تكفير وطني
    

علي فاهم
يتهم دائماً الدين وأتباعه من قبل العلمانيين بأنهم يستعملون التكفير
كسلاح لأقصاء الاخر وربما يصل حد التصفية الجسدية و هذا فعلا يحصل عند
المتطرفين و المتشددين من أتباع الاديان المختلفة السماوية و الارضية
ولكن هل هو محصور بمن يتبع الدين  فقط أم أنه مرض موجود طبيعيا عند البشر
المتدين منهم و غير المتدين ؟ يحكي لنا التاريخ البشري الكثير من المآسي
و الحروب و الاعدامات و التصفيات للاخر الانسان المختلف بالفكر أو
العقيدة السياسية وحتى الاقتصادية و الاجتماعية تحت عناوين شتى لا علاقة
لها بالدين و هذا التاريخ البشري اذا تصفحته طولياً و أفقياً يكاد لا
يخلوا يوما أو شبراً من هذه التصفيات و الاقصاءات وتحت مختلف المسميات و
العناوين وفي تاريخ العراق الحديث نماذج عديدة لهذه التصفيات و خاصة من
قبل من أمتلك السلطة و عبارة الشيوعيين ( ماكو مؤامرة و الحبال موجودة )
تختصر لنا حكاية تكفير من نوع خاص وهو تكفير العلمانيين الذي يقصي الاخر
بتهم جاهزة كالعمالة للأجنبي أو المؤامرة على الحكم أو محاولة الانقلاب و
غيرها من التهم المقولبة و التي تلبس بالأخر المختلف لتبرر تصفيته و أكثر
من أستعمل هذه المحكمة التكفيرية في العراق هم القوميين و البعثيين و
بشكل أجرامي مفرط فيه قبل أن يستلموا الحكم و بعد أستلامهم له بشكل أعنف
و أشد قسوة لمنافسيهم من الشيوعيين و من ثم الاسلاميين و مجزرة 8 شباط
1963 التي أطاحت بعبد الكريم قاسم و ما تلاها من أحداث من قبل مليشيا
الحرس القومي حتى أستلام للحكم من قبل البعثيين في 1968  ليبدأ فصل دموي
قاتم من التصفيات الجسدية و خاصة بعد أستلام الحكم من قبل المجرم الدموي
صدام حسين الذي كان يمسك السلطة التشريعية و التنفيذية بيده و قرار مجلس
قيادة الثورة 461 عام 1980 الذي قضى بأعدام جميع من أنتسب لحزب الدعوة
الاسلامية ومن يروج لأفكاره و بأثر رجعي و تحت هذا القانون أعدم مئات
الالاف من الشباب من أعضاء الحركة الاسلامية لا بل كل مسلم لديه شيء من
الالتزام الديني الاسلامي و لا يكاد يخلو بيت من بيوت الشيعة العرب و
الشيعة الاكراد من معدوم أو مسجون معذب أو مهجرين مرميين على الحدود و
طبعاً التهمة الجاهزة هي التبعية والعمالة للأجنبي رغم أن البعثيين
يعترفون أنهم جاءوا بالقطار الامريكي و اليوم تهمة العمالة أو التبعية أو
الذيل أو عدم الوطنية تهم جاهزة و مسلفنة ترمى على كل من يخالف التوجه
الامريكي لأستلاب العراق و مصادرة أرادة الجماهير و هو تكفير وطني و كأن
الوطنية تتعارض وتعاطفك مع الشعوب المظلومة في العالم أو الاعتراف
بالجميل لمن ساعدك في وقت محنتك فالوطنية عند هؤلاء لباس محدد يفصلونه
وفق أهوائهم و رؤاهم فأن كنت خارج هذه الرؤية الاحادية فأنت خارج دائرة
الوطنية و أنت كافر و تستحق كل أنواع اللعن الوطني و بمختلف التوصيفات
التكفيرية و قد تصل الى التصفيات الجسدية و تعود المشانق و الحبال الى
المنصات و دمتم سالمين .

 

 

محرر الموقع : 2018 - 08 - 14