سياسة الإيثار وإلا فلا
    

علي علي

 

   تمر على مسامعنا أحيانا قصص وحكايات غالبا ماتحمل مغزى ومقصدا وهدفا معينا، ونقرأها أحايين أخرى في صفحات موثقة، كان قد سجلها لنا التأريخ كتجربة او موعظة، تدر علينا نفعا وفائدة يوما ما. من بينها ما يسرد لنا وقائع وأحداثا تجسد اختلافات في الرؤى تنشب بين أفراد او جماعات او فئات، يستعصي الوصول فيها الى حل يرضي الأطراف جميعا، فتستحيل تلكم الاختلافات الى خلافات ومن ثم الى صراعات، وقد تتطور فتأخذ جانب التعنت بالموقف والتزمت بالرأي، فيصل الجميع حين ذاك الى مالاتحمد عقباه، ويتساوى إذاك محصول الأفراد والجماعات والفئات من شر ماجنوه على أنفسهم يوم لاينفع نقاش ولاعتاب. وقطعا تدخل الحلول حينها متاهات أشد ظلمة، ودهاليز أكثر حلكة، وسينشد الجميع حينها: (لو كنت أعرف خاتمتي ماكنت بدأت).

   اليوم تشهد الساحة السياسية في عراق الديمقراطية -كما يزعمون- تضاربا في التصريحات، هي في حقيقة الأمر ملء فراغ، او كما نقول (گضيان وكت) يقوم به الساسة من رؤساء الأحزاب والكتل وأعضائهما، للتأثير على الرأي العام والخاص، ونلمس هذا جليا من خلال التصريحات التي يدلي بها مسؤول هنا او نائب هناك. ونستشف من تلك التصريحات ميول هؤلاء وأهواءهم، فيما إذا كانت سليمة تهدف الى خدمة البلاد والعباد، ام سقيمة تستهدف المنفعة الخاصة والمصالح الأنانية! لاسيما ونحن نلمس روح الـ (أنا) عالية عند كثير ممن يعتلون سدة الحكم، او الذين يتأملون اعتلاءها.

   ومن هذه الـ (أنا) ما هو واضح في تصريحات أغلب ساستنا، حيث يرمون حجاراتهم دوما صوب هدف يتبعون كل السبل الميكافيلية كي لايخطئوا إصابته، ذاك الهدف يتبلور في شكل الحكومة الموعودة، فهم يصرون -سرا- على أن تكون "حكومة محاصصة" وإن لم يتحقق حلمهم على هذه الشاكلة، فإن بوصلة مصالحهم ستتجه اتجاهات ثلاث، إما "حكومة توافقية" أو "حكومة شراكة وطنية" أو "حكومة أغلبية سياسية" وبغير هذي وتلك تحل سياسة "لو ألعب لو اخربط الملعب". وهم في كل هذه التشكيلات ينتهجون منهج المنشار، حيث يأكل في الذهاب والإياب، وفي الصعود والنزول على حد سواء، أما البلاد وملايين العباد، فلها رب يحميها مادام الدستور لايحميها.

أن تحالفات الأحزاب والكتل والشخصيات، تهدف -في العلن- إلى تشكيل حكومة بعيدة عن التسلط الفردي والفئوي، غير أن "القوم في السر غير القوم في العلن"..! فهم يحوكون ثوب التآمر على العراق وخيراته بكل اتجاهاتهم، ونيات السيطرة على مؤسسات البلد التنفيذية بائنة جليا أمام المتابع والمنظّر، إذ أن كل حزب يحلم بوزارة أو أكثر، ويستقتل على استيزارها من قبل عضو فيه بما أوتي من قوة ومكر وخديعة، وهو بهذا يدعو بشكل مبطن الى فسح المجال أمام المحاصصة، لتكمل عملية التهام خيرات البلد التي كانت قد بدأت عام 2006 وأدت به الى الوضع الذي نحن عليه اليوم.

  كذلك تواري الأحزاب غاياتها ومآربها بدعواتها العلنية في استحداث حكومة قوية، في حين هي تسعى سرا إلى تكبيل مؤسسات الدولة التنفيذية بسياسة التوافق التي لن تتم مادامت روح الأنا هي الغالبة، وهذا ما أثبتته الدورات الثلاث الماضية من عمر عراق الديمقراطية والفيدرالية.

  ورب قائل يقول أن من محاسن حكومة الشراكة الوطنية، أنها تبعد شبح التسلط والتفرد بالحكم عن دكة الحاكم.. وفي حقيقة الأمر، لو عدنا الى التجارب الماضية لرأينا بأم أعيننا كيف استغل (المشاركون وطنيا) تلك الشراكة، وأجاز كل فرد منهم التسلط بنفسه والتفرد في حكم ماتحت يده من صلاحيات، على صعيدي التشريع والتنفيذ.

  وفي الأحوال جميعها، لن تفلح أية حكومة تتسنم قيادة البلد، سواء أتوافقية كانت أم شراكة أم أغلبية! إلا بانتهاج سياسة الإيثار وتفضيل مصالح البلد العليا على المصالح الشخصية والفئوية الدنيا، وأظن هذا بعيدا عن ساستنا "بُعد اللبن عن وجه مرزوگ".

محرر الموقع : 2018 - 08 - 08