مسلوبة المضمون، فالأعم الأغلب يبحث عن مغانمه ومواطن نفوذه على أساس محاصصاتي مقيت، ويبدو ذلك جلياً عند استنطاقنا للتحالفات التي باتت تعقد بين متبايني البرامج الانتخابية؛ بغية الوصول إلى عتبة الكتلة الأكبر؛ من أجل الظفر بالسلطة، وهذا ما يفسر السعي الحثيث لمختلف الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات. 
 
في ظل هذا الحراك المحاصصاتي_إن صح التعبير_ يصبح خيار تشكيل كتلة معارضة حقيقية داخل البرلمان خياراً غاية في التعقيد على الأقل وفق هذه المعطيات، هذا الخيار الذي ينبغي أن يكون حاضراً في دولة ديمقراطية مثل العراق، ليمثل المسطرة التي تقوِّم ما اعوج من أداء الحكومة، ولكي لا يكون الكل حاكماً والكل مراقباً! 
 
صعوبة خيار المعارضة وخطورته جعل أغلب الكتل السياسية التي تمثل السلطة رأس مالها غير مستعدة للمجازفة بالدخول إلى ميدان المعارضة، ولم يتجرأ أحد على ذلك سوى الحكمة التي لمحت لمثل هذا  الخيار. 
واذا ما بقيت المعطيات على حالها فلا تتطلعوا لحكومة أفضل؛ لأنه زمن المحاصصة يا سادة.

 

 
 
 
محرر الموقع : 2018 - 06 - 20