صحيفة الشيطان المتآكلة
    

عبدالرضا الساعدي 
يبدو لي أن الساسة الأمريكيين ، الرؤساء منهم و تحديدا ترامب المنتفخ المتجبّر ، لم يقرؤوا تاريخ الشعوب والأديان والتراث القديم جيدا ، تحديدا في منطقتنا وعالمنا الإسلامي والشرقي ، لأنهم يمتلكون عقلية مادية محددة يؤمنون بها ويتمسكون بها ، وهي العقلية التي تتمحور حول المال والقوة والخداع ، كثالوث يمتاز به الأمريكان طيلة مراحلهم السياسية والاجتماعية والثقافية المحدود والقريبة في تاريخها وعمرها ، لأن أمريكا بلا تاريخ عريق وبلا إرث حضاري تستمد منه الحكمة والتجربة والموعظة ، وإنما هناك فقط تاريخ الهنود الحمر، الشعوب الأصلية لهذه البلاد قبل أن يكتشف(كولومبس) ما يعرف ب(العالم الجديد) أو (أمريكا ) حاليا ، وقد تم قتل الشعب الأصلي لهذا البلد ومحقه من الخارطة ولم يتبق منهم سوى عدد محدود جدا يعيش بفقر وعزلة وبقايا أثرٍ حزين وبائس لم تبقي منه العقلية الجديدة للأمريكان ، سكانها الوافدين من شتى أوربا وأفريقيا وباقي دول العالم ، والتي هيمنت عليها الأجندات اليهودية الصهيونية بشكل يكاد يكون مطلقا ، بفضل المال والقوة والاحتيال أو المكر والخداع ، كما أسلفنا في الحديث .
هذه العقلية الأمريكية المحددة بهذا الثالوث المذكور آنفا ، هي التي تسببت في دمار الشعوب واستعمارها والهيمنة على مقدراتها الأخرى ، سابقا ولاحقاً وستستمر مستقبلا في ذات النهج الإستكباري الوحشي ، من خلال التدخل العسكري المباشر أو غير المباشر ، أومن خلال دعمها ومساندتها الكاملة للصهاينة المحتلين ، وكذلك من خلال وسائل أخرى أكثر خبثا ووحشية ، ألا وهو الحصار أو المقاطعة الاقتصادية لمن لا يتوافق مع سياستها ونهجها ، والدلائل لكلامنا قريبة ومعروفة ، سواء في فيتنام وفلسطين والعراق وسوريا واليمن وغيرها ، وأخيرا وليس آخرا ، جمهورية إيران الإسلامية .
وعودة على بدء ، فإن ترامب ذي العقلية الأمريكية الأحادية المتغطرسة والجاهلة بتاريخ وأديان الشعوب وتراثهم ، لم يقرؤوا جيدا ولم يتعلموا بعد من الوقائع والدروس التي يمكن أن تستلهم منها الحكمة والموعظة والعبر ، أبدا ، ولعل في تاريخنا الإسلامي زمن البعثة النبوية ، والمواجهة الصعبة والقاسية بين النبي ( صلّ الله عليه وآله وسلّم ) وبين قريش الجاهلة والمتغطرسة والماسكة بعصب الحياة الاقتصادية ، ما يغني هذا العالم المعاصر بدروس كافية في الصبر والتحمل والإرادة والإيمان ، عندما تحين ساعة المواجهة بين الظالم والمظلوم ، بين الخير والشر ، بين الحق والباطل ، فقد عمدت قريش على محاصرة النبي وأهله ومقاطعته اقتصاديا واجتماعيا ، واتفقوا فيما بينهم على ذلك بحزم وقسوة بالغتين ، فكتبوا صحيفة في ذلك ووقعوا عليها وعلقوها على أستار الكعبة كي يلتزموا بها ، واستمر الحال 3 سنين ، من السنة السابعة إلى العاشرة من البعثة وكان الأمر شاقا على النبي وأهله وأصحابه من المقربين ، بحيث كانوا يضطرون أحيانا إلى اقتيات ورق الشجر وما يصادفونه في طريقهم كي يبقوا على قيد الحياة ، في المقابل كان هناك من يقف بالضد من موقف قريش الظالم وجاهد في سبيل خرق الاتفاق وعمل على ذلك ، حتى حانت لحظة التآكل ، أي تآكل الحصار وانهياره عندما أكلت الأرضة صحيفتهم الجائرة بما فيها وبما اتفقوا عليه ، لتنتصر إرادة الحق والخير والمظلومين الصابرين ، بفضل الله أولا ونبيه الكريم وكذلك بمواقف الرجال الأخيار حينها ، من الذين ساهموا في رفض وخرق المقاطعة والحصار ، وطبعا بفضل صبر وقوة وإرادة أهل النبي وأصحابه .
ولسنا هنا من باب التشبيه والمقارنة أبدا ، إنما من باب قراءة الدروس والاستفادة من النتائج واستلهام الحكمة التي يفتقر لها الرأس المتغطرس أحينا ، تحديدا الرأس الأمريكي المنفرد دائما بقراراته وحماقاته ونهجه العدواني السافر ، هذا أولا ، ومن ثم تذكير الآخرين في العالم العربي والإسلامي وتنبيههم بما يمكن أن يفعلوه كردة فعل ومواقف ينبغي اتخاذها في سبيل خرق هذا الحصار وتآكله ، فأمريكا هي عدوة الشعوب ، وعدوها الأول الشعوب الإسلامية وبالتالي فإن الدول الإسلامية جميعا ، لن تكون بمنجى ومأمن مما يحصل اليوم ضد إيران ، وعليها أن تتخذ مواقف واضحة وحازمة لإفشال هذا المخطط الأمريكي الصهيوني وأن تقوم بتعبئة الجماهير والإعلام للاستنكار والتنديد والوقوف بالضد والمخالفة لما يحدث من ظلم واستهتار واستهداف لواحدة من أبرز وأشرف الدول التي تقف بمواجهة إسرائيل والإرهاب الدولي والإقليمي في المنطقة ، كما ينبغي قبل هؤلاء أن نذكّر وننبه الساسة في العراق والأحزاب إلى دورهم في المواجهة والتعبئة الجماهيرية والإعلامية المضادة للقرار الأمريكي سيء الصيت ، وعلينا أن نذكّر وننبه العبادي قبلهم ، أن أمريكا لم تنفع من قبل ولن تنفع أبدا ، من كانوا عملاء وتابعين لنهجها وسياستها من الحكام العرب وغير العرب ، والتاريخ السياسي المعاصر يثبت هذا بشكل ساطع لا لبس فيه ، فهل سيكون طمع الكرسي والسلطة رصاصة الرحمة لك ولمن لم يتعظ بعد من دروس التاريخ القريبة والبعيدة ، لكن من المؤكد أن الشعوب وإرادة الخير والمظلومين في النهاية هي المنتصرة ، مهما استطال الظلم والجبروت والحصار الترامبي الصهيوني ، وعلينا أن نستخرج من هذه المحنة والتجارب عناوين جديدة للمقاومة والصمود والصبر ، مع الأمل بغدٍ قادم خالٍ من العبودية والتبعية والخنوع للدول المستكبرة .. وسيرى العالم قريبا ، كيف تتآكل صحيفة الشيطان الأمريكي بفضل الله وصبر الشعب الإيراني وإرادته القوية وحكمة القادة والسياسيين وبمواقف الخيرين في هذا العالم أيضا .

محرر الموقع : 2018 - 08 - 11